«شوق»... دراما سورية في رحى حرب مزقتها الأهواء

يعرض أوضاعاً معيشية كارثية وقصصاً رومانسية تتحدى أصوات المدافع

باسم ياخور وسوزان نجم الدين  -  نسرين طافش
باسم ياخور وسوزان نجم الدين - نسرين طافش
TT

«شوق»... دراما سورية في رحى حرب مزقتها الأهواء

باسم ياخور وسوزان نجم الدين  -  نسرين طافش
باسم ياخور وسوزان نجم الدين - نسرين طافش

يُعرض المسلسل السوري «شوق» حصرياً، على قنوات «osn» الفضائية، ويتناول قصصاً وأحداثاً تدور في رحى الحرب السورية وما خلّفته من دمار، وكيف يعيش أهل هذا البلد بين الأطراف المتنازعة سواء في المواقع التابعة لقوات النظام أو التي تسيطر عليها المعارضة والفصائل المسلحة والتنظيمات المتطرفة.
يحكي «شوق» قصة إنسانة عميقة وقارئة شغوفة، تعيش داخلها طفلة عفوية وجريئة، تمتلك شخصية خاصة بها تميّزها عن أي فتاة أخرى. تعمل شوق في دار للنشر نهارا، ومونتيرة في الأفلام الوثائقية ليلا.
تتبدل تفاصيل يومياتها عبر حدث استثنائي لم يسبق أن طرح في الدراما العربية، إذ تقع الفتاة في حب شاب يعيش هو الآخر ظروفا خاصة، ويتبدّل كل شيء في لحظة.
من قلب الحرب السورية، يرتكز المسلسل على قصة حب مشوّقة بمحور جديد، تتعلق بسبايا الحرب، فكرة لم تتطرق إليها المسلسلات العربية من قبل. وهكذا يشكّل الحب والحرب تيمتي العمل الأبرز.
قد لا ترتكز أحداث هذا المسلسل على قصة واقعية، بيد أنّ ما يحدث في زمن الحرب ليس محض خيال.
صوّرت المشاهد في العاصمة دمشق عام 2014 ولا تزال إلى الآن، والمعارك تستعر ونزف الدم يزيد يوما بعد يوم.
المسلسل من بطولة الفنانة نسرين طافش «شوق»، وسوزان نجم الدين «روز»، وباسم ياخور «وائل»، وجوان خضر (مجد)، والفنانة القديرة عرابة الدراما السورية منى واصف، وصباح جزائري، وجرجس جبارة، ونخبة كبيرة من وجوه الدراما السورية، إلى جانب فنانين لبنانيين، منهم المطرب اللبناني زياد برجي.
تنشأ قصة حب قوية بين شوق ومجد. تعيش شوق في الشام فيما يعيش مجد في بيروت، وتتّقد أشواق الحب على أصوات القذائف والتفجيرات.
يأتي مجد من بيروت لرؤية شوق ويجلس معها بضع ساعات، وتنشأ بينهما قصة حب متوهجة على الرغم من ارتباط مجد بفتاة لبنانية تدعى «ندى» (جوي خوري)، ابنة رئيس الشركة حيث يعمل هو وصديق والده. فيقع الشاب في حيرة بين حبيبته شوق وخطيبته التي لا يستطيع أن يفارقها لحبّها الكبير له.
يقرّر مجد بعد تفكير أن يتخلى عن شوق لأسباب عدّة، منها العمل، وامتنانًا لمساعدة والد خطيبته رب عمله الذي وقف إلى جانبه ووالده بعد نزوحهما من الشام في بداية الحرب. ينفصل مجد عن شوق بيد أنّ ألم الفراق يلازمه، فيحاول العودة لحبيبته، لكنها تغلق أبواب قلبها في وجهه وتقطع كل سبل العودة.
لشوق معاناة شديدة فهي مصابة بالـ«ألزهايمر»، أي مرض فقدان الذاكرة، جراء حادث تعرضت له في الحرب أفقدها والديها. تتمتع الفتاة بشخصية قوية وتحاول رغم مأساتها العيش والمقاومة، وتستمد من الضعف قوة، وتأبى ترك الشام سعياً للهجرة كما يحاول أخوها بشتى الطرق هرباً من ويلات الحرب.
في المسلسل حكاية حب أخرى بين «وائل» (باسم ياخور) و«روز» (سوزان نجم الدين). وائل محامٍ معروف ووالده قاضٍ بالمحكمة الدستورية ومستشار بوزارة العدل، وأمه مديرة مدرسة متقاعدة، وأخته طالبة في الجامعة، ولديه علاقات متينة بشخصيات نافذة في النظام السوري.
حبيبته روز طبيبة وناشطة حقوقية تعمل في مجال حقوق الإنسان وضحايا الحرب، وتدافع عن الفصائل المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي.
تقع روز في أسر إحدى الفصائل المسلحة بعد عملية خطف مجموعة سيدات وفتيات يتعرضن للسبي ويوضعن في مستودع ليُفرزن كل فترة إمّا للبيع أو الخدمة أو الجنس، لفصائل مثل «داعش» أو «جبهة النصرة» أو فصيل «تحرير الشام»، باعتبارهن سبايا نظام بشار الأسد.
بعد محاولات عدّة تتمكن روز والأسيرات الأخريات من الهرب، وبمساعدة أحد شباب المعارضة الذي يختلف مع أمير التنظيم في نيات الحرب بالوكالة، تنجو روز من الموت الذي طال كثيرات من صديقاتها.
يُلقي مسلسل شوق الضوء على معاناة الناس، في مسائل عدة من انخفاض مستوى العملة السورية إلى صعوبة شراء الطعام، وانقطاع الكهرباء، والبطالة المزمنة، وانتشار تجارة وتعاطي المخدرات والحشيش، وسوق «الدعارة» لمن يدفع أكثر، وسوء أحوال التعليم، وانتشار السلاح بين الشباب في الجامعات، ومعاناة الآباء من اعتقال أبنائهم في سجون النظام، أو الاشتراك مع فصيل مسلح، أو من يبيع زميله وأخاه من أجل المال.
كما أظهرت مخرجة العمل رشا هشام شربتجي مدى آلام وأوجاع الناس واستمرار الحياة، فعلى أنغام الموسيقى الهادئة المليئة بالحب والرومانسية بين شوق ومجد وذكريات وائل مع حبيبته روز، تسمع أصوات القذائف وكأنها أصبحت أمراً واقعاً يتعايش معه الناس.
«شوق» السوري، يجسد معاناة شعب بأكمله وقع عليه الظلم بشدة وأصبح مستباحاً من الجميع في ظل أوضاع معيشية وحياتية كارثية... وفي ظل دراما سورية لم تعد كسابق عهدها، تصور أوجاع الناس على الطبيعة، وفي وسط كل ذلك يسلط المسلسل الضوء على الأكلات السورية، مثل: البندورة والتبّولة والمقلوبة والعصيجة وشوربة العدس والفروج ومشروبات وعصائر أخرى. كما يرصد أيضا إدمان الشعب السوري احتساء القهوة السورية وانتشار السجائر وتدخين «النرجيلة»، مع زيادة واضحة في أجساد الممثلين السوريين.
صُوّر جزء كبير من المسلسل في دمشق ولبنان والأردن. واتسم عمل أبطال العمل من السوريين بالواقعية والعنفوان والصدق الفني في تعبيرهم عن معاناة ومأساة وحسرة شعب بأكمله. نذكر منهم على وجه الخصوص، العرّابة منى واصف، وأداء النجمة الفلسطينية السورية نسرين طافش، وباسم ياخور الذي جاء أداؤه هادئاً ومحترفاً على سجيته، والنجمة سوزان نجم الدين الشابة المليئة بالحيوية.
أجمل ما يُميّز شوق، الموسيقى التصويرية من الموسيقار اللبناني إياد ريماوي، وغناء النجم زياد برجي، فجاءت معبّرة عن مشاعر الحب المصاحبة للخوف ومشاهد الحرب، وناقلة لإحساس ومعاناة السوريين المشتتين ذوي الوجوه العابثة المتعلقة بقطرة أمل لغدٍ أفضل.
فيما لخّصت أغنية «يا صوت الحنين» حال المسلسل والألم والمعاناة، بكلمات نابعة من وجع الناس لتقول: (يا صوت الحنين، يا صدى الأوجاع بتنده ع مين، ياها القلب ارجاع، شو انحرقت سنين، حب عمري ضاع، والحلم انسرق، ما تذكرني بشي، يا سنين الأوهام يا حبيبي شمسي عم بتغيب، بعتمة الأيام ضميري اختنق).



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».