منيت شركة «أوبر»، بعد النجاح المذهل الذي حققته في السنوات الأخيرة، بانتكاسة مؤلمة في الأسابيع الماضية بلغت ذروتها الجمعة الماضية بصدور تقرير يتهم الشركة باتخاذ إجراءات استثنائية لتفادي مسؤولين حكوميين داخل المناطق التي يحظر فيها عمل الشركة أو يخضع لقيود.
ويأتي التقرير، الذي لم تصدر «أوبر» بياناً للرد عليه وتفنيده، في أعقاب ظهور مزاعم حول وقوع حوادث تحرش جنسي وإثارة تساؤلات حول الحماية المتاحة لخصوصية العملاء، بجانب انطلاق حملة عبر موقع «تويتر» لإلغاء تطبيق «أوبر»، بناءً على اتهامات للشركة بأنها لم تحترم إضراب السائقين في مطار جون كينيدي الدولي بمدينة نيويورك في يناير (كانون الثاني).
وفي أعقاب ظهور فيديو للرئيس التنفيذي لـ«أوبر»، ترافيس كالنيك، يتجادل مع أحد سائقي «أوبر» حول الرواتب، أصدر كالنيك اعتذاراً علنياً وأعلن عزمه السعي للحصول على مساعدة في إدارة الشركة.
وجاء التطور، الجمعة الماضي، في أعقاب قصة صحافية نشرتها «نيويورك تايمز» حول كيف أن «أوبر» سعت لتحديد هوية وتحاشي المسؤولين الحكوميين في خضم ما يُشبِه لعبة القط والفأر استمرت لسنوات امتدت لعدة دول. وعمدت «أوبر» إلى تفحص بيانات الموقع الجغرافي للعملاء وبطاقات الاعتماد وعادات استخدام التطبيقات، بل وحساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تحديد هويات من يعملون لحساب الحكومات المحلية أو شركات منافسة.
وتأتي سلسلة المشكلات التي عانتها «أوبر» بمثابة صدمة بالنظر إلى المكانة التي تمتعت بها الشركة لفترة طويلة، باعتبارها واحدة من الشركات المقربة من «سيليكون فالي» لدرجة دفعت البعض لوصف مجموعة كبيرة من الشركات العاملة بمجالات شتى من توفير جليسات أطفال إلى توصيل الطعام باعتبارها «أوبر هذا المجال».
ومن جانبها، شرعت كليات إدارة الأعمال في دراسة مستقبل «الاقتصاد التشاركي» الذي بدت «أوبر» مهيَّأَة لقيادته.
وبدوره، قال بول أرغينتي، بروفسور التواصل بمجال الشركات لدى كلية توك لإدارة الأعمال التابعة لدارتماوث كوليدج: «هذا شهر سيئ للغاية. إنهم يواجهون عدداً ونمطاً غير عاديّ من المشكلات بجانب حالات من سوء السلوك».
ومع هذا، أعرب أرغينتي وعدد من خبراء آخرين عن اعتقادهم بأن الشركة لا يزال بمقدورها استعادة زخمها عبر تحسين مستوى الإدارة. وعن هذا، قال: «في نهاية الأمر، تبقى سمعتك أمراً معقداً، فلا بد أن تكون هناك أمور سيئة كثيرة ومستمرة كي تحدث فارقاً على صعيد السمعة. وأعتقد أن (أوبر) لم تصل بعد لهذا المستوى».
جدير بالذكر أن «أوبر» تأسست عام 2009 وتتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، وتعمل في مئات المدن عبر مختلف أرجاء العالم، وإن كانت كثير من الحكومات المحلية داخل الولايات المتحدة وغيرها قد حظرتها. وحتى داخل «سيليكون فالي»، تشتهر الشركة بثقافتها القوية القاسية التي تسعى للربح دوماً بأي صورة.
وتدريجياً، امتدت «أوبر» كذلك للعمل بمجالات أخرى مثل توصيل الطعام، في الوقت الذي أصبحت فيه رائدة بمجال البحث المتعلق بالسيارات ذاتية الحركة. ورغم أنه لا يجري التداول العام في أسهمها، فإن قيمة الشركة تقدر بـ60 مليار دولار على الأقل.
إلا أنه مثلما الحال مع كثير من الشركات سريعة النمو العاملة بمجال التكنولوجيا، ارتبطت «أوبر» بعلاقات شابها الخلاف والنزاع مع المسؤولين الحكوميين، خصوصاً داخل المدن التي ازدهرت فيها من خلال إحداث انقلاب بعالم خدمات التاكسي الخاضع لتنظيمات وقوانين مكثفة، في وقت اشتكى فيه السائقون والشركات المنتمية لهذا العالم من أن «أوبر» تتعمد الالتفاف على هذه التنظيمات والقوانين. من ناحية أخرى، أثار إصرار «أوبر» على أن سائقيها، بغض النظر عن عدد الساعات التي يعملونها، يعتبرون مقاولين وليسوا موظفين، لغطاً كبيراً بالنظر إلى أنه أعفى الشركة من دفع مبالغ ضخمة لهؤلاء السائقين.
وقد اتضح أن «أوبر» اعتمدت على أداة أطلق عليها اسم «غريبول» عام 2014 لتحديد هوية مسؤولي مدينة بورتلاند في أوريغون الذين يظهرون في الشوارع في صورة عملاء عاديين، ويطلبون استقلال سيارات أجرة للكشف عما إذا كانت الشركة تعمل بصورة غير قانونية داخل المدينة، وذلك تبعاً لما أوردته «ذي نيويورك تايمز»، إلا أنه بدلاً عن استدعاء سائقين من أجل «العميل»، أظهرت الشركة أمام المسؤولين نسخ زائفة من تطبيق «أوبر»، ومعها سائقون زائفون. أما أي سائقين حقيقيين كانوا يستجيبوا للطلب، سرعان ما كانوا يلغون استجابتهم، أحياناً في أعقاب تدخل مباشر من مسؤولي «أوبر»، الأمر الذي مكَّن الشركة من تجنب رصد وجودها داخل المدن التي تحظر عملها.
كان «غريبول» قد بدأ كأداة لتحديد الركاب المتجاوزين داخل الدول التي تعرض فيها سائقو «أوبر» لأعمال عنف، أحياناً من سائقي شركات منافسة. إلا أن الشركة اكتشفت نهاية الأمر أن بمقدورها استخدام الأداة ذاتها في تحديد هوية المسؤولين الحكوميين الذين يسعون لتفحص أداء الشركة.
ومن أجل تحديد ما إذا كان مستخدم ما محققاً حكومياً، عمدت «أوبر» على تفحص كثير من العوامل، مثل ما إذا كان المستخدم يقضي وقتاً طويلاً حول مبانٍ حكومية، وما إذا كان يفعل تطبيق «أوبر» على نحو متكرر قرب هذه المباني. وأشارت «ذي نيويورك تايمز» إلى أن هذه الأداة لا يزال استخدامها مستمراً حتى اليوم. وتمتعت «أوبر» بالقدرة على تحديد المستخدمين المشكوك فيهم ووسمهم على نحو مميز بحيث يتلقون معاملة مختلفة فيما بعد. كما جرى استخدام «غريبول» في الحيلولة دون تمكُّن سائقي السيارات الأجرة المنافسة من تحديد مواقع وتعقب سائقي «أوبر»، وتبعاً لما علمته الصحيفة، فإن هذا الإجراء نال موافقة محاميي الشركة.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الأوسط}
«أوبر» تلجأ إلى أداة سرية للالتفاف على المراقبة الحكومية
الشركة العملاقة تسعى إلى تحديد هوية المسؤولين في مناطق حظرها وتحاشيهم
«أوبر» تلجأ إلى أداة سرية للالتفاف على المراقبة الحكومية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة