معرض «إعادة اكتشاف قرطاج» في متحف باردو

يكرم مهندساً هولندياً أوصى بكتابة اسم المدينة إلى جانب اسمه على قبره

ملصق المعرض
ملصق المعرض
TT

معرض «إعادة اكتشاف قرطاج» في متحف باردو

ملصق المعرض
ملصق المعرض

يكرم معرض «إعادة اكتشاف قرطاج» الذي افتتح مساء الأربعاء الماضي بمتحف باردو، شخصية جون إيميل همبارت المهندس العسكري الهولندي الذي قدم إلى تونس سنة 1796 بدعوة من حمودة باشا (حَكَم تونس من 1782 إلى 1814) لتشييد ميناء جديد بحلق الوادي (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية).
ولأهمية ما دوَّنَه من معلومات حول المواقع الأثرية التونسية وشغفه بجمع كل المعلومات المرتبطة بحضارة قرطاج، فقد تم تنظيم هذا المعرض الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الثقافية والمحافظة على التراث في تونس بتعاون مع سفارة هولندا في تونس.
ووفق ما صرح به محمد زين العابدين وزير الثقافة التونسي الذي أشرف على حفل الافتتاح، فإن هذا المعرض الذي يتواصل إلى غاية يوم 24 مايو (أيار) المقبل، يندرج في إطار التعاون الثقافي بين المعهد التونسي للتراث ومتحف لايدن للحضارات القديمة في هولندا.
وأشار إلى نجاح معرض «قرطاج الحقيقة والأسطورة» الذي انتظم من 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 إلى 11 مايو 2015 بمدينة لايدن الواقعة على ضفاف نهر الراين القديم الواقعة جنوب هولندا، قد شجع على مزيد التعاون في المجال الثقافي بين البلدين.
ومن بين المعطيات المتوفرة حول هذا المهندس الهولندي الذي قضى نحو 10سنوات في تونس، أنه كان شغوفاً بعلم التاريخ، خصوصاً بالآثار، ولذلك درس اللغة العربية واندمج في المجتمع التونسي وتخصص في الحفريات بعد أن كلفته الحكومة الهولندية إجراء دراسات حول الآثار المتعلقة بحضارة قرطاج.
وقد أبدى همبارت حباً كبيرا لتونس وأتم بناء الميناء سنة 1805 في نطاق الحرص على تجديد تحصينات مدينة تونس والمناطق المحيطة بها، ولذلك تمت ترقيته إلى رتبة مهندس رئيس من قبل الباي الحسيني (حاكم تونس) وثمن المجهودات التي بذلها لإعادة تلك الحصون إلى سالف وظيفتها في حماية المدينة من الغارات الخارجية.
وفي هذا الشأن، قال فوزي محفوظ المدير العام للمعهد التونسي للتراث، إن الوثائق التاريخية تشير إلى أن جون إيميل همبارت طاف بأغلب المواقع الأثرية التي خلدت حضارة قرطاج على غرار الكاف ودقة والجم وزغوان، وهو بذلك يوفر مادة علمية مميزة قد لا تكون متوفرة للباحثين ممن لم يطلعوا على ما سجله من معلومات.
وأكد أن المهندس الهولندي اقتنى مجموعات من القطع الأثرية تتمثل في سبع تماثيل رومانية بالحجم الطبيعي من منطقة أوتيكا (60 كلم شمال قرطاج) وهي مدينة مرتبطة بحضارة قرطاج وهذه القطع الأثرية محفوظة إلى اليوم بعناية.
وقبل وفاته سنة 1839 أوصى همبارت بأن يكتب اسم قرطاج إلى جانب اسمه على شاهدة قبره، وقد احتفظ بكثير من الرسوم والمخطوطات، التي تم حفظها بعناية بمتحف لايدن (الهولندي)، وهي اليوم تعد ثروة تاريخية وعلمية بالنسبة للباحثين في مجال التراث الإنساني.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».