تكافح الكثير من قنوات التلفزيون الليبية من أجل البقاء، في ظل ظروف مأساوية تمر بها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011. وخرجت معظم القنوات ذات التوجه الليبرالي والمدني من العاصمة ومن مدن أخرى بسبب سطوة المتطرفين. لكن أطرف واقعة تعبر عن شدة الانقسام السياسي في البلاد، وجود قناتين تحملان الاسم نفسه، وهو «الرسمية»، لكن واحدة تابعة لحكومة الوفاق في الغرب، والأخرى للحكومة المؤقتة في الشرق.
وبحثاً عن مقار آمنة للعمل، لجأت كثير من القنوات التلفزيونية للبث من الخارج، بعضها من تركيا والأردن، وأخرى تعمل انطلاقاً من القاهرة. وهناك بضع قنوات من تلك التي تناصر مجاميع متشددة، وتعمل من طرابلس، تتعرض هي الأخرى لمضايقات من الجماعات المسلحة في العاصمة. كما اضطرت قنوات خاصة للتوقف عن البث بسبب نقص الأموال و«الضغوط السياسية».
ويقول الإعلامي الليبي، رجب بن غزي، الذي يقدم برنامجاً على قناة «ليبيا 24»، انطلاقاً من القاهرة، إن عدد القنوات الفاعلة والتي لها تأثير على الساحة الليبية نحو 25 قناة، بينما يوضح الإعلامي الليبي، أنور الشريف، الذي يعمل حالياً في قناة «الإخبارية» التي تبث من بنغازي، إن المشاكل التي تعاني منها القنوات الخاصة في ليبيا تنحصر في «الدعم والأمن».
ويمكن حصر القنوات التلفزيونية الليبية في أربعة توجهات: قنوات محسوبة على التوجه الإخواني، وقنوات تهيمن عليها قيادات من الجماعة الليبية المقاتلة (التي توالي تنظيم القاعدة)، لكن لا تبدو الرؤية واضحة في موقف قنوات هذين التوجهين، من كل من حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل. وتتنافس هاتان الحكومتان على السلطة في العاصمة الواقعة في غرب البلاد.
أما التوجه التلفزيوني الثالث، فيدافع عن مجلس النواب وحكومة الإنقاذ المنبثقة عنه، والجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر. وكل هذه الكيانات تدير أعمالها من عدة مدن في شرق ليبيا. إلا أن الشريف يقول إن وضع الإعلاميين في شرق البلاد أفضل من المنطقة الغربية. ويضيف: حتى بالنسبة للمراسلين الذين ينتمون إلى قنوات معروف عنها مهاجمتها للحكومة التي تعمل انطلاقاً من الشرق، يتحركون بكل حرية في بنغازي وطبرق وغيرهما.
وفيما يتعلق بالتوجه الرابع، فهو ينحصر في القنوات الموالية لنظام القذافي، سواء بشكل مستتر أو بشكل واضح وعلني. ومنها قناة «ليبيا توداي» التي بدأت البث منذ نحو 3 أشهر، كما يقول بن غزي، بمقاطع فيديو عن «القذافي» و«عن الخونة والعملاء». وهناك أيضا قناة «الجماهيرية»، و«الخضراء»، التي يرمز اسمها إلى علم الدولة في ظل النظام السابق، إلا أنها تواجه كل فترة وأخرى مشاكل مالية.
وكانت حركة الإعلام في ليبيا قد خرجت من الثوب القديم لتبدأ عهداً جديداً. وبعد سقوط نظام القذافي انخرط عشرات الإعلاميين الليبيين، من بينهم بن غزي، الذي كان يعمل مذيعا في الإذاعة اليونانية، في سوق العمل التلفزيوني داخل البلاد، ونشطت حركة الإعلام على أيدي صحافيين محليين طموحين، منهم الشريف.
بدأ الأمر مع أواخر عام 2011 بإطلاق قنوات للدولة الجديدة على أنقاض منظومة إعلام النظام السابق، والتي كانت تتمثل في «الهيئة العامة لإذاعات الجماهيرية العظمى» و«أمانة اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام». وشارك رجال أعمال، لأول مرة، في تمويل قنوات خاصة.
لكن ممارسة المهنة اصطدمت بكثير من العراقيل، خاصة في طرابلس، حيث وصل الأمر إلى قصف مقار بعض القنوات التي لا تعجب الميليشيات، بالصورايخ، وخطف العاملين فيها، وغيرها من إجراءات دفعت الكثير من القنوات للانتقال إلى العمل من الخارج. كما سيطرت جماعات متطرفة على بنغازي لمدة عامين تقريبا. ويقول الشريف: في تلك الفترة الصعبة انتقلت للعمل في مصر مع قناة «ليبيا أولاً».
أما عن الوضع في طرابلس فيتذكر بن غزي تلك الأيام، من مقره الحالي في القاهرة، قائلاً: «شاركت في شهر سبتمبر (أيلول) من سنة 2011 في تأسيس قناة العاصمة، كقناة خاصة. كانت الوحيدة التي تبث من هناك في ذلك الوقت. ثم بدأت المشاكل بسبب عدم التزام القناة بخط يرضي أطرافاً بعينها بدأت تسعى حينذاك للسيطرة على السلطة».
وتعرض مقر قناة العاصمة للقصف بالصواريخ ثلاث مرات في عام 2013، وجرى منعها من استخدام خدمة بث الرسائل الإخبارية القصيرة عبر الهاتف. وفي المرة الأخيرة أثناء اقتتال الميليشيات حول مطار طرابلس الدولي في 2014 جرى تفجير المقر وخطف مالكها لبعض الوقت، واحتلال مقرها، وسرقة أرشيفها بالكامل. يقول بن غزي: «كان أمراً مفجعاً. كانت قناة مؤثرة. والتيار الإسلامي ومنه جماعة الإخوان كان يعمل للقضاء عليها».
وهناك قنوات ليبية محسوبة على التيار الإسلامي مثل: «النبأ»، و«الرائد»، و«ليبيا الأحرار»، و«التناصح»، وغيرها. وأغلب قنوات هذا التيار تبث على ترددات لأقمار صناعية غير مشهورة بالمنطقة العربية، لكن يمكن التقاط تردداتها عن طريق القمر الصناعي المصري «نايل سات».
وتمتلك الحكومة الليبية عدة قنوات مثل «الرسمية» و«الوطنية»، إلا أن الانقسام السياسي أثر بالسلب على أوضاع هذه القنوات. وبعد تولى السراج مسؤولية حكومة الوفاق، انقسمت قناة «الرسمية» إلى قناتين تحملان الاسم نفسه، واحدة تبث من طرابلس، والثانية أصبحت تابعة لحكومة الإنقاذ برئاسة عبد الله الثني، وتبث من بنغازي. وتشترك القنوات التابعة لكل من حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة في شح الأموال وتربص الخصوم.
قنوات ليبية تكافح من أجل البقاء
الانقسام السياسي وقلة الأموال وغياب الأمن أهم التحديات
قنوات ليبية تكافح من أجل البقاء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة