حكايات الأمل والخيبة على جدران سجن في الباب

عشرات المعتقلين تركوا شعارات ورسومات وأبيات شعر تعكس مشاعر متناقضة

خليفة الخضر يلتقط صورة أمام جدار زنزانته السابقة في سجن «المحكمة الشرعية» في الباب (أ.ف.ب)
خليفة الخضر يلتقط صورة أمام جدار زنزانته السابقة في سجن «المحكمة الشرعية» في الباب (أ.ف.ب)
TT

حكايات الأمل والخيبة على جدران سجن في الباب

خليفة الخضر يلتقط صورة أمام جدار زنزانته السابقة في سجن «المحكمة الشرعية» في الباب (أ.ف.ب)
خليفة الخضر يلتقط صورة أمام جدار زنزانته السابقة في سجن «المحكمة الشرعية» في الباب (أ.ف.ب)

على جدران سجن كان تحت سيطرة تنظيم داعش في مدينة الباب السورية، ترك عشرات المعتقلين شعارات ورسومات وأبيات شعر تعبر عن مشاعر متناقضة، امتزجت فيها حالة اليأس بتوقهم للخلاص من كابوس مزعج.
وبعد أسبوعين من تمكن الجيش التركي وفصائل سورية معارضة من طرد «داعش» من مدينة الباب، التي كانت تعد آخر أبرز معاقله في محافظة حلب (شمال)، يتفقد الناشط المعارض خليفة الخضر (23 عاما) مركز اعتقال أمضى فيه عدة أشهر.
بخطوات ثقيلة، يتجول خليفة بين الزنزانات المظلمة للمرة الأولى منذ فر منها، بعدما أمضى فيها ستة أشهر معتقلا في النصف الثاني من عام 2014، إثر إلقاء عناصر «داعش» القبض عليه بجرم حمل آلة تصوير في مناطق سيطرتهم. ورغم طردهم من المدينة، فإن ذلك لم يحل دون أن يتملكه الخوف في اللحظات الأولى لدخوله المبنى المؤلف من ثلاثة طوابق.
داخل إحدى الغرف، يجول خليفة بنظره على حائط تزدحم عليه العبارات والأسماء والتواريخ حتى تقع عيناه على جملة كتبها حين كان معتقلا، اقتبسها من قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».
ونقل تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية عن الشاب أسمر البشرة متوسط الطول، أن «غالبية السجناء كانوا يكتبون على الجدران... للقول إنهم لا يزالون على قيد الحياة». ويتابع خليفة، وهو يضع في معصمه سوارا عليه علم المعارضة السورية، أنه إذا رأى المعتقل «اسم أحدهم مكتوبا يعرف أنه مر من هنا... ما يمكنه أن يعطي أملا لعائلته».
ومنذ اندلاع الحرب قبل ست سنوات، اعتقل عشرات الآلاف داخل سجون النظام السوري و«داعش» والقوى المتشددة، وحتى فصائل المعارضة المسلحة. ولا يزال مصير الكثيرين منهم مجهولا. وتمتلئ الجدران بالعبارات المؤثرة. واختار أحدهم أن يلخص رؤيته لتجربة اعتقاله قائلا: «السجن لي مرتبة، والقيد لي خلخال، والبالانغو أرجوحة الأبطال».
و«البالانغو» طريقة تعذيب متبعة في سوريا يتم بموجبها تعليق المعتقل بزرد حديدي متدلٍ من السقف، ويداه مقيدتان إلى الخلف. وعلى جدار آخر، كتب معتقل يبدو أنه ملّ من الانتظار الطويل: «إذا مرت الأيام ولم تروني، فهذا خطي. اذكروني»، فيما اكتفى معتقل آخر بخط كلمة واحدة: «مظلوم». واختار أحدهم رسم عصفور يفرد جناحيه، مذيلا بتعليق «يريد أن يطير».
ويضم السجن الذي كان متصلا عبر نفق بـ«محكمة شرعية» تابعة لـ«داعش»، بين 75 و100 زنزانة، بينها حجرات فردية ضيقة للغاية، وفق ما يقول خليفة.
ويقول علاء (25 عاما)، وهو اسم مستعار لناشط معارض اعتقل في السجن ذاته نهاية 2013: «عندما يدخل الشخص إلى السجن، يخبر كل قصصه خلال أسبوعين، ومن بعدها لا يبقى لديه شيء ليتحدث عنه. ويشعر بروتين قاتل... ومع مرور الأيام، يفقد المعتقل إحساسه بالزمان والمكان، لذا يحاول بأي وسيلة كانت سواء عبر القلم أو الحفر، أن يسجل علامات يوميا ليحتسب الأيام التي يمضيها».
ويشير علاء الذي ترك اسمه على أحد جدران السجن إلى أن «أمورا كثيرة تخطر على بال المعتقلين لإبعاد الشعور بالملل، كأن يخطون على الجدران ذكريات أو عبارات مفيدة أو حتى الشعر، كل سجين ومزاجه». ويروي مع ابتسامة عريضة كيف تمكن وزملاؤه من الحصول على الأقلام. ويقول: «ذات يوم، طلب عناصر (داعش) عشرة متطوعين منا لتنظيف غرفة كبيرة كانت مليئة بالمستندات والسجلات العقارية الرسمية».
وكان سجن «المحكمة الشرعية» قبل عام 2011 مبنى رسميا يطلق عليه اسم السراي، ويضم مقرا لمجلس المدينة ومركز قيادة المنطقة ومركز توقيف مؤقت. ويضيف علاء: «أثناء تنظيف الغرفة عثرنا على علبة أقلام، فخبأ كل منا قلمين وأخذناها إلى الغرف». ويتذكر رؤيته كتابات قديمة في السجن يعود تاريخها إلى عام 2004 وأخرى حين كان السجن تحت سيطرة الفصائل المعارضة قبل استيلاء «داعش» في 2014.
ويضيف متهكما: «أجيال تناوبت على الكتابة على الجدران». ولا يزال شعار «داعش» مكتوبا باللون الأحمر على أحد جدران السجن.
في طابق تحت الأرض، كان التنظيم يتفنن في طرق تعذيب المعتقلين، لا سيما داخل غرفة كبيرة تضم نوعين من الزنازين الانفرادية الضيقة للغاية. ويتحدث خليفة عن «أسوأ» النوعين، وتعرف باسم «التابوت»، وهي عبارة عن خزانات مستطيلة ضيقة في الحائط، بالكاد تتسع لشخص واحد وقوفا من دون أي إمكانية للحركة.
وفي الجهة المقابلة، توجد حجرات تعرف بـ«بيت الكلب»، وهي عبارة عن خزانات صغيرة مربعة يوضع فيها المعتقل بوضعية الجلوس والانحناء لفترة «تتراوح من يوم إلى أربعين يوما، مرتديا حفاضة» بسبب عدم السماح بخروجه منها لقضاء حاجته. وينقل خليفة عن معتقلين في هذه الزنازين أنهم «ذاقوا الويل وكانوا يتمنون الموت».
ورغم الذكريات السيئة التي يحتفظ بها، فإن خليفة يقول بنبرة لا تخلو من التشفي: «أنا موجود حاليا باختياري وإرادتي داخل هذا المبنى؛ حيث كنت معرضا للقتل في أي لحظة، حين كنت في السجن لم أكن أحلم بأي شيء أبدا». ويبدو أن كثيرين ممن عانوا في هذا السجن كانوا يتشاركون شعور المرارة ذاته. وأبو أديب، واحد منهم، إذ كتب باللون الأحمر عبارة «سُدّت كل الأبواب إلا بابك يا الله».



واشنطن تصف أعمال الحوثيين القمعية بـ«الإرهابية الوحشية»

واشنطن تصف أعمال الحوثيين القمعية بـ«الإرهابية الوحشية»
TT

واشنطن تصف أعمال الحوثيين القمعية بـ«الإرهابية الوحشية»

واشنطن تصف أعمال الحوثيين القمعية بـ«الإرهابية الوحشية»

دعت سفارة الولايات المتحدة في اليمن، السبت، جماعة الحوثيين إلى إطلاق موظفي السفارة المعتقلين منذ ثلاث سنوات «فوراً ودون شروط»، واصفة أعمال الجماعة القمعية ضد عمال الإغاثة والموظفين الأمميين بـ«الإرهابية الوحشية».

وكانت الجماعة الحوثية قد بدأت أخيراً إجراءات محاكمة المعتقلين لديها من موظفي السفارة الأميركية والوكالات الأممية والمنظمات الدولية الإغاثية، من خلال إحالتهم إلى نيابة خاضعة للجماعة في صنعاء، مختصة بأمن الدولة وقضايا الإرهاب، وهو ما أثار قلق رؤساء الوكالات الأممية والدولية، مع تجدّد المطالب بسرعة إطلاق سراح المحتجزين فوراً.

وجاءت الدعوات الأميركية في بيان للسفارة، أشارت فيه إلى أن الجماعة الحوثية تحتجز منذ ثلاث سنوات «مواطنين يمنيين أبرياء ظلماً وبصورة غير شرعية (...) لم يرتكبوا أي جرائم».

وأضافت السفارة أن الجماعة تحتجز الموظفين السابقين لدى السفارة «بصفتهم رهائن لمجرد أنهم يعملون لدى السفارة الأميركية في صنعاء، لبناء التفاهم والعلاقات القوية بين اليمن والولايات المتحدة، وتوفير احتياجات أسرهم». وزادت بالقول «إنهم يمنيون وطنيون وجدوا ببساطة عملاً ذا معنى مع السفارة الأميركية».

وتطرّق البيان الأميركي إلى مرور أكثر من أربعة أشهر منذ أن أقدم الحوثيون «بوحشية» على احتجاز يمنيين آخرين بصفتهم رهائن، مما أدى مرة أخرى إلى إبعاد مواطنين متفانين في خدمة بلدهم بعيداً عن أسرهم لمجرد أداء عملهم الاعتيادي لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والبعثات الدبلوماسية.

وشنّت الجماعة المدعومة من إيران في يونيو (حزيران) الماضي أوسع حملة اعتقالات للعاملين في مجال الإغاثة والمنظمات الأممية والدولية والمحلية، وسط تقديرات باعتقال نحو 70 شخصاً، بينهم نساء، ليُضافوا إلى عشرات آخرين من موظفي الأمم المتحدة والعاملين السابقين في الهيئات الدبلوماسية الأجنبية.

الحوثيون احتجزوا العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية في اليمن (إ.ب.أ)

وأشارت السفارة إلى أن الجماعة الحوثية «تنضم إلى قائمة طويلة ومخزية من الجماعات الإرهابية الوحشية» التي تلحق الأذى الجائر بالرجال والنساء الأبرياء، استناداً فقط إلى اتهامات لا أساس لها من الصحة، وأدلة ملفقة، واعترافات بالإكراه.

وأعرب البيان عن القلق العظيم إزاء التقارير التي تشير إلى أن «ميليشيا الحوثي» أحالت الكثير من هؤلاء المعتقلين اليمنيين الأبرياء إلى المحاكمة بتهم لا أساس لها من الصحة.

وأكدت السفارة تضامنها مع هؤلاء اليمنيين الأبرياء وأسرهم الذين تحمّلوا هذه المحنة المؤلمة التي تنتهك بشكل صارخ الحقوق الإنسانية لهؤلاء المعتقلين.

وشدد البيان على أن السفارة لن ترتاح حتى يعود المحتجزون إلى أحبائهم الذين يفتقدونهم بشدة، داعياً الحوثيين إلى «الإفراج الفوري غير المشروط» عن جميع هؤلاء المعتقلين.

قلق دولي ويمني

كان رؤساء الوكالات الأممية والمنظمات الدولية أصدروا قبل أيام بياناً مشتركاً عبّروا فيه عن قلقهم البالغ بعد إحالة الحوثيين عدداً من المعتقلين من موظفي الوكالات والمنظمات إلى «النيابة الجزائية» المتخصصة في قضايا أمن الدولة والإرهاب الخاضعة للجماعة في صنعاء.

ويثير القرار الحوثي، حسب رؤساء الوكالات الأممية والمنظمات الدولية، «مخاوف جدية» بشأن سلامة وأمن العاملين في هذه الوكالات والمنظمات وأسرهم.

وفي حال تمت إدانة هؤلاء المحتجَزين عبر المحاكم الحوثية، فإن العقوبة التي تنتظرهم هي الإعدام، بالنظر إلى التهم التي كانت الجماعة روّجتها بحقهم، وهي تهم مزعومة بـ«الجاسوسية» لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل.

مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء غداة مقتل زعيم حركة «حماس» الفلسطينية يحيى السنوار (أ.ف.ب)

وفي أحدث البيانات الحكومية، جدّدت وزارة حقوق الإنسان اليمنية إدانتها «بشدة» استمرار اختطاف وإخفاء أكثر من 70 موظفاً وناشطاً، بينهم 5 نساء، منذ مطلع يونيو 2024 في سجون الحوثيين ومعتقلاتهم، الذين وصفتهم بـ«الميليشيا الإرهابية».

وذكرت الوزارة، في بيان، أن المختطفين، الذين بينهم 19 من موظفي وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ما زالوا حتى اللحظة مخفيين قسراً، ولم يستطع أهاليهم معرفة أماكن احتجازهم أو حالاتهم الصحية في أقبية الميليشيات. ووصفت ذلك بأنه «انتهاك صارخ لحقوقهم في الحياة، والحرية، والأمن الشخصي».

وأشار البيان إلى أن المحتجَزين والمختطفين يقبعون في سجون سرية، ويتعرّضون لصنوف من التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية؛ لإجبارهم على الإدلاء بأقوال واعترافات تدينهم.