مصر تفتتح نموذجا طبق الأصل لمقبرة توت عنخ آمون في أجواء فرعونية

مصادر أثرية: سيتيح الفرصة أمام غلق الأصلية لإخضاعها لمشروع ترميم

مقبرة من الداخل (رويترز)
مقبرة من الداخل (رويترز)
TT

مصر تفتتح نموذجا طبق الأصل لمقبرة توت عنخ آمون في أجواء فرعونية

مقبرة من الداخل (رويترز)
مقبرة من الداخل (رويترز)

افتتح وزير السياحة المصري هشام زعزوع نموذجا طبق الأصل من مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون»، وسط تشديد أمني مكثف. وضم النموذج، في أول تجربة من نوعها لمحاكاة المقابر الفرعونية، صالة وغرفة كبيرة بها صور خاصة لمكتشف المقبرة، وأعمال الحفر التي تمت أثناء البحث عنها. كما أحاطت بالنموذج نقوش ورسوم فرعونية تعود للأسرة الـ18، في عصر الدولة الفرعونية الحديثة.
حضر الافتتاح والاحتفال رئيس وفد مفوضية الاتحاد الأوروبي بالقاهرة جيمس موران، وعدد آخر من السفراء، الليلة قبل الماضية. وجرى وضع النموذج بمدخل وادي الملوك بمدينة الأقصر بجوار منزل هوارد كارتر مكتشف المقبرة الأصلية. وأقامت وزارة السياحة حفل عشاء على شرف «موران» و19 سفير دولة من أوروبا في ساحة معبد الأقصر التاريخي، بحضور الدكتور محمد إبراهيم وزير الدولة لشؤون الآثار، واللواء طارق سعد محافظ الأقصر، واللواء مصطفى بكر مدير أمن الأقصر، وعدد من خبراء وقيادات السياحة والآثار.
وذكرت مصادر أثرية أن افتتاح المقبرة المقلدة سيتيح الفرصة أمام غلق المقبرة الأصلية وإخضاعها لمشروع ترميم وتهوية من أجل الحفاظ عليها.
وألقى زعزوع كلمة باللغة الإنجليزية، رحب فيها بضيوف حفل الافتتاح، كما وجه التحية إلى وزير الآثار ومحافظ الأقصر والسفراء الأوروبيين الذين لبوا دعوة الوزارة للحفل، وجرى عزف النشيد الوطني، ثم بدأ الضيوف في تناول الطعام على موسيقى أوبرالية عزفت خلالها الفرقة الموسيقية بعض المقاطع الغنائية من أوبرا عايدة وأنس الوجود في جو فرعوني رائع، حيث استقبل حملة المشاعل بأزيائهم الفرعونية الضيوف.
وكشف وزير السياحة خلال كلمته في بداية الحفل النقاب عن أن احتفالية كبيرة ستقام بمدينة الأقصر بمناسبة مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس الخريف المقبل، حيث سيتم تقديم أوبرا عايدة بالأقصر بحضور فنانين عالميين. وأشار موران إلى بداية المشروع الذي كانت قد طرحته كاثرين أشتون رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، أثناء انعقاد مجموعة العمل المشتركة بين مصر والاتحاد الأوروبي عام 2012. كما أكد موران على تفهم الاتحاد الأوروبي التام لمعاناة السياحة المصرية، مشيرا إلى مساندة الاتحاد الأوروبي لهذا القطاع. واختتم كلمته بالتأكيد على أن افتتاح هذه المقبرة هو رسالة أن الأقصر مكان رائع للزيارة، كما أعرب عن أمله أن يكون الموسم السياحي القادم أفضل، مضيفا أن هذه النسخة المقلدة سوف تلعب دورا مهما في الحفاظ على النسخة الأصلية.
وتحدث وزير الآثار المصري عن الخطوات التي جرى اتخاذها منذ الموافقة على المشروع حتى الآن، موضحا أنه سيتم تدريب مهارات مصرية لتنفيذ مشروعات مماثلة للحفاظ على المقابر المصرية الفرعونية. وأضاف «إذا نجحت تجربة استنساخ مقبرة توت عنخ آمون وحققت الأهداف المرجوة منها، فإننا سنفكر في تكرار التجربة مجددا عبر إقامة نموذج مقلد لمقبرة الملكة نفرتاري التي لا تزال مغلقة أمام الزوار خشية على نقوشها النادرة». واستبعد قيام دول أخرى باستنساخ الآثار المصرية خاصة المقابر لأن لأمر يحتاج إلى أمور فنية ترتبط بالمقابر والمعالم الأثرية الأصلية.
وكانت الأقصر معروفة قديما باسم «طيبة»، عاصمة ما يطلق عليه المؤرخون وعلماء المصريات عصر الإمبراطورية المصرية (نحو 1567 - 1085 قبل الميلاد). ومن المعروف أن دراسة مشروع النسخة المقلدة للمقبرة أجرتها الجمعية السويسرية لأصدقاء المقابر الملكية المصرية، ونفذته مؤسسة «Factum Arte» المتخصصة في هذا الشأن، ويقع مقرها في مدريد، حيث قام الاتحاد الأوروبي بإهداء هذه النسخة لمصر. وقال السفير السويسري ماركوس ليتنر إن النسخة المقلدة توضح التفاصيل الدقيقة للمقبرة الأصلية التي قد يكون جزء منها قد اختفى نتيجة لعوامل الزمن، كما أن هذا المشروع يؤكد على فكرة أن السياحة من الممكن أن تكون عاملا مهما في الحفاظ على الآثار.
وقام وزيرا السياحة والآثار ومحافظ الأقصر، يرافقهم السفراء الأجانب، بزيارة لمنطقة دير المدينة الأثرية بعد افتتاحها حديثا عقب ترميمها، قبيل تدشين النسخة طبق الأصل من مقبرة توت عنخ آمون. وقدم وزير الآثار محمد إبراهيم شرحا للسفراء الأجانب، وبينهم سفيرا الهند وماليزيا وزوجتاهما، بالإضافة إلى العديد من رجال الإعلام، حول منطقة دير المدينة الأثرية التي تضم مستوطنة للعمال الذين قاموا بحفر مقابر الملوك، وبعد أن بدأ الملوك الانتقال إلى أماكن معيشية أخرى توقف العمل بهذه القرية لانتقال العمال مع ملوكهم.
وأضاف الوزير أن «هذه القرية مهمة للغاية لأنها تعطي بشكل مفصل إيضاحات لكيفية معيشة المصري القديم بشكل يومي.. وتضم وثائق عديدة عن الحياة اليومية للعمال بشكل مفصل والطريقة التي كان يصنع بها الفنان المصري القديم مقبرته»، مشيرا إلى أن «أهمية هذه القرية ترجع لكونها قرية متكاملة عن باقي القرى المشابهة والقليلة التي تم اكتشافها بمنطقة اللاهون بمصر الوسطى، أو قرية العمال بجوار الهرم الأوسط».
وكان الدكتور محمد إبراهيم، وزير الآثار المصري، قد افتتح مقبرة الملكة «تي تي» زوجة الملك رمسيس الثالث، بوادي الملكات في محافظة الأقصر بجنوب مصر، كما افتتح مقبرة «أم حر خعو» أحد كبار رجال الدولة في عهد الملك رمسيس الثالث، وذلك بعد الانتهاء من مشروع الترميم المعماري والدقيق للمقبرتين، والانتهاء من تركيب منظومة إضاءة الداخلية والخارجية لهما، وبذلك تدخل المقبرتان على أجندة الزيارات السياحية. وحضر حفل الافتتاح هشام زعزوع وزير السياحة، واللواء طارق عز الدين محافظ الأقصر، وعدد من سفراء دول الاتحاد الأوروبي بالقاهرة.
وأوضح وزير الآثار أن مقبرة «تي تي» تعد من المقابر الأثرية الفريدة بما تضمه من نقوش ذات ألوان زاهية، كما تضم المقبرة عددا من المناظر المتنوعة تجسد طقوس التحنيط ورحلة المتوفى إلى العالم الآخر، كما تسجل فصول من كتابي «الموتى» و«البوابات»، مما يعكس صورة واضحة لمعتقدات القدماء في رحلة العبور إلى عالم الأبدية.
وتفقد وزير الآثار النموذج الأثري الذي تم تنفيذه من قبل البعثة الفرنسية العاملة بالموقع والذي يمثل مدينة العمال بدير المدينة بكل تفاصيلها من منازل العمال، وطرزها المعمارية بما يعكس طبيعة الحياة اليومية في هذا العصر، لافتا إلى أن هذا النموذج سوف يسهم في تيسير رحلة الزائر إلى المنطقة من خلال توفير صورة كاملة لما سوف يشاهده على الطبيعة خلال الزيارة، كما طالب بضرورة إقامة مركز للزوار يسرد تاريخ المنطقة بكل ما بها من تفاصيل معيشية.
ولفت الدكتور محمد إبراهيم إلى أن افتتاح هذه المقابر في هذا التوقيت يأتي ضمن خطة الوزارة لخلق مزارات سياحية جديدة بكافة المحافظات بما يسهم في تنشيط حركة السياحة المحلية والعالمية الوافدة إلى مختلف المواقع والمتاحف الأثرية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».