«الشرق الأوسط» تحصد «الريادة الإعلامية» بـ«جائزة الشارقة للاتصال الحكومي»

{لاعتدالها وموضوعيتها وتناولها الهمّ العربي والإنساني}

نيابة عن رئيس التحرير... الزميل ناصر الحقباني مدير تحرير «الشرق الأوسط» في السعودية يتسلم الجائزة
نيابة عن رئيس التحرير... الزميل ناصر الحقباني مدير تحرير «الشرق الأوسط» في السعودية يتسلم الجائزة
TT

«الشرق الأوسط» تحصد «الريادة الإعلامية» بـ«جائزة الشارقة للاتصال الحكومي»

نيابة عن رئيس التحرير... الزميل ناصر الحقباني مدير تحرير «الشرق الأوسط» في السعودية يتسلم الجائزة
نيابة عن رئيس التحرير... الزميل ناصر الحقباني مدير تحرير «الشرق الأوسط» في السعودية يتسلم الجائزة

أعلنت لجنة تحكيم «جائزة الشارقة للاتصال الحكومي»، فوز صحيفة «الشرق الأوسط» بـ«جائزة الريادة الإعلامية»، نظراً لأنها من أكثر الصحف العربية تأثيراً في الرأي العام، إضافة إلى اعتدالها وموضوعيتها في تبني القضايا، وانحيازها للهمّ العربي والإنساني العام، وكونها نافذة للمعرفة بأشكالها الاقتصادية والعلمية والثقافية كافة، ومنبراً لأهم الأقلام على المستويين المحلي والعالمي.
وأشارت لجنة الجائزة برئاسة إبراهيم العابد، مستشار رئيس مجلس إدارة المجلس الوطني للإعلام في الإمارات العربية المتحدة، إلى أن «الشرق الأوسط» استطاعت أن تحقق انتشاراً صحافياً هائلاً وحافظت عليه في أشد الظروف وأحلكها، وتولى رئاسة تحريرها نخبة من أهم رواد الصحافة في الوطن العربي، وخرّجت أجيالاً من الصحافيين، وأضافت كثيرا لثقافة الصحافة العربية ومعارفها وعلومها.
وجرى الإعلان عن المؤسسات الحكومية والأفراد الفائزين في فئات «جائزة الشارقة للاتصال الحكومي» مساء أول من أمس على مسرح «المجاز» بالشارقة، برعاية الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي العهد نائب حاكم الشارقة رئيس المجلس التنفيذي.
وأعلنت «الجائزة» اختيار الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، «الشخصية الإعلامية المؤثرة في الاتصال الحكومي» على مستوى المنطقة، نظراً لأنه أحد رواد منظومة الاتصال الحكومي الوطنية، وله مساهمات كبيرة واضحة النتائج في تصميم السياسة الخارجية لدولة الإمارات التي تتسم بالحيادية والاعتدال واحترام سيادة الدول والقانون الدولي والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة، إضافة إلى تشجيعه وتبنيه كثيراً من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في الوطن العربي والعالم.
وأشار سامي الريامي، رئيس تحرير صحيفة «الإمارات اليوم» عضو لجنة تحكيم الجائزة، إلى أن المشاركات في الدورة الرابعة من الجائزة ارتفعت بنسبة بلغت 36 في المائة مقارنة مع الدورة الثالثة، وشهدت الجائزة تسلم 179 دراسة حالة في فئاتها المختلفة، مقارنة بـ132 ملفاً في الدورة السابقة.
واشتملت فئات الدورة الرابعة لـ«جائزة الشارقة للاتصال الحكومي» الـ13، على مجموعتين؛ مجموعة الفئات المختارة الخاصة بالوطن العربي؛ وتضم فئتين: «الشخصية الإعلامية» و«الريادة الإعلامية»، ومجموعة الفئات المرشحة؛ وتضم 11 فئة، منها 3 فئات خاصة بالدوائر والمؤسسات الحكومية في إمارة الشارقة، و5 فئات خاصة بالمؤسسات والأفراد على مستوى دولة الإمارات، وفئتان للجهات الحكومية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي شاملة دولة الإمارات، علماً بأنه تم استبعاد فئة واحدة لم يتقدم إليها غير دراسة حالة منفردة، وهي فئة «أفضل تعامل إعلامي مع أزمة».
وعلى صعيد الفئات المرشحة، نالت «هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)» جائزة «أفضل ممارسة اتصال حكومي» على مستوى إمارة الشارقة، وحلت دائرة الموارد البشرية ثانية، وغرفة تجارة وصناعة الشارقة ثالثة، في حين نال المهندس خليفة مصبح الطنيجي، رئيس دائرة الإسكان عضو المجلس التنفيذي في الشارقة، جائزة «أفضل متحدث رسمي» على مستوى الإمارة.
ونالت دائرة الإسكان بالشارقة جائزة «أفضل موقع إلكتروني حكومي» على مستوى الشارقة، وحلت هيئة مطار الشارقة الدولي ثانية، في حين جاءت هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة في المركز الثالث.
وفازت وزارة شؤون الرئاسة - الأرشيف الوطني، بجائزة «أفضل استراتيجية اتصال حكومي» على مستوى الدولة، وجاءت «غرفة دبي» في المركز الثاني، تلتها دائرة التخطيط والمساحة في الشارقة التي حلت ثالثة، فيما نالت «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» جائزة «أفضل تفاعل للاتصال الحكومي عبر شبكات التواصل الاجتماعي» على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وحلت دائرة القضاء في أبوظبي في المركز الثاني، وجاءت وزارة شؤون الإعلام بالبحرين بالمركز الثالث، وفاز خليل صقر بن غريب، مدير إدارة الاتصال المؤسسي في «جمارك دبي»، بجائزة «أفضل مشروع تخرج أو بحث علمي في الاتصال الحكومي» على مستوى الدولة.
كما فازت بلدية دبي بجائزة «أفضل ممارسة في الاتصال الداخلي» على مستوى الدولة، وحلت هيئة الشارقة للوثائق والأرشيف ثانية، وجاءت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية في المركز الثالث، وتوجت وزارة الصحة السعودية بجائزة «أفضل حملة اتصال حكومي» على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وحلت شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية بالمركز الثاني، في حين جاءت هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية بالبحرين في المركز الثالث.
ونالت وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية جائزة عن فئة «أفضل تواصل حكومي خارج الدولة»، وحلت هيئة الإنماء التجاري والسياحي في الشارقة بالمركز الثاني، وجاءت غرفة تجارة وصناعة الشارقة ثالثة، وفاز الصحافي أحمد عبد الحميد الأنصاري من صحيفة «الإمارات اليوم» بفئة «أفضل تحقيق صحافي على مستوى الدولة» وهي الفئة التي أضيفت للمرة الأولى هذا العام.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)