ألعاب الفيديو المقبلة... مدن فقيرة وحياة من دون أفق

تنهل من واقع ملايين العمال التعساء في العالم

ألعاب الفيديو المقبلة... مدن فقيرة وحياة من دون أفق
TT

ألعاب الفيديو المقبلة... مدن فقيرة وحياة من دون أفق

ألعاب الفيديو المقبلة... مدن فقيرة وحياة من دون أفق

في لعبة الفيديو المقبلة التي تحمل اسم «ليلة في الغابة Night in the Woods»، تقرر شابة صغيرة تدعى ماي، ترك دراستها الجامعية والعودة إلى بلدتها السابقة التي توجد فيها المناجم والتي نشأت فيها. لكن المحزن هو أن فرص العيش الكريم شحيحة في تلك البلدة، ولذا فغالبية سكانها يكافحون لتغطية نفقات معيشتهم.
* حياة تعيسة
سلوك ماي الشابة أشبه بسلوك القطط، فأحيانًا تسرق المعروضات من المحال التجارية، وتحب أن تكسر الأشياء في مرآب السيارات بمضرب كرة البيسبول، وعندما تتسكع في مدينة بوسوم سبيرنغز الخيالية، لا يجد اللاعبون أنفسهم في مواجهة ذكرياتها فحسب، بل يشعرون أيضًا أنهم في مكان باتت فيه الأيام الجميلة مجرد ذكرى.
وبيثاني هوكنبري، أحد ثلاثة مصممين مستقلين لألعاب الفيديو شاركوا في تصميم لعبة «ليلة في الغابة» التي طرحت في الأسواق في 21 فبراير (شباط) الحالي للعرض على أجهزة الكومبيوتر الشخصي وأجهزة بلاي ستيشن 4 بالتعاون مع زميليه سكوت بينسون وأليك هولوكا الذين استندوا جميعًا إلى خبراتهم التي عاشوها ببلدتهم عند تصميمهم لتلك اللعبة. وهو يقول: «نشأت بوسط بنسيلفانيا، وسكان بلدتي كانوا يعملون في المناجم».
وتعد لعبة «ليلة في الغابة» إحدى ألعاب الفيديو الكثيرة التي ظهرت خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي تتناول تراجع حال مدن الطبقة العاملة، وتصف فيه الاختناق الذي يعانيه الناس بسبب تراكم الديون وتراجع الاقتصاد. وفي تلك الألعاب، يستكشف اللاعبون إحساس المرور بمثل تلك المواقف من خلال تقمص الأدوار وسرد القصص، على عكس الألعاب التي تعتمد على إطلاق النار والقتل والتنافس للفوز بالألقاب الرياضية التي تسيطر على صناعة ألعاب الفيديو غيم.
استلهمت لعبة «ليلة في الغابة» فكرتها من لعبة مغامرات «كنتكي روت زيرو» التي طرحت في السوق للعمل على الكومبيوتر الشخصي على حلقات، التي صممتها دار صناعة الأفلام المستقلة «كاردبورد كومبيوتر». وظهرت تلك اللعبة عام 2012 وأنتجت آخر حلقاتها العام الماضي وتتناول شخصية رجل طاعن في السن يدعى كونواي يعمل في توصل المنتجات للمنازل يسير في الشوارع الخلفية لمدينة كنتكي، بحثًا عن طريق سري طويل من المفترض أن يؤدي به في النهاية إلى مقصده حيث يرغب في تسليم البضاعة.
* الفقر والضنك
العام الماضي، ظهرت لعبه تحمل اسم «يوميات بواب مطار فضائي Diaries of a Spaceport Janitor» وتناولت الحياة اليومية لجامع قمامة يعيش بالكاد على ما يسد الرمق من عمله في مجتمع غريب. وظهرت لعبة «كارت لايف Cart Life»، أو «حياة العربة»، عام 2011 لتلقي نظرة ثاقبة على خط الفقر بمحاكاتها لحياة بائع متجول يبيع الطعام مستخدمًا عربة يد وتتناول حياة الضنك التي يعيشها.
ليس الهدف من هذه الألعاب أن يجعل اللاعبين يشعرون بالنجاح والقوة كما يحدث في الألعاب التقليدية، لكنها تثير في اللاعبين روح التحدي برؤية العالم بصورة مختلفة. وأفاد مصممو تلك الألعاب أنهم أكثر اهتمامًا بإظهار الحياة المعقدة للناس والأماكن التي تجاهلها العالم وأيضًا الوضع الاقتصادي الذي يغلف تلك القصص.
ويقول بينسون، أحد مصممي لعبة «ليلة في الغابة»: «نسعى لعمل قصص وحكايات عن الأماكن التي أتينا منها وعن الناس الذين نعرفهم، وهذا يتضمن تناول الوضع الاقتصادي لتلك المناطق»، مضيفًا: «إن لم تفعل ذلك، فلن ترتسم أمامك الصورة الكاملة».
لاقت بعض هذه الألعاب إطراء النقاد، حيث فازت لعبة «كنتكي روت زيرو» بجائزة أفضل لعبة روائية في «مؤتمر مصممي ألعاب الكومبيوتر» العام الماضي، فيما حصلت لعبة «كارت لايف» على الجائزة الكبرى لـ«مهرجان الألعاب المستقل» عام 2013. لكن مبيعات هذه الألعاب لا تقترب من أرقام الأفلام الرائجة، ومع ذلك فإن أرقام مبيعاتها تقدر بمئات الآلاف من النسخ، فمثلا بيعت نحو 250 ألف نسخة من لعبة «كنتكي روت زيرو».
وكان جيك إليوت وتيمس كيمنكريزي، مصمما «كنتكي روت زيرو» قد بدآ في تصميم اللعبة عام 2010 عندما كانت الولايات المتحدة تحاول التعافي من الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم عام 2008 وما صاحبها من أزمة فقاعة الرهن العقاري. وقال إليوت إن إحساس الهشاشة والضعف الذي ظهر في تلك الفترة وكذلك انتشار مصطلحات جديدة مثل «بنوك الظل» شكلت عوامل لاستلهام فكرة تلك اللعبة.
* واقع مأزوم
وأضاف إليوت، «عندما بدأنا العمل في هذه اللعبة، كنت أفكر في استكشاف الغموض الذي يكتنف هذه العلاقة؛ أن تكون شخصا في وسط أزمة مالية خطيرة وتحاول أن تتصارع مع هذه القوى التي تبدوا خارقة».
في لعبة «كنتكي روت زيرو» خلط المصممان سحر الواقع مع الصعوبات المالية اليومية التي يواجهها الناس. فاللاعبون لا يجدون أنفسهم أمام منازل مرهونة ومناجم مهجورة فحسب، بل أيضًا أمام نسور، ومتخصصين في الحسابات، وقاطرات يجرها حيوان ماموث ميكانيكي.
يمر بطل اللعبة كونواي بكثير من المواقع الصعبة الناتجة عن العوز المالي، ففي أحد المشاهد مثلاً، وبعدما يتعرض كونواي لإصابة خطيرة، يستعيض بقدم صناعية بدلاً من ساقه المبتورة، وينمو إلى علمه بطريقة ما أنه مدين بمبلغ من المال لأحد المؤسسات. وفي مشهد آخر، يهبط تحت الأرض حيث معمل لتقطير الويسكي مليء بالهياكل العظمية المتحركة، وهو المكان الذي علم أنه نهاية كل من فشل في سداد دينه.

* خدمة «نيويرك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».