«فرق مكافحة روميو» لمواجهة التحرش في الهند

«فرق مكافحة روميو» (أ.ف.ب)
«فرق مكافحة روميو» (أ.ف.ب)
TT

«فرق مكافحة روميو» لمواجهة التحرش في الهند

«فرق مكافحة روميو» (أ.ف.ب)
«فرق مكافحة روميو» (أ.ف.ب)

في الآونة الأخيرة، تعهدت الحكومة المحلية المنتخبة حديثا في ولاية أوتار براديش الهندية الأكثر اكتظاظا بالسكان، والتي أجرت استطلاعا كبيرا للرأي تعهدت من خلاله أنه بمجرد تولي السلطة سوف تشكل فرقا لمواجهة التحرشات الجنسية ضد المرأة.
وبالفعل شكلت حكومة الولاية فرق مكافحة أطلقت عليها اسم «فرق مكافحة روميو»، وهي مجموعات من الشرطة الخاصة خصصت لمراقبة الأسواق، والمراكز التجارية، والمدارس، والكليات، ومراكز التدريب، والحدائق، والمتنزهات، وغير ذلك من الأماكن المزدحمة، لحماية النساء من التحرش.
يقول جافيد أحمد المدير العام لشرطة ولاية أوتار براديش: «إن أمن وسلامة الفتيات والنساء هو المقصد الوحيد من تشكيل الفرق. وهي ليست شرطة أخلاقية بحال من الأحوال».
وأضاف ساتيش غانيش أحد كبار ضباط الشرطة في الولاية: «تلقى مشرفو الشرطة في الولاية التعليمات الواضحة بتشكيل الفرق التي تنتشر في الأماكن التي تعتبر من نقاط الضعف المعروفة». وسوف تراقب تلك الفرق الشرطية أيضا مستويات تناول واستهلاك المواد الكحولية في الأماكن العامة حيث إنها تعتبر من مسببات حوادث التحرش بالنساء، كما قال.
ولقد تشكلت فرق مماثلة في مختلف الولايات الهندية الأخرى لتوجيه الرجال نحو أمن وسلامة النساء.
وتشكلت تلك الفرق من النساء الشرطيات اللاتي يرتدين الملابس السوداء والقبعات الأرجوانية، وتنقسم إلى مجموعات قوامها ست شرطيات على ثلاث دراجات، وتقوم بدوريات في مدينة غواهاتي عاصمة ولاية آسام الهندية الشمالية، وتعمل هذه الفرق على مدار الساعة. وتلك هي أول فصيلة خاصة مكلفة بمراقبة أعمال العنف ضد النساء في شوارع ولاية آسام.
وتعرف هذه الفرق محليا باسم «فيرانغاناس» باللغة المحلية أو (النساء المحاربات)، وهي مكونة من 42 من الشرطيات المدربات تدريبا راقيا وهن مكلفات بمراقبة حوادث التحرش بالنساء في الأماكن العامة في المدينة. وعملا بالمثل، فإن الكثير من الولايات الهندية تنظر جديا في تكوين فرق مماثلة لمكافحة التحرش بالنساء.
وقال بهاسكار جيوتي ماهانتا، العقل المدبر وراء تشكيل هذه الفرق الخاصة: «أريد أن أغرس الثقة لدى النساء حيال قدراتهن الخاصة، وبث الخشية بين الرجال الذين لا يحترمون النساء».
لم يكن سائق الأجرة محمد شافي من مدينة دلهي مهتما بالمشاكل التي تواجهها النساء والفتيات. وكان سائق التاكسي البالغ من العمر 37 عاما يجوب شوارع المدينة ويحدق في استياء عبر مرآة الرؤية الخلفية في سيارته إلى النساء اللواتي يرتدين الملابس الضيقة أو القصيرة، أو يعلق عندما تحاول إحداهن التدخين أو البقاء خارج المنزل لوقت متأخر من الليل.
ولكن النزعة الشوفينية لدى السائق شافي أصبحت جزءا من الماضي وتحول موقفه تجاه المرأة من خلال أحد المناهج التدريبية التي تلقاها حول التوعية الجنسية بين الرجال والنساء والتي تديرها مؤسسة ماناس الخيرية ووزارة النقل في مدينة دلهي.
ويقول السائق شافي عن ذلك: «عندما قيل لي إنه يجب حضور هذه الدورة التدريبية، لم أكن سعيدا حيث ظننت أنه لا ضرورة لها وأنها ليست إلا مضيعة للوقت. وهو الوقت الذي قد أقضيه في جني بعض المال من خلال عملي في توصيل الركاب. ولكن عندما حضرت الدورة التدريبية وتفهمت المشاكل التي تواجهها النساء في شوارع دلهي وأنني لدي القدرة على تغيير بعض من هذه المشاكل، أدركت حينها أنه أمر ينبغي على الجميع أن يعرفه ويتعلمه».
ناروتام هو أحد سائقي العربات الهندية الصغيرة في شوارع دلهي، ولقد كان أحد الحاضرين في الدورة التدريبية التثقيفية المشار إليها، وهو يساعد في نشر رسالة احترام النساء في مختلف أرجاء المدينة، والتي أصبحت تعرف محليا باسم «عاصمة الاغتصاب الهندية». ولتأمين شهادة اللياقة البدنية السنوية لدى وزارة النقل الهندية، فإنه يلزم السائقين الهنود في العاصمة دلهي، والذين يبلغون نحو 120 ألف سائق، حضور الدورة التدريبية الخاصة بالتوعية بين الجنسين لمدة ساعة واحدة على الأقل سنويا.
وهي من المشاهد الشائعة هذه الأيام أن ترى سيارات الأجرة أو العربات الصغيرة التي تجوب شوارع نيودلهي وهي تعرض رسائل مثل: «هذه السيارة تحترم النساء».
تقول مونيكا كومار، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك في مؤسسة ماناس: «إن أهم ما يميز هذا البرنامج هو منهج الصحة النفسية المعتمد في مشاركة الرجال في دروس التوعية والعدالة بين الجنسين».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».