لندن وبروكسل و«الأربعاء التاريخي»

انفصال غير مسبوق في تاريخ تكتل احتفل للتو بالذكرى الستين على تأسيسه

السفير البريطاني تيم بارو يسلم رسالة تيريزا ماي الى رئيس المجلس الاوروبي دونالد  توسك (ا.ف.ب)
السفير البريطاني تيم بارو يسلم رسالة تيريزا ماي الى رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك (ا.ف.ب)
TT

لندن وبروكسل و«الأربعاء التاريخي»

السفير البريطاني تيم بارو يسلم رسالة تيريزا ماي الى رئيس المجلس الاوروبي دونالد  توسك (ا.ف.ب)
السفير البريطاني تيم بارو يسلم رسالة تيريزا ماي الى رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك (ا.ف.ب)

تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة التي تنص على خروج عضو من الاتحاد الأوروبي يعتبر سارياً اعتباراً من اللحظة التي تسلم حكومة الدولة المعنية رسالة إلى التكتل في هذا الخصوص. ومع أنه قيل الكثير عن تفعيل مادة آلية الخروج منذ التصويت في استفتاء 23 يونيو (حزيران) من العام الماضي، فإن أمس الأربعاء أصبح يوماً تاريخياً مجهول المستقبل بالنسبة لأوروبا وبريطانيا، وكان مليئاً بالرمزية. رسالة الانفصال وقعتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي مساء الثلاثاء وهي تجلس على طاولة في داونينغ ستريت تعلوها صورة لروبرت والبول رئيس وزراء بريطانيا بين 1721 و1742، قام بتسليمها باليد السفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي تيم بارو لرئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في تمام الساعة الثانية عشرة ونصف. في الوقت نفسه الذي وقفت فيه ماي أمام مجلس العموم لتعلن البدء رسمياً في آلية الخروج من الاتحاد بعد أكثر من 40 عاماً على انضمامها إلى الاتحاد. توسك بدا متأثراً بعض الشيء أمام الصحافيين في بروكسل، وتحدث مرتجلاً ثم عاد وقرأ من بيان وقال إن «بريطانيا رسمياً أعلنت أنها ستترك الاتحاد الأوروبي، وسوف تنطلق المفاوضات بين الجانبين حول العلاقة المستقبلية». ولمح توسك إلى أن الشيء الإيجابي من خروج بريطانيا، هو أن باقي الدول الأعضاء لديها العزم الآن لتقوية التكتل الموحد، وسنبذل كل الجهود لتحقيق الأهداف التي نسعى إليها، والتي تستجيب لرغبات المواطنين في باقي دول التكتل الـ27.
أما ماي فقد دعت نواب وشعب بريطانيا إلى «الوحدة» للتوصل إلى «أفضل اتفاق ممكن» مع الاتحاد الأوروبي بعد إطلاق آلية بريكست، مشددة على أنه «لا عودة إلى الوراء». وقالت ماي أمام النواب: «آن الأوان لأن نتحد ونعمل للتوصل إلى أفضل اتفاق ممكن»، مضيفة أنها «لحظة تاريخية»، وأنه لم يعد من الممكن الآن «العودة إلى الوراء».
وقالت ماي للبرلمان: «تفعيل (المادة 50) جارٍ وستترك المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي تماشياً مع رغبة الشعب البريطاني». وقالت ماي إن بريطانيا ستسعى للاتفاق على شراكتها في المستقبل مع التكتل.
كلام ماي عن وحدة أعضاء المملكة المتحدة ينم عن خوفها من تفتتها بسبب قرار «بريكست»، الذي قد يكون من أسوأ تداعيات قرار الخروج، كما نبه سابقا رؤساء وزراء سابقون، منهم العمالي توني بلير والمحافظ جون ميجر، اللذان تحدثا عن مستقبل مجهول لعلاقات بريطانيا التجارية مع الاتحاد، وعن إمكانية تفتيت جسم المملكة المتحدة التي تتكون من إنجلترا وآيرلندا وويلز واسكوتلندا، وهذه الأخيرة صوتت قبل أقل من 24 ساعة، وخلال توقيع ماي رسالة الخروج لصالح إجراء تنظيم استفتاء آخر للاستقلال عن لندن بعد أكثر من ثلاثة قرون. وفي الاستفتاء الذي صوت فيه 52 في المائة لصالح الخروج صوتت اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية بالإجماع لصالح البقاء، بينما صوتت إنجلترا وويلز لصالح الخروج.
وبخصوص محتوى الخطاب الذي أرسلته ماي إلى بروكسل قال فيليب هاموند، وزير الخزانة البريطاني لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، في وقت مبكر أمس الأربعاء قبل حضوره اجتماع للحكومة، إن الخطاب يشمل «الكيفية التي نريد بها إجراء تلك المفاوضات». وأضاف هاموند أن الخطاب يبني على كلمة تيريزا ماي الصادرة في يناير (كانون الثاني) الماضي التي حددت فيها خطط بريطانيا للانسحاب من الاتحاد، بما في ذلك سوق أوروبية موحدة. وتحدثت ماي، أول من أمس الثلاثاء، مع شخصيات بارزة بالاتحاد الأوروبي من بينها توسك، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. وقال يونكر إن محادثاته كانت «جيدة ومفيدة»، وإن بريطانيا ستظل حليفاً قريباً.
إطلاق هذا الانفصال غير مسبوق في تاريخ الاتحاد الأوروبي الذي احتفل للتو بالذكرى الستين على تأسيسه. ونشرت الحكومة البريطانية مساء الثلاثاء صورة للحظة توقيع ماي على الرسالة التي ستغير مصير بريطانيا. وتصدرت الصورة الصفحات الأولى لعدة صحف الأربعاء. وكتبت الـ«تايمز» أن «التاريخ يراقبنا»، بينما عبرت الـ«غارديان» عن الخوف من «قفزة في المجهول»، وكتبت «ديلي ميرور» من جهتها: «أيها الاتحاد الأوروبي العزيز، حان وقت الرحيل». أما الصحف المشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي فكانت سعيدة بالحدث وعنونت «ديلي ميل» «الحرية!» وكتبت «ذي صن» على صفحتها الأولى «وداعاً دوفر».
لا يزال مضمون الرسالة سرياً، إذ تحرص بريطانيا على عدم الكشف عن الحجج التي ستستخدمها في المفاوضات التي ستدوم عامين. لكن المحللين يرون أن هذه المهلة قد لا تكفي لفك الروابط التي نسجت على مدى أربعة عقود، والملفات المعقدة التي سيتم التباحث بشأنها، سواء على صعيد التجارة أو القضاء أو القضايا الإنسانية.
تقول كاثرين بارنارد، أستاذة القانون الأوروبي في جامعة كامبريدج، في تصريحات للوكالة الفرنسية: «الحقيقة أن النطاق واسع إلى حد أن عامين لن يكونا كافيين أبداً»، مضيفة: «عند إزالة كل عثرة، سيظهر غيرها». أما كامينو مورتيرا مارتينيز، الباحثة في مركز الإصلاح الأوروبي في لندن، فتتوقع «على الأرجح» ألا تنتهي المفاوضات في غضون عامين. وتقول باتريسيا هوغوود ،أستاذة العلوم السياسية في جامعة وستمنستر: «هناك عراقيل منذ الآن»، حتى قبل انطلاق المفاوضات، مشيرة إلى التكلفة التي ستترتب على الخروج من السوق الأوروبية والدخول إليها من جديد.
وترفض ماي ضمان حقوق نحو 3 ملايين أوروبي يقيمون في بريطانيا بينما هدفها الأساسي يقوم على الحد من الهجرة القادمة من الاتحاد الأوروبي. ولمح الوزير المكلف بملف «بريكست» ديفيد ديفيس، إلى أن لندن لن تدفع الفاتورة التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل لن تدفعها كاملة، خصوصاً فيما يتعلق بالبرامج التي التزمت بها بلاده قبلاً. وقال مسؤول أوروبي كبير إن المفوضية الأوروبية قدرت قيمة الفاتورة بين 55 و60 مليار يورو. إزاء هذه الخلافات ورغبة بروكسل في التأكيد على أن بريطانيا لا يمكنها الحصول على اتفاق أفضل «خارج الاتحاد الأوروبي مما لو كانت في داخله»؛ وذلك لتفادي انتقال عدوى الخروج إلى دول أخرى، هناك مخاوف فعلية بعدم التوصل إلى اتفاق. تؤكد ماي أنها لا تخشى هذا الاحتمال، وتقول: «عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من توقيع اتفاق سيء». لكن الأوساط الاقتصادية ترى أن ذلك سيكون السيناريو الأسوأ، بما أن نصف المبادلات التجارية لبريطانيا تتم مع الاتحاد الأوروبي. في الوقت الحالي، الاقتصاد البريطاني متين، لكن تفعيل «بريكست» يمكن أن يحمل بعض المستثمرين على الرحيل، في الوقت الذي بدأت الأسر تشعر بتأثير التضخم الناتج عن تراجع سعر العملة الرسمية. كما أن الخلافات المرتبطة بالتصويت لا تزال قائمة، ويمكن أن تهدد حتى وحدة المملكة المتحدة. فقد تظاهر عشرات آلاف الأشخاص السبت في لندن لمطالبة الحكومة بـ«وضع حد لهذا الجنون» المتمثل في خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي. وفي اسكوتلندا، وافق البرلمان المحلي على إجراء استفتاء جديد حول الاستقلال بعد الاستفتاء الأول في سبتمبر (أيلول) 2014.
وأعلنت رئيسة وزراء اسكوتلندا نيكولا ستيرجن أن «الظروف تغيرت مع بريكست»، مذكرة بأن شعبها صوت بنسبة 62 في المائة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. وإن كانت ماي تكرر بأن «الوقت ليس مناسباً»، فإنه لن يكون بوسعها تجاهل هذا الطلب الذي يهدد بتقسيم المملكة المتحدة.



حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.