ثلاثة عناوين على أجندة زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى لبنان

الاهتمام بالجيش ينطلق من كونه جزءاً من قوى محاربة الإرهاب

ثلاثة عناوين على أجندة زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى لبنان
TT

ثلاثة عناوين على أجندة زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى لبنان

ثلاثة عناوين على أجندة زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى لبنان

تعكس زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى بيروت اهتماماً أساسياً بتعزيز قدرات الجيش اللبناني عبر برامج تدريبية وتقديم مساعدات عسكرية، والحفاظ على الاستقرار، لكن توقيت تلك الزيارات، يؤشر إلى طرح ملفين آخرين يكادان يوازيان «تمكين الجيش» أهمية؛ وهما ملف اللاجئين السوريين في لبنان، والتطورات السياسية المرتبطة بتصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون عن سلاح «حزب الله»، والخرق الإسرائيلي للقرار 1701.
واللافت من المداولات، أن المسؤولين الأوروبيين «تحولوا إلى مستمعين لإيضاحات ومطالب المسؤولين اللبنانيين حول ملفات أساسية»، بحسب ما قالت مصادر مطلعة على اللقاءات لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أن أهم تلك الملفات «تتمثل في الأعباء المترتبة على استضافة اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان، ومخاوف لبنان من خطر الإرهاب على حدوده الشرقية، والترهيب الإسرائيلي للبنان»، في إشارة إلى التهديدات بشن حرب إسرائيلية على لبنان.
واستهل وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان زيارته الرسمية إلى بيروت أمس بلقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري في بعبدا. وشكر عون وزير الدفاع الفرنسي على «الدعم الذي تقدمه فرنسا للبنان في المجالات كافة، لا سيما في المجال العسكري»، متمنياً «استمرار هذا الدعم لتمكين الجيش من القيام بالمسؤوليات الوطنية الملقاة على عاتقه، لا سيما في مجال حفظ الأمن والاستقرار في البلاد ومكافحة الإرهاب».
في المقابل، أكد لودريان التزام بلاده «الاستمرار في تقديم المساعدات للجيش اللبناني، لا سيما تلك التي كان وعد بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته الأخيرة للبنان»، مشدداً على أن بلاده «تقف إلى جانب لبنان في المجالات كافة، وتوفر له الدعم اللازم في المحافل الإقليمية والدولية».
وبعد لقائه نظيره اللبناني يعقوب الصراف، أكد لودريان دعم فرنسا «لسلامة وسيادة لبنان»، معتبراً أن ذلك يمر بـ«احترام المؤسسات ولكن بالتوازي مع وجود جيش لبناني منظم ومتماسك».
وتأتي زيارة لودريان بعد 3 أيام على زيارة مسؤول مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دو كيرشوف، وزيارة وزيرة الدفاع الإسبانية ماريا دولوريس كوسبيدال إلى بيروت، حيث التقت مسؤولين لبنانيين، وبحثت مع وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف «سبل التعاون بين الطرفين في عمليات مكافحة الإرهاب». كما تلت زيارة لودريان، رسو السفينة البريطانية HMS OCEANN في بيروت في طريق عودتها إلى المملكة المتحدة، بهدف إحياء التزام المملكة المتحدة حيال لبنان.
وفيما أثمر رسو السفينة البريطانية، تقديم مساعدات بريطانية للجيش اللبناني، تندرج ضمن إطار «المساعدات العينية» وتبلغ قيمتها 35 مليون دولار، تكرر على لسان مسؤولين أميركيين وفرنسيين، الاستعداد لتقديم برامج التدريب للجيش اللبناني.
وأكد مصدر أمني بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن إيلاء الدول الغربية أهمية لبرامج التدريب «ينطلق من الأهداف لرفع الإمكانيات والقدرات وتعزيز الاحترافية في الجيش»، مشيراً إلى أن المساعدات العسكرية معظمها أميركية، بينما تلجأ الدول الغربية الأخرى لزيادة احترافية الجيش عبر برامج التدريب.
وقال المصدر إن الجيش «أظهر كفاءة عالية في محاربة الإرهاب في عرسال ورأس بعلبك في شرق لبنان» في المواقع الحدودية مع سوريا، حيث تنتشر منظمات متطرفة، كما أنه «أظهر كفاءة في إطار الحملة على الإرهاب في الداخل اللبناني».
ورغم أن الجيش ليس عضواً في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، فإنه يعدّ من الدول المشاركة فيه و«جزء من القوى العالمية التي تحارب الإرهاب» بحسب ما أكد المصدر، مشدداً على أن الاهتمام بالجيش اللبناني «يأتي من هذه الزاوية، واكتسب الثقة الدولية بمحاربة الإرهاب، وهو ما تُرجم في دعمه».
وأكد المصدر أن الزيارات الغربية لقيادة الجيش «لم تتناول إلا برامج التدريب والمساعدات العسكرية والحرب على الإرهاب، وتهدف إلى تعزيز قدرات الجيش لمواصلة الحرب على الإرهاب».
وإلى جانب ملف دعم الجيش اللبناني في الحرب على الإرهاب، الذي يتم التعاطي معه بجدية مطلقة، يطرح المسؤولون الأوروبيون عنوانين آخرين؛ هما القرار الدولي 1701، وملف اللاجئين السوريين في لبنان، فيما تتناول المحادثات «التغييرات الدولية على ضوء نتائج الانتخابات في دول مؤثرة في العالم، ودور لبنان الذي يمتاز بالتعددية وتوازن القوى فيه على ضوء التغييرات في العالم»، بينما «لم يُطرح ملف التباحث اللبناني حول قانون الانتخابات»، كما قالت مصادر مواكبة للزيارات الأوروبية لـ«الشرق الأوسط». وأشارت إلى أن قضايا «خطر الإرهاب، والتهديدات الإسرائيلية، إضافة إلى أهمية تمكين الجيش اللبناني، لا تغيب بتاتاً عن مباحثات المسؤولين اللبنانيين مع المسؤولين الغربيين»، لافتة إلى أن كل الأمور «تُقارب بإطار المسؤولية الوطنية، وليس هناك ما يدعو للقلق».
وقالت المصادر إن وصف الرئيس عون لسلاح «حزب الله» بأنه مكمّل للجيش اللبناني، أثناء زيارته لمصر الشهر الماضي، «أثار ضجة عالمية حول القرار 1701» الذي يدعو لإيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أي مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات «يونيفيل».
وقالت المصادر إن المسؤولين الغربيين «عبروا عن مواقفهم تجاه هذه القضية، رغم أن لهجة الاحتجاج الأوروبية تتفاوت بين الدول الأوروبية لجهة مقاربة الموضوع»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن بعض الدول الأوروبية «تتفهم الخصوصية اللبنانية». وأشارت المصادر إلى أن المسؤولين اللبنانيين، وتحديداً وزير الخارجية جبران باسيل «يؤكد بوضوح أن لبنان ليس هاوياً لحرب أو تدمير، وهو بموقع الدفاع عن النفس، ولا يخرق شيئاً من القرار 1701 بالمقارنة مع الخروقات الإسرائيلية»، مشددة على أن الموقف الواضح الذي يقوله المسؤولون اللبنانيون لمن «يريد الاستفسار عن مواقف لبنان تجاه القرار الدولي»، لافتة إلى أن لبنان «يتمتع بخصوصية يتفهمها كثيرون، وهو ما يجعله قوياً كون هذه الخصوصية توفر حماية للبلد».
وفي ملف اللاجئين السوريين، حيث يجري الحديث عن مناطق آمنة في سوريا، أو دعوات لبنانية لإعادتهم إلى بلادهم، قالت المصادر إن المسؤولين الأوروبيين «لا يقدمون تفاصيل واضحة عن هذه المساعي، بل يقدمون الشكر للبنانيين، ويقدرون وضع لبنان كونه يتحمل أكثر من طاقته»، لكن المسؤولين اللبنانيين «لا يكفون عن مطالبة الأوروبيين بإيجاد حل لأزمة اللاجئين في لبنان، كون الأزمة ليست مرتبطة بالسوريين فحسب، بل بقدرة لبنان على استضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وما يترتب على ذلك من أزمات أمنية ووجود بؤر أمنية مثل مخيم عين الحلوة (للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان)، فضلاً عن تداعيات اجتماعية مرتبطة بأطفال سوريين يولدون ولا يملكون أوراقاً ثبوتية». وقالت المصادر إن المطلب الذي يتكرر للمسؤولين الأوروبيين هو مساعدة لبنان ليبقى نموذجاً للنظام التعددي ويبقى متنفس الجميع في الشرق الأوسط.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.