القادة النرجسيون كنز ثمين في أوقات التغيير وعبء ثقيل في غيرها

دراسة بريطانية: النرجسية الفردية تسبب مشاكل في القيادة

القادة النرجسيون كنز ثمين في أوقات التغيير وعبء ثقيل في غيرها
TT

القادة النرجسيون كنز ثمين في أوقات التغيير وعبء ثقيل في غيرها

القادة النرجسيون كنز ثمين في أوقات التغيير وعبء ثقيل في غيرها

مع بروز قادة النخب السياسية للتيارات الجديدة في أرجاء العالم من الذين يتمتعون بالجاذبية الشخصية التي تجتذب ملايين الناس إلى آرائهم، توجه عالمان في بريطانيا لدراسة النزعة النرجسية لدى القادة بشكل أعمق.
ويشكل القادة النرجسيون معضلة تنظيمية كبرى، فمن جهة فإنهم يعتبرون كنزا ثمينا لأنهم مليئون بالهمة والعزيمة ويتمتعون ببعض سمات الرؤية المستقبلية ويمكنهم إجراء تغييرات كبرى بالاعتماد على جاذبيتهم المتفردة، ولذا فإنهم يصبحون من الأشخاص الذين يتبوأون مراكز عليا بسرعة.
ولكن من جهة أخرى فإنهم شديدو التقلب، وينفجرون بوجه الآخرين الذين يطرحون افتراضات مناقضة لرؤيتهم أو يشككون في قدراتهم. وينزع القادة النرجسيون إلى الدخول في حقل كبير من المصاعب والنزاعات ويغيرون مساعديهم بسرعة ولا يهتمون بتذكير الناس بفضل الآخرين عند تحقيق الانتصارات الكبيرة والصغيرة.
ولهذا فإن النرجسيين يمكن أن يكونوا كنزا ثمينا في أوقات التغيير الضرورية، أو أن يصبحوا عبئا ثقيلا أكبر في كل الأوقات الأخرى. إلا أن من الممكن التحكم بسلبيات القائد النرجسي، مثل تحويل الاهتمام الشديد لديه من «عظمة الذات» إلى التركيز على مساهمات المساعدين الآخرين، وبذلك يتحول هذا القائد إلى «قائد نرجسي جماعي»، وفقا لبحث بريطاني.
وقال راندال بترسون ووايلي وايكمان في «كلية لندن للأعمال» في دراستهما التي نشرت في «مجلة هارفارد للأعمال»، إن «القائد الجماعي» من هذا النوع يظل متمتعا بالشعور بعظمته، إلا أن نرجسيته تنحى باتجاه الأهداف المثمرة أكثر، مثل مساعدة الآخرين.
وقال الباحثان إن الدراسات السابقة انصبت على النرجسية المتفردة أكثر من النرجسية التي تنحى لأن تكون أكثر جماعية. ولذا فقد دققا في جوانب الاختلافات بين سلوك هذين النمطين من الشخصية النرجسية.
وقاس الباحثان المتخصصان في سمات السلوك التنظيمي، «مستوى النرجسية المتفردة» لدى مشاركين في تجربة علمية بعد أن طلبا منهم الإجابة بالإيجاب عن أسئلة مثل: «أنا أعرف دائما ما أعمله»، و«التفوق صفة تولد مع الإنسان». وبهدف قياس «النرجسية الجماعية طلب الباحثان من المشاركين الإجابة بالإيجاب عن أسئلة مثل: «من بين الذين أعرفهم، أنا من أكثر الأشخاص مساعدة للآخرين» و«سأكون شهيرا لأنني عززت رفاهية الناس».
كما مارس المشاركون في التجربة لعبة الديكتاتور التي يقوم فيها اللاعب بالاستفادة من الموارد، مثل الأموال أو قطع الحلوى، وطلب الباحثان من كل مشارك توزيعها بينه وبين شريك له. وهنا يمكن التعرف على صفات المشارك الشخصية التي تتراوح بين «الأنانية المطلقة» عندما يحتكر الموارد كلها لنفسه أو «الاجتماعية المطلقة» عندما يوزع كل ما لديه على الآخرين.
ومارس المشاركون نوعين من «لعبة الديكتاتور» - الأول لتبيان العلاقات الاجتماعية مثل تلك التي يمتلكها أفراد العائلة أو مجموعة من الأصدقاء وطلب من المشاركين توزيع الحلوى أو إعطاؤها. أما النوع الثاني فهو لتبيان العلاقات المتبادلة مثل تلك التي تكون بين الشركاء في الأعمال، ويختلف هذا النوع عن الأول بأن الشريك ينتظر في العادة مكافأة لأي خدمة يقدمها للشريك الآخر، وتعامل المشاركون هنا بالنقود.
وقال الباحثان إن التجربة أظهرت نسقا محددا، إذ أظهرت في حالة العلاقات الاجتماعية أن كلتا الشخصيتين النرجسيتين المتفردة والجماعية اتسمت بالسمات الاجتماعية في النوع الأول من اللعبة بين الأصدقاء وأفراد العائلة حيث تشارك 9 من 10 من المشاركين، بالحلوى. ولكنهم لم يوزعوا النقود بهذا الشكل إذ ظهر أن «النرجسيين المتفردين» احتفظوا بالدولارات لأنفسهم في 9 من 10 من الحالات بينما تشارك «النرجسيون الجماعيون» بالدولارات في 5 من 10 من الحالات فقط.
وقال الباحثان إن مشكلة الشخصيات النرجسية المتفردة تكمن في أنها تقود إلى الكوارث عند وجودها في مجموعات ومنظمات لأن تلك الشخصيات ترغب في إجراء تغييرات كاملة حتى وإن كانت منظومات العمل تؤدي أعمالها بشكل جيد. أما الشخصيات النرجسية الاجتماعية فإنها ستخفف من السمات الفردية، لصالح تلك المجموعات.
وتجدر الإشارة إلى أن التقديرات تشير إلى أن حالة «اضطراب الشخصية النرجسية» تصيب 8 في المائة من الرجال و5 في المائة من النساء. والصفة الرئيسية لهذا الاضطراب هي وجود نوع خاص من الاستغراق في الذات، ووجود تقدير خطير لقدرات الشخص وإمكاناته يرتبط غالبا بأوهام العظمة. والصفة الثانية هي أنه بينما يكون الشخص النرجسي (وخصوصا الرجال)، مقتنعا تماما بمنزلته الاجتماعية العالية فإنه يتوقع بشكل آلي أن الآخرين سوف يدركون مميزاته الفائقة وسوف يخبرونه بذلك. وفي النهاية، غالبا ما يكون الشخص النرجسي الذي يتوق إلى القبول والإعجاب من الآخرين، جاهلا بوجهة نظر الآخرين للأمور والأشياء. ويشعر النرجسيون بحساسية مفرطة إزاء تعرضهم للتجاهل أو الإهمال ولو بالحد الأدنى.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».