ملوك الفراعنة يثيرون جدلاً واسعاً من شمال مصر إلى جنوبها

بشأن احتمالية وجود قبر الملكة نفرتيتي خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون

ملوك الفراعنة يثيرون جدلاً واسعاً من شمال مصر إلى جنوبها
TT

ملوك الفراعنة يثيرون جدلاً واسعاً من شمال مصر إلى جنوبها

ملوك الفراعنة يثيرون جدلاً واسعاً من شمال مصر إلى جنوبها

في حين يدور جدل واسع حول طريقة انتشال تمثالين ملكيين من الأسرة الـ19 عثرت عليهما البعثة الآثارية المصرية الألمانية المشتركة في شرق العاصمة المصرية القاهرة، أجرى فريق عمل مصري - إيطالي «مسحاً جيوفيزيقياً» بمحيط مقبرة الملك توت عنخ آمون على مدى خمسة أيام، بمنطقة وادي الملوك، غرب مدينة الأقصر التاريخية، بصعيد مصر بحثاً عن قبر الملكة نفرتيتي.
وقالت مصادر آثارية مصرية، لوكالة الأنباء الألمانية، أمس إن «عملية المسح استهدفت كشف ما يحيط بمقبرة توت عنخ آمون، وما قد يكون مخبَّأً في قلب الصخور الملاصقة للمقبرة، وجرت في سرية تامة، في إطار المساعي المصرية، لحسم الجدل الدائر بشأن احتمالية وجود قبر الملكة نفرتيتي، خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون، وذلك بحسب نظرية عالم المصريات البريطاني، نيكولاس ريفز».
غادر الفريق الإيطالي المكون من خبراء في جامعة بولي تيكنيكو بمدينة تورينو الإيطالية، برئاسة فرانكو بورتشيللي الأقصر، عائداً إلى إيطاليا بنهاية الأسبوع الماضي، حيث سيجري تحليل نتائج عملية المسح بمعرفة الجانب الإيطالي، وبمعرفة خبراء كبار في مجال قراءة إشعارات أجهزة البحث الراداري والجيوفيزيقي، تمهيداً لاستئناف عملية المسح مجدداً، بمنطقة وادي الملوك.
وكان قد استُبعِد عالم المصريات البريطاني، نيكولاس ريفز، من المشاركة في عمليات البحث، مشيرة إلى أن فريق العمل الإيطالي سيعود إلى مصر في أبريل (نيسان) المقبل، لاستئناف عمليات المسح الكامل لمنطقة وادي الملوك الأثرية في غرب الأقصر، وإعلان نتائج المسح الذي جرى لما حول مقبرة توت عنخ آمون.
ورجَّحَت المصادر الآثارية المصرية، أن تسهم نتائج المسح الأول، في الوصول لقبر الملكة نفرتيتي، خصوصاً أن نتائج أولية سابقة، أشارت إلى وجود مواد عضوية في الفراغات التي كشف عنها المسح خلف جدران مقبرة الملك توت عنخ آمون، مشيرة إلى أن المواد العضوية تعني في لغة الآثاريين، وجود مومياوات وعظام وقماش وأخشاب.
وتعد عملية المسح التي قام بها فريق مصري - إيطالي بمنطقة وادي الملوك، هي الخامسة من نوعها بحثاً عن مقابر جديدة في مدينة الأقصر.
ويرى متابعون مصريون أن انضمام وزير الآثار الأسبق بمصر، الدكتور زاهي حواس، لفريق العمل الذي يتولى عملية المسح الجيوفيزيقي لمنطقة وادي الملوك ومحيط مقبرة توت عنخ آمون، قد يصعِّب من عمليات البحث عن قبر الملكة نفرتيتي، تحديداً، وذلك نظراً لمواقفه الرافضة لنظرية البريطاني نيكولاس ريفز بشأن وجود قبر نفرتيتي في منطقة وادي الملوك.
ويرى حواس أن نفرتيتي كانت بمثابة امرأة مارقة في نظر كهنة طيبة (الأقصر حالياً) ولذلك لم يكن ليُسمَح بدفنها في جبانة ملوك طيبة من عبدة آمون.
إلى ذلك، قال مسؤول في منطقة آثار الأقصر لوكالة الأنباء الألمانية، أمس، إن عملية البحث عما خلف جدران مقبرة الملك توت عنخ آمون، لا تعني الاعتراف بصحة نظرية نيكولاس ريفز، بوجود قبر نفرتيتي، وقد يؤدي الأمر إلى الوصول إلى كشف أثري جديد قد يكون الأكثر إثارة في العالم.
وعلى صعيد آخر، دافع حواس، أمس (الجمعة)، عن طريقة انتشال تمثالين ملكيين من الأسرة الـ19 عَثَرت عليهما البعثة الأثرية المصرية الألمانية المشتركة العاملة بمنطقة سوق الخميس (المطرية) بمنطقة عين شمس الأثرية شرق القاهرة.
وكان محمود عفيفي رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار المصرية قد أعلن، أول من أمس (الخميس)، عن عثور البعثة على الجزء العلوي من تمثال بالحجم الطبيعي للملك سيتي الثاني مصنوع من الحجر الجيري بطول نحو 80 سم، أما التمثال الثاني، فمن المرجح أن يكون للملك رمسيس الثاني وهو مكسور إلى أجزاء كبيرة الحجم من الكوارتزيت، ويبلغ طوله بالقاعدة نحو ثمانية أمتار.
وقال حواس في بيان صحافي أصدره ونشرته وزارة الآثار المصرية على صفحتها على «فيسبوك»: «أؤكد أن جميع الآثار والتماثيل التي عثر عليها في منطقة المطرية (شرق القاهرة) لا يوجد بها تمثال واحد كامل، إذ إن هذه التماثيل قد تم تدميرها وتكسيرها خلال العصور المسيحية».
واعتبر حواس أن قيام البعثة باستخدام رافعة (الونش) لاستخراج التمثال من باطن الأرض «تصرُّف سليم مائة في المائة حيث يُستخدم الونش في جميع المناطق الأثرية». وأضاف حواس أن رئيس البعثة ديترش رو أكد له أن عملية رفع الرأس (للتمثال) قد تمت بحرفية شديدة، وأنه لم يحدث له خدش، وأن التهشم الموجود في الوجه قد حدث في العصور المسيحية».
وقال حواس إنه جرى نقل هذه القطعة الصغيرة بسهوله تامة، أما باقي التمثال، الذي يمثل الجزء الكبير منه، فموجود بالموقع الآن وسوف يتم نقله يوم الاثنين عن طريق الونش، لأنه لا يوجد بديل آخر. وأوضح حواس أن هذه الطريقة المتبعة في جميع دول العالم لنقل أي قطعة أثرية بهذا الحجم موجودة على عمق مترين تحت المياه الجوفية.
وأكد حواس أن «ما قامت به البعثة عمل علمي متكامل في إنقاذ التمثال الذي عُثِر عليه، كما أنه لا توجد أية طريقة أخرى أمامها سوى استخدام هذه الآلات التي حافظت على التمثال».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».