وثائق كلينتون الرئاسية الحلقة الأولى: إدارة كلينتون انشغلت بدور إيران في دعم الإرهاب.. ودرست توجيه ضربات عسكرية لها

مجلس الأمن القومي الأميركي حاول منذ منتصف التسعينات رسم سياسة كاملة لتعريف الإرهاب والتعامل معه

الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون يبعث بأول رسالة إلكترونية من البيت الأبيض في 7 نوفمبر عام 1998 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون يبعث بأول رسالة إلكترونية من البيت الأبيض في 7 نوفمبر عام 1998 (أ.ف.ب)
TT

وثائق كلينتون الرئاسية الحلقة الأولى: إدارة كلينتون انشغلت بدور إيران في دعم الإرهاب.. ودرست توجيه ضربات عسكرية لها

الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون يبعث بأول رسالة إلكترونية من البيت الأبيض في 7 نوفمبر عام 1998 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون يبعث بأول رسالة إلكترونية من البيت الأبيض في 7 نوفمبر عام 1998 (أ.ف.ب)

صحيفة «الشرق الأوسط» هي التي «تضع جدول أعمال النقاش الفكري» في العالم العربي.. هكذا وصفها ديفيد غود، مستشار وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، في مذكرة من «وكالة المعلومات»، التي حُلَّت لاحقا، إلى المسؤول في «مجلس الأمن القومي» جوزيف مارتي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1998. في المذكرة، يحث غود مارتي على الموافقة على إجراء مقابلة هاتفية بين أسرة «الشرق الأوسط» وبروس ريدل، المساعد الخاص للرئيس الأسبق بيل كلينتون لشؤون الشرق الأدنى، عادّا أن من شأن مقابلة كهذه أن تصل إلى أنحاء العالم العربي، الذي كانت الولايات المتحدة تسعى للحصول على دعمه من أجل «سياسة ناجحة في العراق»، على حد تعبير غود.
هذه المذكرة هي واحدة من 75 تعود إلى أيام رئاسة كلينتون (1992 - 2000)، الذي قامت المكتبة التي تحمل اسمه وتحوي أرشيفه، برفع السرية عنها على دفعات خلال الأسابيع الماضية. ومع أن القانون الأميركي ينص على ضرورة كشف الوثائق الحكومية بعد عشر سنوات من إبقائها طي الكتمان، فقد أبقى كلينتون الحظر حتى نهاية العام الماضي، عندما كشفت مكتبته عن مجموعة واسعة من الوثائق التي قدمت للرأي العام المشاورات المغلقة والمحادثات التي رافقت دخول أميركا في حرب كوسوفو.
على أنه رغم ضرورة رفع السرية التي يمليها القانون الأميركي، فإن بعض الوكالات تتمتع بصلاحية إبقاء الحظر على وثائق محددة بموجب تسعة أسباب يشكل أي واحد منها تهديدا للأمن القومي الأميركي، مما يسمح بتمديد السرية حتى 25 عاما، وفي أحيان أخرى حتى 50 عاما، ونادرا حتى 75 عاما.
وفي الفهارس المرافقة للوثائق المفرج عنها، عناوين لوثائق بقيت سرية، أما في ذيل الفهارس، فالأسباب التي تمنع رفع السرية، وهذه تتضمن اعتبار رفع السرية قد «يكشف نصائح خصوصية بين الرئيس ومستشاريه، أو بين المستشارين بعضهم بعضا». تبرير آخر في تذييل الفهارس يعد أن رفع السرية قد يسمح «باجتراح الخصوصية الفردية» لبعض المستشارين. وفي تبرير ثالث أن رفع السرية قد يؤدي إلى كشق معلومات مالية حساسة أو أسرار تجارية.
الدفعة الأخيرة من وثائق كلينتون الرئاسية ما زالت تخفي أسرارا أكثر مما تفشي. أما الانطباع الأولي الذي يتولد عن هذه الوثائق فيرتبط بالتوقيت، واختيار الوثائق التي جرى الكشف عنها، الذي يبدو أنهما مبنيان على اعتبارات سياسية تتعلق باحتمال ترشح زوجة كلينتون ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسة عام 2016.
ففي الدفعات التي جرى الإفراج عنها خطاب أو أكثر للسيدة الأولى سابقا، وفي أحد الخطابات تعليق مفصل كتبته كلينتون بخط يدها لتعديل أحد خطاباتها، مما يظهر اطلاعها على تفاصيل الأمور وعدم استنادها إلى عمل مستشاريها فقط.
الانطباع الثاني هو أن الوثائق تظهر تطور وجهة نظر واشنطن في مفهومها للإرهاب، ففي الوثائق الرئاسية رسائل إلكترونية متبادلة بين عدد من كبار المستشارين في البيت الأبيض والعاملين في «مجلس الأمن القومي» تظهر النقاش الذي رافق وقوع الأعمال الإرهابية المتفرقة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، والتي جاءت على رأسها هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
النقاش الأميركي حول الإرهاب، الذي يجري على مستوى أعلى مسؤولين في الحكومة الأميركية، تركز في بادئ الأمر على اعتبار أن الجمهورية الإسلامية في إيران، أو مجموعات تابعة لها مثل حزب الله اللبناني، هي التي تقف خلف أعمال التفجير المتفرقة. ويظهر النقاش أن أحد الخيارات التي استعرضتها واشنطن وقتذاك كان يتضمن توجيه ضربة لأهداف داخل إيران ردا على هذه التفجيرات.
بيد أن الدفعة الأخيرة من وثائق كلينتون الرئاسية ليست مكتملة، فكثير من الوثائق تظهر عناوينها فقط، ولكنها تبقى طي الكتمان والسرية. على سبيل المثال، تظهر إحدى الصفحات حجب خمس وثائق تحمل الأولى منها عنوان: «تحديث حول تحطم الطائرة في بنما»، ويعود تاريخها إلى 25 يوليو (تموز) 1994. أما الثانية، فتحمل عنوان: «حزب الله»، ويعود تاريخها إلى 27 من الشهر نفسه. وفي 19 أغسطس (آب) من العام نفسه، مذكرة ثالثة بعنوان: «حزب الله»، تليها مذكرة رابعة بعنوان: «تحديث حول التحقيقات» بتاريخ 28 فبراير (شباط) 1995. أما المذكرة الخامسة، وهي غير مؤرخة، فتحمل عنوان: «الإرهاب». ولأن هذه المذكرات محجوبة، فإنه لا يمكن الاطلاع على مضمونها، ولكن يسمح تسلسلها التاريخي ببعض التكهنات.
«تحطم الطائرة في بنما» هو من دون شك نقاش داخل «مجلس الأمن القومي» الأميركي حول الانفجار الذي وقع على متن الرحلة «901» التي كانت تقل 18 راكبا، 12 منهم من اليهود، في رحلة داخلية في بنما من مدينة كولون إلى مدينة بنما العاصمة. ومع أن الرحلة تستغرق 20 دقيقة عادة، لم تلبث الطائرة أن انفجرت في الجو، ما أودى بحياة جميع ركابها وأفراد طاقمها الثلاثة. ومع أن تنظيما غير معروف يحمل اسم «أنصار الله» أعلن مسؤوليته، ودارت تكهنات بأن متهما انتحاريا يحمل اسما عربيا كان على متن الرحلة، إلا أن التحقيقات لم تتمكن من تثبيت الرواية المذكورة.
لكن داخل أروقة البيت الأبيض، يبدو أن أصابع الاتهام اتجهت إلى حزب الله، خصوصا أن الحادثة وقعت بعد يوم واحد من التفجير الذي طال مقر «جمعية التضامن الإسرائيلية الأرجنتينية» في بيونس آيرس، الذي راح ضحيته 85 شخصا. ومع أن التحقيقات الأميركية لم تكن حينذاك قد توصلت إلى ربط الفاعل في أي من الحادثتين بحزب الله، إلا أن تفجيرا مشابها كان وقع في مارس (آذار) 1992 مستهدفا السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين وراح ضحيته 29 شخصا، تبنته مجموعة «الجهاد الإسلامي»، وهي مجموعة تعتقد «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية (سي آي أي)، على وجه التأكيد، أنها ترتبط بحزب الله والنظام الإيراني.
وفي الوقت الراهن، لم يعلن ما الذي توصلت إليه التحقيقات الأميركية أو الانطباعات حول تحطم الطائرة البنمية، وربما يجب الانتظار 11 عاما أخرى حتى تصبح هذه النقاشات في المتناول العام. لكن ما كشف عنه هو أن كبار مسؤولي إدارة كلينتون كانوا يرجحون وجود صلة بين الأعمال الإرهابية، مثل انفجاري بنما وبيونس آيريس، وحتى «تفجير الخبر» في السعودية بعد ذلك بعام، وحزب الله وإيران، وهو ما حاول المسؤولون الأميركيون التعامل معه واستنباط السياسات الملائمة لمواجهته.
ولكن فيما راح مسؤولو إدارة كلينتون يتباحثون حول مفهوم الإرهاب، وتأثيره سياسيا، وكيفية تحديد من يقوم به وإمكانية الرد عليهم، قامت واشنطن بسلسلة من الإجراءات لحماية مطاراتها وخطوط طيرانها. طبعا أظهرت هجمات «11 سبتمبر» فيما بعد عدم نجاعة الإجراءات الأميركية، التي قدمها وزير النقل فيديركو بينيا في مؤتمر صحافي في صيف عام 1995. قبل إطلالته الإعلامية، أرسل الوزير مذكرة إلى رئيس موظفي البيت الأبيض ليون بانيتا، الذي عينه فيما بعد الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما في منصبي مدير «سي آي إيه» ولاحقا وزير دفاع.
وجاء في مذكرة بانيا: «وزارة النقل - مكتب الوزير - 8 أغسطس 1995، مذكرة إلى رئيس موظفي البيت الأبيض... بناء على معلومات من قوى حفظ النظام ووكالات الاستخبارات في اجتماع 3 أغسطس 1995، أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية توجيهات أمنية في 4 أغسطس أمرت بموجبها بزيادة أمن المطارات وشركات الطيران بدءا من الساعة 11 صباحا يوم 10 أغسطس 1995». وأضاف بانيا: «أنا اقترح عقد مؤتمر صحافي غدا بعد الظهر في واشنطن لتقديم النصح للمسافرين من العامة حول زيادة الأمن في مطارات الولايات المتحدة وللطلب من العامة التعاون. سأقول إن الطيران آمن. وسأعلن أن وزارة النقل تطلب من وسائل النقل الأخرى، التي لا سلطة لوزارتي على شؤونها، أن تراجع إجراءاتها الأمنية الخاصة بها».
وتابع الوزير الأميركي: «وفيما سأقول إنه لا يوجد تهديد محدد للطيران المدني، سأقول إن تقييمي مبني على قوى الأمن ومعلومات استخباراتية لا يمكن الحديث عنها. تركيز الإعلام سيكون حول سؤال: لماذا؟ مما سيدفعني إلى إرشادهم للاتصال بالبيت الأبيض ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لمتابعة هذه الزاوية».
ويختم بانيا مذكرته بالقول إن «إطار الإعلان مهم»، وإن «عمل وزارة النقل هو جزء من مجهود الإدارة لمراجعة وزيادة الأمن على صعيد الحكومة، بناء على (المرسوم الاشتراعي) (بي دي دي 39)، ومذكرة السياسة الأميركية لمكافحة الإرهاب، التي وقعها الرئيس في 21 يونيو (حزيران) 1995».
وفيما انهمكت واشنطن في اتخاذ إجراءات كانت تعتقد أنها ستعزز أمنها، استمرت الهجمات الإرهابية ضد مصالحها حول العالم.
إحدى وثائق كلينتون الرئاسية المثيرة للاهتمام حملت عنوان: «تفجير الخبر»، وهو هجوم وقع شرق السعودية في 25 يونيو 1996 استهدفت خلاله شاحنة محملة بالمتفجرات مبنى من ثمانية طوابق كان مسكنا لمجموعة من الطيارين الحربيين الأميركيين، مما أدى إلى مقتل 19 منهم.
وفي يوليو (تموز) 1996، كتب ويل ويشسلر الذي كان يعمل في «مجلس الأمن القومي» إلى مسؤوله ديك كلارك مذكرة مفصلة حملت عنوان: «التأثيرات السياسية لتفجير ثالث». ويشسلر، الذي انتقل لاحقا إلى العمل في وزارة الدفاع مسؤولا عن الوحدات الخاصة لمكافحة الإرهاب، وهو منصب ما زال يشغله حتى اليوم، كان يخشى وقوع «تفجير ثالث»، بعد تفجير الخبر وتفجير سابق له في الرياض في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 راح ضحيته ستة؛ منهم خمسة أميركيين يعملون في التدريب العسكري.
«الإرهاب سلاح نفسي».. كتب ويشسلر، و«من غير المرجح أن يثنينا الإرهاب ضد القوات المسلحة للولايات المتحدة في السعودية عن إتمام مهمتنا العسكرية في المنطقة». وأضاف: «لكن، في مرحلة ما، يمكن أن تصبح الخسائر من سلسلة هجمات إرهابية غير مقبولة سياسيا. وبحسب الظروف، يمكن لتفجير ثالث في السعودية أن يبلغ هذه العتبة السياسية».
وكان ويشسلر يعتقد أنه «بعد حصول تفجير جديد، إن كنا لا نزال غير قادرين على تحديد الفاعل أو الأمر برد فعل، فمن شأن الضغط السياسي على الرئيس أن يتصاعد بحدة من أجل القيام بخطوات حاسمة». هذه الخطوات، حددها المسؤول الأميركي بـ: «إما الانسحاب من العربية السعودية كما فعل (الرئيس الراحل رونالد) ريغان في لبنان، أو القيام بعمل عسكري غير مدروس كما فعل (الرئيس السابق جيمي) كارتر في إيران».
استنتج ويشسلر أنه على الرئيس مواجهة أي ضغط سياسي في مراحله الأولى؛ إذ إن أي رد فعل لتفجير ثالث سيظهر كلينتون «في مظهر من يرغي بالكلام»، وسيجبره على «اتخاذ قرار حول ما يجب أن تكون عليه الإجراءات الدفاعية أولا مثل تعزيز الأمن، وإرسال معدات مضادة للإرهاب، واستمرار التحقيقات.. ثم الرضوخ للضغوط السياسية لفعل شي ما».
ومن شأن الضغوط السياسية على كلينتون، حسب المسؤول الأميركي، أن تدفع الرئيس «ليفعل في الغالب ما هو أسوأ، (أي أن) يرسل سفنا حربية إلى الخليج من دون مهمة محددة، أو يضرب إرهابيين مشتبها بهم والمخاطرة بوقوع ضحايا مدنيين، أو القيام بأفعال سابقة لوقتها ضد إيران أو سوريا». لذلك، يعتقد ويشسلر، أنه «منذ بداية الأزمة، على الرئيس أن يرفض الخيارين، وأن يؤكد على التزامه برد موزون ومتناسق».
والرد «الموزون والمتناسق» لن يأتي، حسب المسؤول الأميركي، من دون «تكلفة سياسية»، ولكن كذلك «البدائل» ستكون مكلفة أيضا. «المفتاح يكمن في إبعاد عملية اتخاذ الرئيس للقرار عن تطورات الساعة، وربطها بمواجهة الموضوع في أول مرحلة ممكنة من الأزمة، ثم ضمان أن قراره يجري فهمه جيدا».
هكذا، تظهر مذكرة ويشسلر أن العاملين في البيت الأبيض حاولوا، منذ منتصف التسعينات، التوصل إلى سياسة «موزونة ومتناسقة» للرد على الاعتداءات الإرهابية ضد الولايات المتحدة أو سفاراتها أو قواتها المنتشرة حول العالم. وحاول المسؤولون الأميركيون في ذلك الابتعاد عما كانوا، وربما ما زالوا حتى اليوم، يعدونها ردود فعل وليدة ساعتها، مثل توجيه ضربة عشوائية للدول التي ترعى حكوماتها هذه الهجمات، التي كانت في التسعينات، كما اليوم في الغالب، في إيران وسوريا. كذلك، حاول المسؤولون الأميركيون، كما تظهر نقاشاتهم في ذلك الوقت، وما زالوا يحاولون اليوم، الابتعاد عن ردود فعل «استعراض العضلات»، أي إرسال سفنهم الحربية المخيفة إلى خليج هنا أو بحر هناك من دون مهمة حربية محددة.
وفي محاولة لتعريف الإرهاب والإرهابيين، وتحديد أهدافهم وكيفية التعامل معهم، كتب المسؤول في «مجلس الأمن القومي» في حينه ستيفن سايمون مذكرة، في 4 سبتمبر 1996 حملت عنوان: «إفطار الإرهاب». و«الإفطار» كان عبارة عن لقاء صباحي عمل المجلس على تنظيمه لأفراده ولخبراء أميركيين مرموقين يعملون في كبرى مراكز الأبحاث في واشنطن.
في المذكرة، تحليل سياسي وتساؤلات قدمها سايمون في محاولة للحصول على إجابات أثناء الإفطار المذكور، وفيها تعداد للهجمات الإرهابية حول العالم في عامي 1995 و1996، منها هجوم الخبر، وانفجار طائرة «تي دبليو آي» في صيف عام 1996، الذي تبين في وقت لاحق أنه نجم عن خلل فني، والهجوم بغاز السارين في مترو الأنفاق بطوكيو، وتفجير استهدف مركز تدريب للجيش الأميركي في الرياض عام 1995، وقتل موظفين بالسفارة الأميركية في كاراتشي، وقتل إرساليين أميركيين في كولومبيا، ومحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا، وقتل معارض إيراني في باريس، وتفجيرات في فرنسا ولندن ومانشستر، وإحباط مخطط تفجير 12 طائرة أميركية مدنية فوق الأطلسي. وتوضح الوثيقة أن «هذه اللائحة الجزئية من الهجمات قام بها فاعلون متعددون: طائفة متطرفة (في اليابان)، وحركات سياسية متطرفة برعاية حكومات أو من دون رعاية، وأجهزة استخبارات حكومات راعية للإرهاب، وحركات انفصالية وعصابات إجرامية انشقت عن فصائل سياسية مسلحة.. وهو ما يطرح مواضيع ثلاثة»، كتب المسؤول الأميركي.
الأسئلة الثلاثة حددها سايمون على الشكل التالي: «(الأول): ما الذي يمكن فعله لهزيمة أو ردع هجمات يشنها إرهابيون لا يحركهم برنامج سياسي بل الغضب؟ (الثاني): هل يفوز المهاجمون لأن الأسلحة المتاحة لهم صارت أكثر فتكا، خصوصا لناحية مقدرتهم على إيقاع أعداد كبيرة من الضحايا؟ وإلى جانب الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي تتبادر فورا إلى الذهن، يمكن لكيماويات ذات طاقات مرتفعة، حتى من غير سماد الحيوانات، إلحاق أضرار فادحة. (الثالث): هل نحن نسير باتجاه حقبة يكون فيها الإرهاب تهديدا استراتيجيا بدلا من تكتيكي؟ على الرغم من أننا لم نعطِ في الماضي الإرهاب أهمية استراتيجية، تظهر هجمات حماس في إسرائيل أنه كانت لديها تأثير استراتيجي. وعلى افتراض أن الولايات المتحدة واجهتها سلسلة من القنابل المدمرة في السعودية، هل يمكن للتأثير أن يكون ذا مدى استراتيجي؟».
أسئلة أخرى قدمها سايمون، كانت: «كيف نرد على مهاجمين يحركهم الغضب والحماس الديني بدلا من الأجندة أو العقيدة السياسية؟ (و) ما خياراتنا في التعامل مع الدول الفاشلة، مثل أفغانستان، التي تقدم مأوى لهذه المجموعات؟ (و) هل لهذه المجموعات دورة حياتية يمكننا بعدها أن نتوقع ضمورها، أم إنهم هنا للبقاء؟».
ويختم سايمون: «هل يمكن أن يعرضنا للخطر حصول المجموعات الإرهابية على أسلحة دمار شامل، بما في ذلك قنابل تقليدية ضخمة؟ وما الذي يمكن فعله لمواجهة ذلك؟ (و) هل يحول مزيج النهيلية الإرهابية والتقدم التكنولوجي الخطر من تكتيكي إلى استراتيجي؟».
حاول «مجلس الأمن القومي» الأميركي في عهد كلينتون، على الأقل منذ منتصف التسعينات، رسم سياسة كاملة لتعريف الإرهاب وفهمه والتعامل معه، أكان برعاية حكومات مثل إيران وسوريا، أو من دون رعاية حكومية. كذلك، حيرت الدول الفاشلة، مثل أفغانستان التي كانت تؤوي تنظيمي «طالبان» و«القاعدة»، مسؤولين كبارا مثل سايمون، ولا شك أن هذه الحيرة ساهمت، بعد هجمات 11 سبتمبر، في القرار الأميركي لا باجتياح أفغانستان فحسب، بل البقاء فيها ومحاولة «بناء الدولة»، وهو مجهود ثبت فشله بعد أكثر من عقد على الوجود الأميركي هناك.
ولا شك أن فشل محاولات «بناء الدولة» في العراق وفي أفغانستان ساهم في إقناع المسؤولين الأميركيين أنفسهم، وفيما بعد أوباما، بأنها محاولات غير ذات جدوى، وأن الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الدول هو الانسحاب منها ومحاولة تحييدها أمنيا عن طريق مراقبتها عن كثب، وربما الشراكة مع حكوماتها أو تجاوز هذه الحكومات باستخدام تقنيات أميركية، مثل طائرات من دون طيار أو قوات خاصة لتصفية من تسعى أميركا للنيل منهم. ومن المفيد أيضا، بالإضافة إلى استعراض النقاش الذي كان دائرا في العاصمة الأميركية حول الإرهاب في منتصف التسعينات، الالتفات للأشخاص الواردة أسماؤهم على لائحة النقاش الإلكتروني.
سايمون نفسه خرج من العمل الحكومي وانضم إلى مركز أبحاث «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، ومقره لندن. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما تحدث وزير الدفاع تشاك هيغل عن التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج، على الرغم من المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران، جاءت تصريحاته في لقاء الحوار السنوي الذي ينظمه المركز في البحرين، وكانت إطلالة هيغل في الغالب بإشراف سايمون نفسه.
أما الآخرون ممن وردت أسماؤهم فهم أنتوني بلينكن، ودان بنجامين، وستيف نابلان، وريتشارد كلارك.
بلينكن خرج من «مجلس الأمن القومي» لإدارة كلينتون الديمقراطي إلى عالم مراكز الأبحاث خلال فترة رئاسة جورج بوش الجمهوري، وأثناء عمله باحثا، قدم أبحاثا مشتركة في السياسة الخارجية مع باحثتين هما سوزان رايس وسامانتا باور. وفي وقت لاحق، انضم الثلاثة بلينكن ورايس وباور إلى حملة أوباما الرئاسية، ولعبوا دورا محوريا في صناعة برنامج السياسة الخارجية لأوباما المرشح وفيما بعد الرئيس.
وكان من المقرر أن تتبوأ رايس منصب وزيرة خارجية، وباور منصب موفدة بلادها الدائمة لدى الأمم المتحدة، وبلينكن مركز «رئيس مجلس الأمن القومي». إلا أن تصريحات قالت فيها باور إنها لا تعتقد أن أوباما، في حال انتخابه، سيقدم على سحب القوات الأميركية في غضون ستة أشهر من العراق، وإنه سيستمع إلى نصيحة جنرالاته على الأرض، وهو قول كان ينافي تشديد أوباما على حتمية وسرعة الانسحاب من العراق، أجبرها على الخروج من الأضواء وبقائها في منصب عضو في «مجلس الأمن القومي» لأوباما في إدارته الأولى، حيث يظهر كتاب مذكرات وزير الدفاع السابق روبرت غيتس أنها كانت تملك نفوذا كبيرا على الرغم من تواضع منصبها، خصوصا في الأيام التي رافقت دخول أميركا في حرب ليبيا.
أما منصب وزارة الخارجية، فاضطر أوباما لمنحه لمنافسته هيلاري كلينتون مقابل انسحابها لمصلحته مرشحا للحزب لديمقراطي، مما أجبره على منح رايس منصب سفيرة لدى الأمم المتحدة وتعيين بلينكن مستشارا لشؤون الأمن القومي، ولكن لنائب الرئيس جو بايدن، مما عنى فعليا تسليم بلينكن الملف العراقي بأكمله.
في الولاية لثانية، وبعد خروج هيلاري كلينتون من الخارجية، حاول أوباما الوفاء بوعده وتعيين رايس مكانها، إلا أن الجمهوريين نسفوا ترشيحها على خلفية تصريحاتها بعد هجوم بنغازي الذي أدى إلى مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا كريس ستيفنز في 11 سبتمبر 2012. وكتعويض، أعطى أوباما رايس رئاسة «الأمن القومي»، وبلينكن موقع نائبها، فيما حصلت باور على مقعد الأمم المتحدة.
مسؤولون آخرون من إدارة كلينتون ممن وردت أسماؤهم في الوثائق المرفوعة عنها السرية حديثا، والدور الذي لعبوه في إدارتي الرئيسين بوش وأوباما، والنصائح التي قدمها كلينتون لبوش في خطابه الوداعي، والعلاقة التي حاول كلينتون إقامتها مع المسلمين، خصوصا من الأميركيين.. كل هذا في الحلقة الثانية من سلسلة «وثائق كلينتون الرئاسية» غدا.
 

وثائق كلينتون تكشف الخوف من «إرهاب الطائرات» منذ 1995

شركات الطيران حذرت من تأثير التحذيرات على أرباحها

من بين الوثائق التي رفعت السرية عنها من وثائق الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الشهر الماضي، وثائق تشرح المخاوف من هجمات إرهابية تتعلق بالطيران. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1995، أي ستة أعوام قبل تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، تقدمت الإدارة الأميركية بخطة متكاملة خاصة بالطيران، ولكن كانت تفاصيل الخطة من بين الوثائق التي لم ترفع السرية عنها.
وأقرت إدارة كلينتون إجراءات جديدة في المطارات الأميركية وعلى متن الطائرات في الأجواء الأميركية ابتداء من 10 أغسطس (آب) 1995. وفي رسالة بتاريخ الثامن من أغسطس، وقعها فيدريكو فابيان بينا، الذي شغل منصب وزير النقل الأميركي بين عامي 1993 و1997 خلال الولاية الأولى لكلينتون، اقترح بينا عقد مؤتمر صحافي لشرح تداعيات الإجراءات الجديدة على المسافرين مع التأكيد بأنه «لا خطر من الطيران». وأضاف بينا في الرسالة الموجهة إلى مستشار الأمن القومي الأميركي أنتوني ليك أنه في حال عقد مؤتمر صحافي «سأقر بعدم وجود تهديد محدد للطيران المدني بينما سأقول إن المعلومات الاستخباراتية التي لا يمكنني الحديث عنها تؤكد ضرورة تصرفاتنا». ولفت بينا إلى أن الإجراءات الجديدة ضرورية ضمن «سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب التي وقعها الرئيس في يونيو (حزيران) 1995» التي وجهت جميع الدوائر الحكومية للنظر في الوضع الأمني واتخاذ إجراءات محددة لضمان «أمن الشعب الأميركي»، ولكن نبه بينا إلى أن «صناعة الطيران عبرت عن قلقها من التأثير على صناعتهم في حال أصبح الطيران المدني نقطة الاهتمام الوحيدة للإجراءات الأمنية الجديدة»، مما جعله يطلب من البيت الأبيض «الإعلان بأن الإجراءات التي تتخذها وزارة النقل ضمن جهود الحكومة كلها للرد على زيادة احتمال الإرهاب المعادي للولايات المتحدة».
وبينما قررت الحكومة الأميركية حجب المزيد من الوثائق المتعلقة بإجراءات الإرهاب، ولكن بقيت ورقة واحدة من وثيقة جرى حجبها حول مكافحة الإرهاب. وفي تلك الورقة، نص مكتوب بخط اليد يقول إنه من الضروري «إرسال مسلم» للحديث عن جهود مكافحة الإرهاب «كي تكون الجهود مكرسة للقضية الحقيقية، (الإرهاب) بدلا من التصور (الخاطئ) بأنها مسألة دين». وأضاف المسؤول الذي لم يوقع اسمه: «إنني أقترح الطلب من وزارة الخارجية (الأميركية) البحث عن مسلم معروف يمكنه التواصل بشكل مباشر وغير مباشر مع الحكومة الأميركية» لمواجهة آفة الإرهاب، وعدم جعل القضية متعلقة فقط بشأن الدين الإسلامي. وكانت هذه المناقشات الداخلية الأميركية آنذاك للتعامل مباشرة مع مسلمين ضمن مكافحة الإرهاب.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.