صور مشاهير الفن والرياضة تزيد مراكش جاذبية

آخرهم كريستيانو رونالدو ومسعود أوزيل وسلمى حايك

الممثل الأميركي الشهير ويل سميث يزور رواق «ماتيس» بشارع جليز
الممثل الأميركي الشهير ويل سميث يزور رواق «ماتيس» بشارع جليز
TT

صور مشاهير الفن والرياضة تزيد مراكش جاذبية

الممثل الأميركي الشهير ويل سميث يزور رواق «ماتيس» بشارع جليز
الممثل الأميركي الشهير ويل سميث يزور رواق «ماتيس» بشارع جليز

لا يكاد يمر يوم دون أن تتناقل المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي صوراً توثق لمشاهير الفن والرياضة، وهم يقضون أياماً من الراحة والاستجمام في مراكش.
وتحولت العطل، التي يقضيها نجوم ومشاهير العالم في المدينة المغربية، إلى وسيلة فعالة للترويج لوجهة المدينة السياحية الأولى في المغرب، والتي تصنف بين أفضل الوجهات السياحية العالمية، وذلك من خلال صور هذه الزيارات التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال منتصر بولال، مدير الترويج والتسويق بالمركز الجهوي للسياحة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مراكش كانت دوماً مقصداً لنجوم ومشاهير العالم، غير أن الفرق، بين الأمس واليوم، يبقى في ظهور شبكات التواصل الاجتماعي التي صارت تنقل تفاصيل زيارات هؤلاء النجوم والمشاهير دقيقة بدقيقة، الشيء الذي يغري عدداً كبيراً من عشاقهم لزيارة المدينة المغربية، بشكل خاص، والمغرب، بشكل عام».
فمن جانبه نشر نجم المنتخب الألماني وفريق آرسنال الإنجليزي لكرة القدم مسعود أوزيل، قبل أسابيع قليلة، صورة له، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو يحيط عنقه بأفعى، بساحة جامع الفنا الشهيرة.
واعتاد النجم البرتغالي ولاعب فريق ريال مدريد الإسباني لكرة القدم كريستيانو رونالدو نشر صور الزيارات المتكررة التي يقوم بها، بين الفينة والأخرى، إلى مراكش. كما نشرت النجمة السينمائية العالمية سلمى حايك، على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي انستغرام، قبل أيام، عدداً من الصور التي وثقت بها لزيارتها لمراكش المغربية وضواحيها، في إطار رحلة استجمامية رفقة ابنتها فالنتينا، بينها صورة بساحة جامع الفنا، وأخرى تظهرها جالسة بين نساء تعاونية متخصصة في استخراج زيت الأركان، فضلاً عن صورة أخرى وهي تتوسط عدداً من أطفال إحدى القرى بضواحي المدينة الحمراء.
كما جاء الدور، هذه الأيام، على النجم الأميركي الشهير ويل سميث، الذي نشرت له صور تظهره منشرحاً، إلى أقصى حد، مستمتعاً بما توفره المدينة المغربية لزوارها وعشاقها من متعة زيارة واستجمام، حيث بدا مقبلاً على الطبخ المغربي، خاصة أكلة الطاجين، وذلك بفضاء «المقام» بتحناوت الذي يوجد في ملكية الفنان التشكيلي محمد مرابطي، كما ظهر مرفوقاً بالفنانين ماحي بنبين ومحمد مرابطي، وهو بصدد المشاركة في تلوين لوحة تشكيلية؛ قبل أن يزور رواق «ماتيس» بشارع جليز.
ويرى عدد من المسؤولين المحليين، على مستوى الشأن السياحي، في صور نجوم ومشاهير العالم وهم بصدد قضاء عطلهم بمراكش، وسيلة ترويجية لها مفعول قوي يساهم في جلب مزيد من السياح، نظراً للسمعة والشهرة التي يتمتع بها هؤلاء النجوم، وما تنقل له حالة الانشراح والاستمتاع، التي يكونون عليها من تأكيد على قيمة الوجهة السياحية للمدينة وجو الاستقرار الذي ينعم به البلد بشكل عام، الشيء الذي لا يمكن إلا أن يغري بزيارة المدينة الحمراء.
وقال بولال إن «زيارات النجوم والمشاهير لمراكش، في ظل ما توفره مواقع التواصل الاجتماعي من إمكانيات لنشر أخبار وصور هذه الزيارات، صارت أهم رافعة للترويج لوجهة مراكش، والمغرب، بشكل عام، من جهة أن أي نجم عالمي حين يتنقل، في زياراته السياحية، يتابعه الملايين من محبيه وعشاقه، لتصير الوجهة المقصودة مهمة ومثيرة لفضول كثيرين عبر العالم».
وزاد بولال، قائلاً إن «زيارة المشاهير، في عطلهم، للمدينة الحمراء، صار أولوية الأوليات، خاصة حين يتنقل النجم مع عائلته، حيث تصير الوجهة المقصودة مرتبطة بالعطل». ومثّل بولال، لهذا الأمر، بالزيارات المتكررة للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو لمراكش، مشيراً إلى أن «شركة الطيران البرتغالية كانت تبرمج، قبل زيارات النجم البرتغالي للمدينة الحمراء، ثلاث رحلات جوية في الأسبوع بين لشبونة ومراكش، ومباشرة بعد هذه الزيارات المتكررة، خاصة تلك التي يأتي فيها مرفوقاً بعائلته، انتقلت البرمجة إلى رحلة جوية كل يوم، لماذا؟ لأن كريستيانو رونالدو يتابعه أزيد من 400 مليون محب على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن شعبيته المرتفعة في بلاده، وبالتالي فالذي لم يسبق له أن زار مراكش سيقرر زيارتها».
وأوضح بولال أن «الانتقال من ثلاث رحلات جوية في الأسبوع إلى رحلة جوية كل يوم، بين لشبونة ومراكش، مثلاً، بعد الزيارات المتكررة للنجم البرتغالي الشهير، كان يمكن الوصول إليه عبر وسائل الترويج الكلاسيكية، سوى أن المدة الزمنية لتحقيق هذا الهدف ستكون أطول، مع ما يتطلبه ذلك من جهد ترويجي».
وشدد بولال على أن «زيارات نجوم ومشاهير العالم والصور التي توثق لزياراتهم وحجم متابعتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لها بعد أكبر من مجرد زيارة سياحية، ما دام أنها تنقل، من جهة، لمتعة الزيارة، ومن جهة ثانية، لما يحيط بالرحلة من تجول النجم في المدينة والبلد دون مشاكل، الشيء الذي يعني أن هناك أمناً واستقراراً، كما أن الصور التي يتم ترويجها لهؤلاء النجوم، تروج، في الوقت نفسه، للطبخ وفن العيش المغربي في مختلف تجلياته».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)