ترنس مالك... مخرج يشغل النقاد

فيلمه الجديد «أغنية لأغنية» فتح نقاشاً منذ عرضه الأول

رايان غوزلينغ ومايكل فاسبيندر وروني مارا في «أغنية لأغنية»
رايان غوزلينغ ومايكل فاسبيندر وروني مارا في «أغنية لأغنية»
TT

ترنس مالك... مخرج يشغل النقاد

رايان غوزلينغ ومايكل فاسبيندر وروني مارا في «أغنية لأغنية»
رايان غوزلينغ ومايكل فاسبيندر وروني مارا في «أغنية لأغنية»

بينما يصر المخرج ترنس مالك على تحقيق أفلامه بالأسلوب البصري الذي يريده، وبالصياغة الفنية التي يحبذها على سواها، يزداد ارتياب نقاد السينما الغربيين بقدراته وموهبته، ويرتفع عدد الذين يطالبونه بالكف عن تفضيل «تصوير أغراضه الخاصة على السرد» أو، كما كتب أحدهم أيضاً: «منح تصوير الطبيعة الأفضلية على شخصياته وحكاياته».
لكن من المحتمل جداً، وحسب أفلام مالك الأخيرة، أن يكون النقاد الغربيون هم الكسالى في تلقي الفيلم وتفسيره، أو أن تكون الأفلام الترفيهية التي يشاهدونها ليل نهار هي التي احتلت ملكاتهم التعبيرية وقدراتهم على الاستلهام.
فيلم مالك الجديد «أغنية لأغنية» فتح نقاشاً منذ عرضه الأول في افتتاح مهرجان «ساوث باي ساوثوست»، ومقبل على مزيد من النقاش النقدي مع اقتراب موعد عرضه العالمي، بعدما بوشر بعرضه قبل نحو أسبوع في الولايات المتحدة وكندا.
معظم النقاد الذين نقرأ لهم هذه الأيام، يعتقدون أن ترنس مالك زادها. لا يحاول أن يصوغ ما يمكن من فهم أو هضم مراده عندما يترك شخصياته خارج الكادر وينطلق بعيداً عنهم وهم ما زالوا يتكلمون، أو حين يقطع على الماء والشجر في كل مناسبة متاحة. ما الذي يريد قوله؟ لماذا لا يسرد الحكاية كما هي وكما يفعل الآخرون؟ لماذا يترك ممثليه كما لو أنهم قطع ديكور جانبية، عوض أن يسند إليهم مهام فعلية؟
* موسيقى جامعة
لو فعل ترنس مالك ما يطلب منه لما بات ترنس مالك. ففي هذه المرّة، عبر «أغنية لأغنية» اختار مالك الذهاب إلى مدينة أوستن التكساسية، تلك التي ترعرع فيها وتعلم في بعض مدارسها. لا يعمد إلى المدينة ذاتها بل يصوّر مهرجاناً موسيقياً فعلياً ويستخدمه كخلفية، لحكاية عاطفية بين بطلة الفيلم فاي (روني مارا) وبين كوك (مايكل فاسبيندر). هي مغنية وهو منتج موسيقي. هذا قبل أن تتعرّف على بي ڤي (رايان غوزلينغ) وهو موسيقار شاب يحاول صعود درجات الشهرة، تلك التي يبدو كوك كما لو أنه ولد فوقها. يخلق مالك من هذا الثالوث ما يود سرده عن عالم الموسيقى والشخصيات التي تعيشه. في الوقت الذي يصور فيه علاقات العاطفة غير المستقرة وما تحدثه من مشاعر غيرة أو حيرة، يقوم بإبطال الحاجة إلى الحبكة التقليدية كما عادته.
بذلك يبدو الفيلم كما لو أنه عن الأشياء أكثر من صانعي الأشياء. عن الجوانب المتحوّلة إلى أسس، والأسس التي تتراجع لتحل محل الجوانب. هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه في الخلفية أغان حديثة لداي أنتوورد وكلاوس وايز وباتي سميث (التي لديها كذلك شخصية تؤديها) جنباً إلى جنب مقطوعات موسيقية كلاسيكية لفرنشيسكو لوبيكا وغوستاف مولر (السيمفونية الثانية).
هذا في الوقت الذي تبقى فيه بوصلة المخرج موجهة صوب الدور الذي تؤديه مارا. هي الوسيط الجامع بين كل ما يرد من الفيلم، ومركز لقاء الشخصيات الأخرى، كون الفيلم يعمد إلى الإفصاح عن ذكرياتها العاطفية ليسبر غورها وغور باقي الشخصيات. وهذا بعض التغيير عما ورد في أفلام مالك السابقة، عندما كان الرجل، وليس المرأة، محط عناية المخرج الأساسية.
أما استخداماته الموسيقية والغنائية، فهي تلعب دور المذكرات المكتوبة. تدلف بطلة الفيلم ويدلف الفيلم معها إلى الماضي، عبر الأغنية، ويعود إلى الحاضر عبر سواها.
الرحلة الحقيقية هي تلك التي خاضها ترنس مالك في سنوات حرفته الـ44. خلالها أنجز، حتى الآن، تسعة أفلام طويلة، واحد منها كان التسجيلي المحتفل بالحياة من دون ضوابط السينما التعليمية، وهو «نزهة زمنية: رحلة حياة» (Voyage of Time‪:‬ Life‪'‬s Journey).
بداية ترنس مالك كانت ناجحة عندما قام سنة 1983 بتحقيق «بادلاندز» بطولة مارتن شين وسيسي سبايسك وورون أوتس. كل ما هو ترنس مالك بدأ هنا، بما في ذلك حبه لتوفير صوت يصاحب الصورة. أناس من الفيلم تروي ما هو أكثر من مجرد تعليق، بل هو ليس تعليقاً على الإطلاق؛ لأن ما نسمعه هو شرح حال تنبري له إحدى الشخصيات، ما يربط أجزاء الفيلم، بعضها ببعض.
* حين هجم الجراد
رغم حب النقاد لهذا الفيلم، فإن مالك غاب خمس سنوات قبل أن يعود عام 1978 لكي يقدم فيلمه الثاني «أيام الجنة».
المنطلق مماثل مع الفيلم الأول: بِل (ريتشارد غير) شاب أرعن يقتل رئيسه في المصنع الذي يعمل فيه ويهرب مع صديقته آبي (بروك أدامز) وشقيقته ليندا (ليندا مانز) إلى تكساس. لكن فعلَي القتل والهروب هما كل ما يجمع - قصصياً - بين الفيلمين. بعد ذلك ينتقل الفيلم بأسره إلى عالم آخر تقع أحداثه في ولاية تكساس عندما يبدأ بِل العمل في مزرعة صاحبها رجل (يقدمه الفيلم بلا اسم، ويؤديه سام شيبرد) وهذا الأخير يقع في حب آبي بعدما اعتقد أنها شقيقة بِل (كما أوهماه). يشجع بِل فتاته على الزواج من صاحب المزرعة، بعدما علم أنه لن يعيش طويلاً، بغاية أن ترث مزرعته.
* غياب في الطبيعة
توارى المخرج سبعة أعوام هذه المرّة، وعاد بفيلم عنوانه «العالم الجديد». فيلم في التاريخ من دون أن يكون فيلماً تاريخياً. ينطلق من حكاية ذات أساس واقعي ليبحر في جوانب شخصياتها وهي تبحث عن مستقبل لها.
السنة هي 1607، أميركا (الجزء الشرقي من الولايات المتحدة كما نعرفها الآن)، بعد نحو 115 سنة على وصول كريستوفر كولمبوس لشواطئها، وقبل 172 سنة على بدء حرب الاستقلال. المشهد الأول هو لوصول ثلاث سفن حربية (من طراز ذلك الزمن) إلى شواطئ ولاية فرجينيا، ممثلة الغزو العسكري الأول. الحملة يقودها الكابتن نيوبورت (كريستوفر بلامر) الذي يطلب من ضابطه الأول، كابتن سميث (كولين فارل) القيام بعملية استكشاف للمنطقة المحيطة بموقع النزول. كان الكابتن قد حكم على سميث بالإعدام لحادث لا يسبر المخرج غوره وقع على ظهر السفينة. نيوبورت لم ينفذ الحكم، لكن إيفاده في مهمّة خطرة قد لا يعود منها ربما يكون سبيل التخلص منه. وبالفعل يحيط المواطنون الأصليون، من قبيلة باواتان، بالجنود المصاحبين للضابط ويقتلونهم، لكنهم يبقون على حياته هو. خلال إقامته في مخيماتهم يتعرف على الجميلة بوكاهانتس (كوريانكا كليشر)، ابنة رئيس القبيلة، ويقعان في الحب.
بعد عودته إلى المعسكر تتدخل لا للحاق به فقط، بل لإنقاذ الحامية من الموت جوعاً (هناك إيحاء قوي بأن بعض رجال الحامية انقلبوا إلى آكلي لحوم بشرية). بعد ذلك هي على استعداد للعودة مع الضابط إلى بريطانيا وقبول حياة جديدة، يتابعها المخرج كنسيج من ملاحظاته العميقة حول الاختلافات الثقافية التي يستطيع الحب وحده التغلب عليها.
يلتقط المخرج الحياة البيئية كما كانت، وكما تزال على ضفاف النهر ذي الاسم الهندي، شيكاهوميني، الغارق في التاريخ. وكما في أفلامه اللاحقة على الأخص، يترك الحكاية أكثر من مرّة، ويغيب في ثنايا الطبيعة ووجدانياتها الروحانية، ولو أن التوازن بين الدراما وبين الاهتمامات الوجدانية تلك ليس مكتملاً على النحو الذي نراه لاحقاً، في «شجرة المعرفة» و«إلى العجب».
على ذلك، تتماسك المعاني جيدا. هذا الفيلم حول تلك البراءة التي يرمز إليها كل ما هو أصلي وأصيل، وعن التأثير البشع الذي حمله المستوطنون الجدد، وطينة الصدام السريع بين العالمين القديم والحديث وما نتج عنه. كل هذا يبقى في نطاق ما هو مرتسم في ثنايا العرض قابلاً للقراءة بقليل من التمعن.
«شجرة الحياة» (2011) هي تحفة المخرج الفعلية. لذلك الوقت صاغت أفلام مالك كلها رؤيته الفلسفية حول الحياة. انفصل، في غالبيتها، عن الشخوص لتصوير مجرى نهر صغير أو شجرة شاهقة أو طائر بعيد. لكنه هنا، وضمن رغبته عرض الحياة كما بدأت وكما هي اليوم، وإيصال رسالة تواصل تلاحمي بين الإنسان في مختلف عصور وجوده، ينفصل عن الحكاية لأكثر من أربعين دقيقة (من أصل 139 دقيقة هي مدة الفيلم) متحدثاً بإيمان واضح عن إبداع الخالق وجمال ذلك الإبداع. يصوّر الكون البعيد وأعماق البحر ويجوب الأرض والكواكب والأزمنة، ويذهب في كل اتجاه من شأنه تقديم صورة بانورامية للحياة كما نعرفها و -غالباً - كما لا نعرفها أيضاً.
* رسم بالكاميرا
من هذا الفيلم، دلف مالك إلى «إلى العجب» (2012)، فيلم غريب من حيث إنه يكاد لا يعرف القصّة على الإطلاق. العناصر التي تبرر اعتبار الفيلم روائياً أقل حضوراً من أي فيلم سابق له. رغم ذلك، فإن «إلى العجب» ليس فيلماً تسجيلياً، والحقيقة أنه لا يشبه فيلماً سبقه، ولن يكون هناك فيلم يشبهه لاحقاً.
الكاميرا هي عينا رجل (بن أفلك) ينظر كيفما أراد إلى أي اتجاه يرغب، والكاميرا مطواعة لما يريد. ترتفع إلى السماء أو تهبط إلى الأرض، تماماً كما نفعل نحن حين نتطلع إلى الأعلى أو نعود إلى حيث نقف. تماماً كما لو كانت الكاميرا التجسيد الآلي لروح بطل الفيلم. لكنها لن تستمر طويلاً في ذلك، بل ستنفصل عن هذا الرجل المتسائل وتمضي لتلتهم الأرض المنبسطة وتطير فوقها هناك، وتسبح وتعوم أو تلعب تحت سطح الماء.
فيلم جريء آخر مصر على أن يشكل السينما كما يريد المخرج تشكيلها. وهذا ينتقل مرّة أخرى إلى فيلمه «فارس الكُبّة» (Knight of Cups) الذي أنجزه قبل عامين.
كاتب السيناريو ريك (كرستيان بايل) يعيش مطلع نجاحاته في هوليوود. يحيا حياة الليل. مقبل على السهر والحفلات الصاخبة. يحضر، في واحد من المشاهد، مناقشة للسيناريو الذي قام بكتابته. يدخل ملهى ليلياً للرقص ويجالس الراقصة مستمتعاً بحديثها له. لديه صديقة يتركها (ناتالي بورتمان) لسواها (فريدا بينتو) ثم يغيّر هذه لسواها أيضاً (تيريزا بالمر) علماً بأن المخرج سينهي سرد هذا الجانب من حياة بطله بلقاء متجدد مع مطلّقته (كايت بلانشيت).
لكن كل هذه العلاقات هي جانب واحد من شخصية تبحث عن ذاتها، وما حدث لحالها منذ أن سعت لتصبح ما أرادت أن تصبح عليه.
بذلك انتقل إلى فيلمه التسجيلي الذي عرضه مهرجان فينيسيا في الخريف الماضي، وهو «نزهة زمنية: رحلة حياة» الذي خصّه لالتقاط الحياة على الأرض مع تمهيد لرحلة بين الكواكب. ليس فيلماً تعليمياً وليس عملاً من تلك التي تعرضها محطات «ناشيونال جيوغرافيك»، بل رحلة، بالفعل، في الزمان والمكان وعلى النحو الذي يحب ترنس مالك ممارسته بعيداً عن أي قيود.
هذا أسهل في فيلم من هذا النوع، من فيلم روائي، لكن مالك، يحافظ على فرادته واستقلاليته مغذياً أعماله بألوف اللقطات ومئات الحركات البصرية. يعمد إلى الطبيعة ويمزجها بالماضي والحاضر ويضمها جميعاً إلى منوال ساحر من الأفكار الثرية المنفّذة فنياً بطلاقة رسام، لديه المال والوقت والكاميرا ليلعب بها جميعاً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».