«الثورة السورية» بعد 6 سنوات... من الحراك السلمي إلى التغيير الديموغرافي

إدلبي: «15 آذار» كان مقرراً مسبقاً وحضّر لتحرك شعبي كبير

حي أغير في القسم القديم من مدينة حلب الذي دمره القصف المتواصل من طيران ومدفعية النظام والقوات الموالية له نهاية العام الماضي، كما بدا قبل ايام (إ ف ب)
حي أغير في القسم القديم من مدينة حلب الذي دمره القصف المتواصل من طيران ومدفعية النظام والقوات الموالية له نهاية العام الماضي، كما بدا قبل ايام (إ ف ب)
TT

«الثورة السورية» بعد 6 سنوات... من الحراك السلمي إلى التغيير الديموغرافي

حي أغير في القسم القديم من مدينة حلب الذي دمره القصف المتواصل من طيران ومدفعية النظام والقوات الموالية له نهاية العام الماضي، كما بدا قبل ايام (إ ف ب)
حي أغير في القسم القديم من مدينة حلب الذي دمره القصف المتواصل من طيران ومدفعية النظام والقوات الموالية له نهاية العام الماضي، كما بدا قبل ايام (إ ف ب)

لم يدرك بضعة أطفال من أبناء درعا، أن كلمة «الحرّية لسوريا»، التي خطوها على جدران حيّهم المتواضع، كافية لإيصال البلاد إلى حرب، لم تنتهِ بعد 6 سنوات على انطلاقتها. لكن اعتقال أطفال درعا، بالتأكيد لم يكن وحده سبباً لاندلاع ثورة في سوريا، وإنما كان سبباً أساسياً في تسريع الانتفاضة الشعبية، وفق عضو «تجمّع ثوار سوريا» عمر إدلبي، الذي أكد أن حادثة اعتقال أطفال درعا «كانت واحدة من أبرز العوامل التي ساهمت في انطلاقة الثورة».
وكشف إدلبي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الثورة كان يحضّر لها قبل شهرين من أحداث درعا، وهي ترجمت بانطلاقة 6 مظاهرات في 15 مارس (آذار) 2011. الأولى في كفرسوسة في دمشق، والثانية أمام الجامع الأموي، والثالثة أمام جامع خالد بن الوليد في حمص، والرابعة في بانياس، والخامسة في دير الزور، والسادسة في درعا»، مذكراً بأن هذا الحراك صنعه شباب في كل سوريا، واستكمل بمظاهرات «جمعة الكرامة» في 18 من الشهر نفسه، مؤكداً أن «إعلان الثورة في 15 آذار كان إعلاناً مقرراً في وقت مسبق، وفعلاً سياسياً واعياً ومدروساً، وكان نشاطاً نخبوياً حضّر لتحرك شعبي كبير».
وعلى امتداد الجغرافيا السورية، انطلقت التحركات الشعبية في سوريا، لكن النظام الذي أسديت إليه نصائح من الأصدقاء والحلفاء، لم يكترث إلى هذه التحركات، ولم يعتبر من تجربة تونس ومصر وما يحصل في ليبيا، إنما بدا مطمئناً إلى ماكينته الأمنية التي ظن أنها قادرة على قمع الانتفاضة وخنقها في مهدها.
حتى قادة الحراك السلمي، كانوا يتحسبون بأن الردّ عليهم سيكون قاسيا، لكنهم لم يتوقعوا وقوف العالم متفرّجا على قتل الشعب السوري، وهو ما أشار إليه إدلبي بقوله: «كنا نتوقع ردات فعل همجية وانتقامية وعمليات قتل وتصفية من النظام ضد الحراك، الذي تحول من حراك نخبوي إلى حراك شعبي واسع، لكن لم نكن نتوقع أن المجتمع الدولي سيقف متفرجاً على قتلنا، ولا يبادر للجم النظام عن ارتكاب جرائمه، ولذلك بقي الشعب السوري صامتا لأكثر من 6 أشهر، ولم يقم بأي ردة فعل ضد النظام، قبل أن يتحول الحراك إلى العمل المسلح».
ورأى إدلبي أن «هناك بعض الدول الفاعلة والمؤثرة، كان بإمكانها أن توقف المجازر في سوريا، لكن تلك الدول رأت في الصراع السوري حالة استثمار جيدة لها لترتيب نفوذها في المنطقة، وبينها إسرائيل أكبر المستفيدين مما يجري الآن»، لافتاً إلى أنه «لو أرادت الدول المؤثرة إيقاف النزيف السوري لنجحت، ولكانت ساهمت في إنجاح الثورة السورية، لكنها غير راغبة في وجود دول ديمقراطية في المنطقة».
كانت الانتفاضة «مجازفة» لكنها محسوبة التبعات، بدءاً من الملاحقات إلى الاعتقالات إلى التصفيات، وصولاً إلى التهجير الممنهج. هذه المحطات يرويها بالوقائع عمر إدلبي الذي كان يشغل منصب مسؤول لجان التنسيق المحلية في بداية الانتفاضة الشعبية. ففي 17 فبراير (شباط) 2011، اعتقل أطفال درعا، لكن ما كتبه هؤلاء الأطفال على الجدران لم يكن من نسج خيالهم، إنما نتيجة أجواء اجتماعية وكلام يحكى على مسامعهم تُرجم في هذه الكتابات.
وأضاف إدلبي أن «حملة الاعتقالات سبقت انطلاقة المظاهرات بيوم واحد». وأشار إلى أنه في «14 آذار 2011 جرى اعتقال مجموعة مؤلفة من 16 ناشطاً في حمص، كذلك معظم الناشطين الذين كانوا على تواصل لانطلاق أول مظاهرة في ساحة سعد الله الجابري في مدينة حلب، كما اعتقلت مجموعة مؤلفة من 41 ناشطاً، بالإضافة إلى اعتقال 17 آخرين في سوق الحميدية في دمشق».
حملة الاعتقالات الثانية بدأت يوم «جمعة الكرامة» في الثامن عشر من مارس، والتي سقط فيها أول قتيلين للثورة السورية في مدينة درعا، هما محمود الجوابرة وحسام عياش، وقد طالت الاعتقالات يومها عدداً كبيراً من الناشطين في ساحة الأمويين في دمشق، وآخرين في دير الزور. وفي 25 مارس سقطت أول شهيدة للثورة داخل حمص، وهي فتاة بمقتبل العمر قتلت برصاصة قناصة عندما كانت تصور بهاتفها إحدى المظاهرات.
منذ 18 مارس 2011، وعلى أثر سقوط القتيلين في درعا «بدأ السوريون يشيعون الشهداء، وفي كل تشييع يسقط شهداء جدد»، وفق تعبير عمر إدلبي الذي شدد على أن النظام «قرر استهداف جميع قادة الحراك السلمي اعتباراً من 16 أبريل (نيسان) 2011، حيث صدر قرار أمني بهذا الأمر، وخلال أسبوعين جرت تصفية أكثر من 20 قائداً ميدانياً للحراك على الأرض، أولهم كان ضياء النجار الذي قتل في مدينة حمص».
ولا يقتصر الاستهداف على تصفية القادة الميدانيين، إنما طالهم الاعتقال، حيث جرى اعتقال يحيى الشريحي في دمشق وغياث مطر في داريا وأنس الشغري في بانياس، وهؤلاء قضوا تحت التعذيب، وساهمت هذه المرحلة في اختفاء قادة الثورة؛ لأنه لم تكن هناك مناطق محررة لتحميهم، وهذا ما ساهم في تهجير كثير منهم. وكانت أول حالة تهجير جماعية ممنهجة، في فبراير 2012 من حي الوعر في حمص وقرية كفرعايا الملاصقة له، ثم بدأت عمليات التهجير من أحياء حمص القديمة التي هجّرت بالكامل، بعدها القصير (ريف حمص الغربي) وبلودان والزبداني والقلمون (ريف دمشق الغربي)، من دون إغفال التهجير الذي طال السوريين العرب في الحسكة على أيدي الميليشيات الكردية.
ويكشف عضو «تجمع ثوار سوريا»، أنه «منذ الأشهر الأخيرة من عام 2011، بدأ الحضور الشيعي والمظاهر الشيعية الواسعة داخل العاصمة دمشق، وفي منطقة السيدة زينب (جنوب دمشق)، وهذا يعني أن إيران كانت تحضّر للتغيير الديموغرافي منذ ذلك الحين». ويتابع: «صحيح أن الثورة منيت بخسارات في عام 2016 وبداية 2017، لكن النظام لم يحقق مكاسب، إنما كانت المكاسب للميليشيات الشيعية والروس، ونحن نعتقد أن من حقق المكاسب هم معتدون من خارج سوريا، والمعتدي سيرحل عاجلاً أم آجلاً، وستعود الثورة حراكاً سياسياً»، مؤكداً أن «لا أحد قادر على التفريط في حقوق الشعب السوري بأنصاف حقوق».
ويخلص عمر إدلبي إلى أن «نظام الأسد بات مهزوماً، وغير مؤهل ليستثمر ما خسرته الثورة، وهو غير قادر على بناء الدولة؛ لأنه نظام قائم على فكرة القتل والإرهاب والتدمير».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.