«السينما والهجرة» في مهرجان «أيام بيروت السينمائية»

دورته التاسعة تضم عرض فيلم «مولانا» بعد جدل

«السينما والهجرة» في مهرجان «أيام بيروت السينمائية»
TT

«السينما والهجرة» في مهرجان «أيام بيروت السينمائية»

«السينما والهجرة» في مهرجان «أيام بيروت السينمائية»

في مؤتمر صحافي عقد في فندق «سمولفيل» في شارع بدارو جرى الإعلان عن برنامج مهرجان «أيام بيروت السينمائية» في دورته التاسعة، الذي بدأ أمس تحت عنوان «السينما والهجرة».
ويفتتح المهرجان الذي يستمر حتى 24 مارس الحالي، بعرض لفيلم «ربيع» للبناني فاتشي بولغوريان في صالات سينما سيتي «وسط بيروت»، الذي سبق أن شارك في مهرجان «كان السينمائي الدولي 2016»، وكذلك في «مهرجان دبي للسينما»، حيث حصدت بطلته اللبنانية جوليا قصّار «جائزة أفضل ممثلة».
أما مفاجأة هذا المهرجان فستتمثّل في عرض فيلم «مولانا» المقتبَس عن رواية الكاتب المصري إبراهيم عيسى، الذي أثار جدلاً في الأوساط الفنية والسينمائية في لبنان، وذلك عقب القرار الذي اتخذته الشركة المنتجة له «الصبّاح للإعلام» بعدم عرضه في الصالات اللبنانية.
وجاءت خطوتها تلك على خلفية حذف 13 دقيقة منه، من قبل مقصِّ الرقابة في مديرية الأمن العام اللبناني، مبرِّرَة الأمر بأنها تحتوي على إساءة للأديان. وحسب مديرة المهرجان زينة صفير، فإن الفيلم قد يتمّ عرضه كاملاً (في 24 مارس الحالي) كونهم يقومون بمساعٍ حثيثة مع الجهة المعنية لتحقيق ذلك، لا سيما أن الهدف الأساسي من المهرجان يكمن في توطيد صلة الحوار بين مختلف الشعوب العربية والأجنبية بواسطة الأعمال السينمائية، كما أن حضوره سيقتصر على أصحاب الدعوات فقط.
ويتضمن المهرجان وبموازاة عنوانه الأساسي أعمال سينمائية من فئة «سينما المنفى» ويندرج على لائحتها فيلم «عائد إلى حيفا» لقاسم حول والمقتبَس عن رواية لغسان كنفاني. وكذلك فيلم «ليس لهم وجود» لمصطفى أبو علي، وهو من إنتاج منظمة التحرير الفلسطينية. كما سيتسنى لجمهور السينما الأرجنتينية فرصة حضور فيلم «الجائزة» لبولا ماركوفيتش، الذي حصل على تقديرات عالمية، وسيتم عرضه في صالة مسرح متحف «سرسق» في 17 مارس الحالي. ومن الأفلام الفلسطينية الأخرى المشاركة في المهرجان وثائقي بعنوان «خارج الإطار - ثورة حتى النصر» لمهنّد يعقوبي وآخر بعنوان «المنام» للسوري محمد ملص.
أما الفئة الثانية من المهرجان التي تقام تحت عنوان «سينما الفؤاد»، وبالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي، فستنتظم ضمن شهر الفرنكوفونية، ويتخلله طاولة مستديرة برعاية «الهنريش بول».
ومن الأفلام التجريبية القصيرة التي سيتضمنها برنامج «مهرجان أيام بيروت السينمائية»: «نوبة هلع» للسوري خالد الورع، و«في المستقبل أكلوا من أفخر أنواع البورسلين» للفلسطينية لاريسا سنسور، والدنماركي سورن لاند. ويشارك لبنان في هذه الفئة من خلال فيلمين «سكون السلحفاة» لروان ناصيف، و«تسكّع بالمينا» لكيندا الحسن. ومن مصر، سيشارك كلّ من محمد علام ومي زايد من خلال عملين وهما «عملات سرية في المصنع وذاكرة عبّاد الشمس».
وتستحوذ تونس في الدورة التاسعة للمهرجان المذكور، على مساحة لا يُستهان بها من أعمالها السينمائية بلفتة من القيمين عليه، لتشجيع رعيل جديد من أبنائها المخرجين. ومن بينهم المخرج علاء الدين سليم الذي سيشارك من خلال فيلمه «آخر واحد فينا»، ولطفي عاشور بفيلم «غدوة حيّ»، و«نحبّك هادي» لمحمد بن عطيّة، الذي شارك في الدورة السادسة والستين من مهرجان برلين السينمائي، وحاز على جائزة الدب الفضّي لأفضل ممثل «مجد مستورة».
وسيعرض من تونس أيضاً فيلم «ما بعد الصمت» للتونسية الشابة انتصار بلعيد، وآخر «زينب تكره الثلج» لكوثر بن هنيّة الحائزة على جائزة التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج السينمائي. كما سيعرض في الفئة نفسها «الأفلام التونسية» فيلم لمهدي البصراوي بعنوان «خلّينا هكّا خير». وتقتصر المشاركة المصرية في المهرجان على ثلاثة أفلام: «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد، و«أخضر يابس» لمحمد حمد، و«النسور الصغيرة» لمحمد رشاد.
وكما تونس كذلك لبنان فعدا اختياره لافتتاح أيام المهرجان من خلال فيلم «ربيع»، فإنه سيشارك بأعمال أخرى تجمع ما بين السينمائية الروائية والوثائقية. ونذكر منها «ميّل يا غزيّل» لاليان الراهب، و«أوبنتو» لكريستيان أبو عبود، و«فيما بعد» لوسام شرف، و«يا عمري» لهادي زكاك.
ومن سوريا يشارك فيلم «300 ميل» لعروة المقداد، فيما سيكون للمغرب مشاركة واحدة ضمن فيلم «جوّع كلبك» لهشام العسري، وهو من نوع الروائي الطويل. وستتمثل قطر من خلال فيلم «كأس العمّال» لآدم صوبل، وهو إنتاج مشترك مع بريطانيا، ويأتي ضمن فئة «إطلالة على العالم العربي».
ويحضر لبنان أيضاً بقوة في فئة الأفلام الوثائقية القصيرة مثل «وقت» لوائل ديب، و«الصراط المستقيم» لفؤاد عليوان، و«دجل» لماري لويس اليا، و«صبمارين» لمونية عقل، و«طفر» لزاهر جريديني، و«تصريح» لغنى عبّود، وجميعها تأتي من ضمن فئة «ليلة خاصة بالأفلام القصيرة» التي سيشهدها المهرجان في 18 من الشهر الحالي في صالات سينما متروبوليس «الأشرفية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».