الاتحاد الأوروبي يحتفل بالذكرى الستين لاتفاق روما التأسيسي

جهود واتصالات القمة تنصب على «تكتل منقسم بين شرق وغرب»

سيارات عسكرية إيطالية تتمركز في مكان استضافة القمة الأوروبية في روما (أ.ف.ب)
سيارات عسكرية إيطالية تتمركز في مكان استضافة القمة الأوروبية في روما (أ.ف.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي يحتفل بالذكرى الستين لاتفاق روما التأسيسي

سيارات عسكرية إيطالية تتمركز في مكان استضافة القمة الأوروبية في روما (أ.ف.ب)
سيارات عسكرية إيطالية تتمركز في مكان استضافة القمة الأوروبية في روما (أ.ف.ب)

تنعقد اليوم السبت في روما، أعمال قمة أوروبية على هامش الاحتفال بذكرى 60 عاما على توقيع الاتفاقية التأسيسية للتكتل الأوروبي الموحد. وعرفت الأيام الأخيرة ومنذ انعقاد قمة بروكسل في التاسع والعاشر من الشهر الجاري محاولات للتحضير الجيد للقمة في روما بحيث يتم التوقيع على إعلان ختامي للاحتفالية. وخلال الفترة الماضية قامت المفوضية الأوروبية بحل بعض الخلافات بشأن بنود الإعلان، منها تحفظات من جانب دول وخاصة بولندا على بعض النقاط في مضمون الإعلان الختامي، وحسب المصادر نفسها تحاول المفوضية الأوروبية التخفيف من آثار خلافات بين الدول الأعضاء حالياً قبل ساعات من انعقاد القمة.
وأشار المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إلى أن الدول الـ27 المشاركة في القمة، من دون بريطانيا، وزعماء المؤسسات الأوروبية سيوقعون الإعلان، والذي سيرسم ملامح المرحلة المقبلة من تاريخ الاتحاد. وجاءت تصريحات ماغاريتس شيناس، في إطار سعي المفوضية للتخفيف من حدة «التهديدات» البولندية بعدم توقيع الإعلان في حال لم تلب شروط وارسو، لافتا إلى أن رئيس المفوضية جان كلود يونكر على ثقة بأن توقيع الإعلان سيتم بلا مشاكل. وتفيد المصادر بأن هناك «توافقاً مبدئيا» بين الدول على نص إعلان يؤكد على وحدة الاتحاد الأوروبي مع التركيز على مراعاة إمكانيات ورغبة كل دولة في تحقيق الاندماج الأوروبي.
ويؤكد الإعلان على ضرورة أن تقوم أوروبا على مبدأ التقدم المتفاوت، دون المساس بوحدتها، حيث «سيركز النص على ضرورة أن تسير الدول بإيقاعاتها الخاصة ولكن شريطة أن تنظر في نفس الاتجاه»، حسب المصادر نفسها. وترى المصادر أن النص المقترح يشكل «حلاً وسطاً» بين مختلف الآراء ويلبي جميع الطلبات.
وترفض بولندا ومعها دول أوروبا الشرقية، أي إشارة إلى أوروبا «بسرعات متفاوتة» خشية أن يخلق ذلك تمييزاً بين الدول القديمة أو الحديثة العضوية، الغنية أو الفقيرة، الشرقية والغربية. كما تريد وارسو أن يتضمن النص إعلاناً واضحاً حول ضرورة التعاون مع حلف شمال الأطلسي في مجال الدفاع، وضرورة الحفاظ على السوق المشتركة. وكانت القمة الأوروبية التي انعقدت على مدى يومين في مارس (آذار) الجاري ركزت على مناقشة المشاريع المطروحة المتضمنة خمسة سيناريوهات للمستقبل الأوروبي شرحتها المفوضية الأوروبية فيما بات يعرف بالكتاب الأبيض. سيناريو الاتحاد المتفاوت السرعات تحدث عنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قائلا: «سجلنا من دون أي مفاجأة الملاحظات التي أبداها بعض القادة الذين يخشون أن ترسم في الاتحاد خطوط جديدة كالجدار الحديدي بين الشرق والغرب».
رئيسة وزراء بولندا بياتا شيدلو أبدت معارضتها الشديدة لمشروع الاتحاد الأوروبي المتعدد السرعات وقالت: «إنها محاولة لتقسيم أوروبا. رفض أوروبا بسرعتين هو في مصلحة البلدان التي تريد أوروبا الموحدة والاحترام المتبادل وتكافؤ الفرص. هذه البلدان هي بالأخص بلدان أوروبا الوسطى والشرقية. دول من بينها المجر وتشيكيا وسلوفاكيا وبولندا تعارض مشروع الاتحاد الأوروبي المتعدد السرعات وهو النهج الذي تؤيده فرنسا». وقال عنه الرئيس الفرنسي «توجد نقاط ضعف وصعوبات ولم تكن أوروبا قادرة دوما على اتخاذ القرارات بالوقت المناسب. في السنوات المقبلة على أوروبا أن تبرهن أنها موحدة ولديها قيم».
المستشارة أنجيلا ميركل تحدثت عن قمة روما المقبلة قائلة: «ليس مهما ما سيصدر عن قمة روما بقدر ما هو مهم ما سنتوصل إليه بعد سنة أو أكثر وما الذي حققناه من البيان الصادر».
ويأتي ذلك فيما اتخذت العاصمة الإيطالية تدابير أمنية إضافية لتأمين الاحتفالية والاجتماع الأوروبي الذي يأتي بعد أيام قليلة من هجمات وصفت بأنها إرهابية في عدة مدن في دول الاتحاد الأوروبي ومنها باريس ولندن وأنتويرب وجرى الإعلان من جانب السلطات الإيطالية أن هيئة الأمن العام والوكالة الوطنية للطيران المدني، قررت إغلاق المجال الجوي فوق العاصمة والمناطق المحيطة بها. وتقرر حظر جميع الرحلات الجوية، بما في ذلك تحليق الطائرات الصغيرة وذات التحكم عن بُعد (ما تسمى طائرات من دون طيار) في منطقة دائرية نصف قطرها نحو 10 كيلومترات عن مركز المدينة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟