لجنة أممية تجدد تحذيراتها من التطهير العرقي في جنوب السودان

جنرال منشق عن الجيش الحكومي يشكل حركة للإطاحة بالرئيس سلفا كير

لجنة أممية تجدد تحذيراتها من التطهير العرقي في جنوب السودان
TT

لجنة أممية تجدد تحذيراتها من التطهير العرقي في جنوب السودان

لجنة أممية تجدد تحذيراتها من التطهير العرقي في جنوب السودان

دعت لجنة الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في جنوب السودان إلى إجراء تحقيق دولي مستقل حول الجرائم التي ارتُكِبت في أحدث دولة في العالم، التي تشهد حرباً أهلية منذ ثلاث سنوات، وجددت تحذيراتها من التطهير العرقي، في وقت أعلن فيه توماس سيرليو سواكا، الجنرال المنشق عن الجيش الشعبي الحكومي، تشكيله حركة جديدة تحت اسم جبهة الخلاص الوطني لمقاومة الحكومة، مشدداً على ضرورة مغادرة الرئيس سلفا كير ميارديت كرسي الحكم حتى تعود البلاد إلى طبيعتها.
وقالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، المكونة من ثلاثة خبراء، في تقرير ستقدمه، الأسبوع المقبل، في جنيف، إن القوات الحكومية وأطراف النزاع الأخرى يستهدفون المدنيين عمداً، وعلى أساس هويتهم الإثنية من خلال أعمال القتل والاغتصاب والخطف، وإحراق القرى، وعبرت عن إدانتها للانتهاكات والتجاوزات المتزايدة لحقوق الإنسان.
وجدد الخبراء تحذيراتهم من التطهير العرقي، ودعوا في تقريرهم الأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي مستقل حول جرائم العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، كما طالبوا الاتحاد الأفريقي بالمساهمة في إنشاء محكمة خاصة في جنوب السودان، وفق نص اتفاقية السلام لعام 2015، وأن تصبح علانية خلال 6 إلى 9 أشهر، وجاء في التقرير أنه «إذا لم نحارب الإفلات من العقاب، ولم تتم محاسبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، فإن استمرار جنوب السودان كدولة جديدة ستتضرر إن لم يكن ذلك حادث أصلاً».
إلى ذلك، أعلن الجنرال المنشق عن جيش جنوب السودان توماس سيرليو سواكا، الذي كان يشغل قبل استقالته منصب نائب رئيس الأركان للخدمات اللوجيستية، عن تشكيله حركة معارضة مسلحة جديدة باسم «جبهة الخلاص الوطني» للإطاحة بالرئيس سلفا كير ميارديت من السلطة، متهماً قيادة جيش بلاده بإدارة القوات المسلحة على أسس عرقية، وقال إن جبهة الخلاص الوطني على قناعة تامة بأنه يجب على الرئيس سلفا كير مغادرة منصبه حتى تعود الحياة في البلاد إلى طبيعتها، وحتى لا يستمر إراقة الدماء، مشدداً على أن حركته سوف تستخدم جميع الوسائل لاستعادة القانون والنظام وضمان احترام حقوق الإنسان في البلاد.
وأضاف سواكا أن جبهة الخلاص الوطني ستدافع بقوة عن التعايش الوطني، وسيادة حكم القانون، وتحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة، مشيراً إلى أن الجبهة قومية لجميع أبناء جنوب السودان، وأن حركته ستستجيب لدعوة توحيد المقاومة ضد حكومة سلفا كير عبر استخدام الوسائل المتاحة والممكنة، وقال بهذا الخصوص إن «نظام (جوبا) خلق طبقة أنانية تضمن له استمرار وجوده بغرض تكديس الثروة بطرق غير مشروعة له ولعائلات الدائرة الصغيرة حوله».
من جانبه، قال أندريا ماج مدير مركز «كوش» للإعلام في تصريحات إن على المعارضة المسلحة بزعامة رياك مشار والمعارضة الأخرى التي يقودها باقان أموم ولام اكول الانضمام إلى عملية الحوار وإنجاحه، مناشداً اللجنة التي تقود الحوار التحرك والاتصال بقادة المعارضة، مشدداً على أن «الحوار الوطني هو المخرج الوحيد للبلاد من وهدتها ولحقن الدماء ونبذ العنف»، وعدّ التحدي الرئيسي أمام لجنة الحوار هو توفير الإرادة السياسية لجميع الأطراف، من أجل تحقيق السلام والمصالحة الوطنية في البلاد، داعياً إلى تشكيل آلية تعمل على الاتصال بقادة المعارضة في الخارج، وقال إن الحوار يتم بين الخصوم وليس مع الأصدقاء، ولا يمكن للحكومة أن تجري حواراً مع نفسها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟