أفضل فلافل في لوس أنجليس يصنعها مهاجر من السودان

مطعم «المأمون» في إيست فيلاج يبدو مثل مأوى لطلاب الجامعات

أمين موسى مع الفلافل بمذاق التوابل
أمين موسى مع الفلافل بمذاق التوابل
TT

أفضل فلافل في لوس أنجليس يصنعها مهاجر من السودان

أمين موسى مع الفلافل بمذاق التوابل
أمين موسى مع الفلافل بمذاق التوابل

تتعدد مذاقات الفلافل بسبب خلطاتها المتعددة التي لا تحصى، فكل يضيف إليها من ابتكاراته وفنياته الشيء الكثير. بيد أن صحيفة «لوس أنجليس باليت» رأت أن أطيب الفلافل وألذها في لوس أنجليس هي من إعداد سوداني مهاجر يدعى أمين موسى، ونقلت الصحيفة على لسانه قوله: «إذا ما قضمت الفلافل ولم تكن خضراء، فإنها ليست جيدة». وبكل تأكيد، فإن الجزء الداخلي من الفلافل يجب أن يكون نابضاً باللون الأخضر الزاهي، وقد تستغرق لحظات قبل أن تشعر بالطعم الرائع، وقوة مذاق الشبت الممزوج بالجوز المسحوق مع حبوب الحمص الصفراء.
يقول موسى {كانت الفلافل من الدعائم الأساسية لنظامي الغذائي الخاص عندما كنتُ أعيش في نيويورك}. وكان مطعم «المأمون» في إيست فيلاج يبدو مثل المأوى لطلاب الجامعات، الذين كانوا يصطفون في طابور طويل يمتد حتى الشارع الخارجي. بينما بالنسبة لي كانت الفلافل مجرد كرات مقلية من الفول الملفوف في خبر البيتا (الذي لا طعم له تحرياً للأمانة)، والنقطة الرئيسية أن الفلافل تخدم وظيفتها الفعلية؛ كونها وجبةً رخيصةً تجذب كثيراً من المواطنين في الشارع.
غير أن «فلافل موسى» هي أكثر تعقيداً مما تبدو، حيث يمكنك بالفعل الإحساس بمذاق التوابل، وهو يقابلك بابتسامة كبيرة، عندما يلاحظ ردة فعلك المندهشة.
ويقول موسى: «كل المكونات هنا عضوية، وأصنعها كلها بنفسي. وهي تستغرق وقتاً أطول. حيث نغمر الفول والحمص المطحون مع الشبت من البداية». والشبت، كما يقول موسى، هو الذي يجعل منها «فلافل سودانية».
موسى هو رجل البلدان الكثيرة؛ فهو من مواليد السودان، وتلقى تعليمه في دبي، والتحق بالجامعة في كندا، ثم هاجر في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من ذلك، فلقد ترك السودان في سن مبكرة عندما كان يبلغ خمس سنوات من عمره، ولكن الطعام السوداني الأصلي ظل جزءاً لا يتجزَّأ من حياته طيلة هذه الفترة.
وهو يقول: «المطبخ السوداني يجمع كثيراً من المذاقات لمنطقة الشرق الأوسط، وهو أشبه ما يكون بالمطبخ الهندي. والتوابل الرئيسية في السودان هي الكمون، والملح، والفلفل، والقرنفل».
وفي الكلية، التحق بإحدى شبكات الغذاء حيث يعمل في تجربة مذاقات الأطعمة التي تعود إلى مسقط رأسه. وفي نهاية الأمر، تبنى مبدأ «الغذاء الحيوي النباتي» الذي يركز على الحبوب الكاملة والخضراوات والفول.
ويوضح موسى: «طهي المأكولات النباتية يتصل بالطريقة التي نطبخ بها الطعام في مزارع العائلة في السودان».
وعندما انتقل للعيش في لوس أنجليس، قضى شهرين يخطط، وافتتح أول مشروع للطعام؛ محلاً لبيع الفلافل يحمل اسم «إحسان». ويبيع من خلاله الفلافل النباتية، حيث يستقر محله بين مختلف أسواق المزارعين في لوس أنجليس.
وبيع الفلافل مصدر رزقه الوحيد، ويمكنك الحصول عليها مغلَّفَة في خبز البيتا، أو في لفائف الكرنب الأخضر، أو على طبق صغير. و«الفلافل» تُقدَّم مقلية، والجزء الخارجي منها يكون مقَرمِشاً، في حين أن الجزء الداخلي يظل هشاً وليناً. والإضافات الجانبية تتضمن الجزر المبشور أو المخلل محلي الصنع. وبالنسبة للصلصة، فهي عبارة عن صلصة الفول السوداني الحارة، المعروفة باسم «دكوة» في السودان، وهي مُصنَّعَة من زبدة الفول السوداني الهشة، مع فلفل السيرانو الحار، والكزبرة، ومسحوق الفلفل المكسيكي الحار.
ويقول موسى: «الكزبرة هي الإضافة المميزة لديّ. ومذاقها أقوى بالطبع في السودان، ولكن هنا أنا أضيف المزيد من زبدة الفول السوداني، بسبب أن الناس لا يحبون المذاقات الحارة للتوابل هنا».
ويأمل موسى أن يتمكن في يوم من الأيام من افتتاح محلّ مجهَّز في لوس أنجليس، وهو يشير إلى أنه من بين جميع الأماكن التي عاش فيها، فإن كاليفورنيا كانت من أفضلها.
وأردف قائلاً: «كان المجيء إلى الولايات المتحدة أحد أحلام حياتي. وتحقق عن طريق (يانصيب الهجرة). إنك محظوظ إن حصلت عليه، ولسوف يحتفل بك الجميع إن نجحت وتمكنت من ذلك».
وحتى في ظل الحظر الأخير للهجرة الذي أعلنته إدارة الرئيس ترمب، والذي يتضمن رعايا دولة السودان ضمن قائمة تضم سبع دول مسلمة، يقول موسى إنه لم يشعر بأي شيء سوى الإيجابية هنا في ساوثلاند.
وفي واقع الأمر، فإن الجانب الإيجابي للجدال الدائر أن كثيراً من الناس قد بدأوا في التردد على محله الصغير، في تظاهرة تضامنية لطيفة من جانبهم.
ويقول أمين موسى أخيراً: «الناس هنا في لوس أنجليس يتمتعون بالصراحة بشكل لا يصدقه عقل، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالطعام. إنني أحب الحياة هنا كثيراً».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».