الفنان الفرنسي «جي آر» مراوغ الحكومات يعرض في الدوحة

مجهول الاسم والهوية نال شهرة عالمية وعمره 34 سنة

الفنان الفرنسي «جي آر» ظاهرة مذهلة
الفنان الفرنسي «جي آر» ظاهرة مذهلة
TT

الفنان الفرنسي «جي آر» مراوغ الحكومات يعرض في الدوحة

الفنان الفرنسي «جي آر» ظاهرة مذهلة
الفنان الفرنسي «جي آر» ظاهرة مذهلة

الظاهرة المذهلة للفنان الفرنسي «جي آر»، الذي لا يعرف أحد له اسما باستثناء هذين الحرفين اللذين يدلان عليه، وبهما اشتهر، وذاع صيته بسبب صوره الفوتوغرافية التي يعتمد في التقاطها الكولاج والتركيب واختيار الأماكن التي تمنحها غرائبية عند لصقها بأحجام ضخمة. هو نفسه سعيد بهذه السرية التي تتيح له الحركة في القارات وبين البلدان، ليعلق صوره في الأماكن العامة وفي غفلة من حكومات تنظر إليه كطفيلي مزعج. من ناحيته، يعتبر أنه بريء تماما من أي حسابات سياسية، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أريد أن أكون حرا تماما لا أبتغي بيع صوري، ولا أهدف إلى كسب المال، ولا أستسيغ تمويلات الشركات التجارية للأعمال الفنية، حتى لو كانت شركات أدوات تجميل. كل ما أريده هو أن ألتقي الناس، ألتقط صوري، وأعلقها في المكان الذي يعطيها جماليتها وأمضي في سبيلي، ولتلقى بعد ذلك مصيرها».
جي آر الفنان الشاب المولود عام 1983 في إحدى الضواحي الباريسية، من أب جاء من أوروبا الشرقية وأم تونسية، عاش طفولة أولاد تلك المناطق المتواضعة. ويقول حين نسأله عن طفولته، ومن أين أتته نزعته الإنسانية الفياضة: «أنا تربيت في الشارع، بين الناس، في أحياء يبقى فيها الأولاد مع بعضهم، ولا يزال هذا ما يجذبني ويعنيني في تسفاري». في السابعة عشرة بدأ يلتقط صورا ويطبعها ويعلقها بجانب بعضها البعض على الجدران وحيث وجد ذلك مناسبا في الضاحية الباريسية التي كان يعيش فيها. يقول جي آر ضاحكا، وهو يبقى يحتفظ بنظارته السوداء على عينيه لإخفاء شيء من ملامحه: «لو ولدت قبل عشر سنوات، لما صرت شيئا. أنا ابن كاميرا الديجيتال، التي جعلت التصوير في متناول الجميع ولم يعد حكرا على الأغنياء. ونتاج وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت لمن أحبوا أعمالي أن يصوروها وينشروها، وتصل إلى كل العالم. وأنا أيضا ابن الخطوط الجوية الرخيصة (لوكوست) التي سمحت بأن أشتري بطاقة سفر بسعر زهيد وأذهب إلى حيث أتمنى». كل هذه التطورات في العالم ترافقت مع بلوغي السن التي كنت أبحث فيها عن ذاتي. ابن العولمة إذن، وكل المتغيرات التي عصف بالمجتمعات مع مطلع تسعينات القرن الماضي، وجعلت من جي آر، الآتي من عائلة رقيقة الحال، أحد أهم الفنانين العالميين وأكثرهم شهرة. كما جعلت منه فنانا أقرب إلى المزاج الأميركي حيث يحتضن بحفاوة كبيرة في نيويورك، ووفر له الأميركيون متطلباته بما فيها السكن، أكثر مما هو محبوب في فرنسا، التي يبدو أن مزاجه الشعبي العام، لا يروق للفرنسيين النزّاعين إلى شيء من النخبوية في الفن.
يستغرب جي آر أن البعض يدعوه لإقامة معارض داخل القاعات المغلقة، ويأتي الزوار بهدف التفرج عليها. ويقول: «أنا فنان أعرض أعمالي في الشوارع، وشغلي يتغذي من احتكاكي بالناس. لم أتعود أن يدفع لي مقابل شغلي، وأن يتكلف الجمهور مشقة الإتيان إلي لمشاهدة ما أفعل، لأنني عادة أنا الذي أذهب إلى الآخرين لأعرض صوري وأفلامي في أحيائهم وشوارعهم وعلى جسورهم وقطاراتهم وليس العكس». ويشرح جي آر، وهو يقف وسط أعماله في معرضه الذي افتتح في الدوحة الأسبوع الماضي، ليكون الأول في العالم العربي، أن من يود التعرف على ما ينجزه لا يحتاج أكثر من زيارة صفحاته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي أو موقعه الشخصي.
في معرضه الاستعادي الذي يستمر حتى 31 مايو (أيار) المقبل، صور لمشروعه الذي نفذه على جدار الفصل العنصري من الجهتين الفلسطينية والإسرائيلية. يروي أنه أراد أن يعرف الجميع أن التشابه يصل حد التماثل في الوجوه. فكان يصور أصحاب المهنة الواحدة من الجهتين، ثم بدأ يلصق صور وجوه لفلسطينيين وإسرائيليين من الجهة الفلسطينية وسط احتشاد الجماهير واستهجانهم، وهم يقولون له إنه من غير المستحب إلصاق صور إسرائيليين، وإنه في حال سيفعل الشيء نفسه من الجهة الأخرى فلن يسمح له. مستفيدا من الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، وأخباره التي انتشرت، تمكن جي آر من إكمال مشروعه في الجهة الأولى وكذلك من الجانب الإسرائيلي دون أن يقبض عليه. لكن الأمر لم يكن كذلك في الصين وفي دول أخرى قرر فيها أن ينفذ مشاريعه دون إذن رسمي.
وفي معرض الدوحة هناك مجموعة صور «نساء بطلات» التي نفذها عام 2008 حتى 2011 وهي بورتريهات لنساء عانين من العنف والصراعات، من بلدان مختلفة من العالم. وكذلك مجموعة صور «الألعاب الأولمبية» التي أقيمت في ريو دي جانيرو، حيث ملأ شوارع المدينة بصوره الضخمة التي التقطها للرياضيين، ليجعل ريو ملعبه ومكان عرضه.
من الصعب عدم ملاحظة أمرين شديدي الأهمية في صور هذا الفنان البوهيمي: الوجوه الإنسانية والتركيز الخاص جدا على العيون المكبرة التي نكاد نراها في غالبية الصور. وهو على أي حال، إنساني في أعماله حد إشعارك بأنه لا يرى غير المشاعر وراء كل تلك المشاهد التي يركّبها. ففي مجموعته التي عرضها في الدوحة للمسنين القاطنين مدنا عانت وتعرضت لتقلبات شديدة، «تكاد تنطق الوجوه التي تملأ الصور بحجمها العملاق وتجاعيد ملامحها وأخاديدها التي حفرها الزمن». لا يمكنك أن تلمس شفافية جي آر الفائقة دون أن تتفرج على الأفلام التي أنجزها وهو يلتقط صوره. فهنا تفهم أن المبنى المهجور الذي يبدو كأنه من إحدى دول العالم الثالث الفقيرة لكنه على مشارف تمثال الحرية في نيويورك، واستقبل ذات يوم لاجئين، استطاع الفنان أن يعيد إليه الحياة ويملأه بالوجوه والظلال. وهناك منزل مهجور آخر يتوق إليه مسنان، أعادهما إلى رحابه بصورة ضخمة لهما ألصقها على سقفه. وهناك في مكان آخر من أفريقيا، ذهب إلى حي فقير يمر فيه قطار، وأصر على أن يزينه بصوره، ويجعل حياة أهله شيئا آخر. من هذا الحي في كينيا كان أحد الذين تعرف عليهم جي آر معه في قطر، أثناء معرضه. هكذا يعقد الصداقات يوثق العرى مع أناس هامشيين، يصبحون له عونا وسندا. في المعرض أيضا صالة خصصها لمشاريعه في باريس أشهرها يوم طلب منه أن يقدم عملا في متحف اللوفر، وقرر أن يخفي الهرم الزجاجي الكبير أمام المتحف الشهير، ويعيد المبنى إلى عهده القديم، وسط احتفالية ضخمة. أو حين ثبت عينين كبيرتين حادتين تحدقان في المارة على قبة دار الأوبرا، أو حين وضع رأس امرأة مقلوبا على واجهة مبنى المكتبة الوطنية. وكذلك وجوه كثيرة تطل من سقف البانتيون (مقبرة العظماء في العاصمة الفرنسية).
يقول جي آر: «أنا لا أستطيع أن أكون في كل مكان. الناس يطلبون مني أن أذهب إليهم، لكنني لا أستطيع إلا في حدود إمكاناتي، إنهم يستنسخون صوري التي يجدونها على وسائل التواصل ويعلقونها حيث يشاءون وكما يريدون. لا أبيع سوى واحد في المائة من أعمالي وهذا يكفيني».
رغم بوهيمية جي آر، الذي يشبه في أحد وجوهه بانكسي صاحب الجداريات والرسومات خفي الوجه والهوية، فإنه عرض في أماكن مهمة وحاز جوائز عالمية. فقد أقيمت له معارض في كل من متحف راث في جنيف (سويسرا) ومتحف واتاري في طوكيو (اليابان)، ومتحف الفن المعاصر في دالاس (الولايات المتحدة الأميركية)، ومركز الفنون المعاصرة في سينسيناتي (الولايات المتحدة الأميركية)، ومتحف فريدر بوردا، بادن (ألمانيا)، وبور ستاشنز للفنون في شنغهاي (الصين) وها هو يعرض حاليا في «غاليري متاحف قطر» في كتارا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».