بانكسي يعود لبيت لحم بفندق تطل غرفه على «أسوأ منظر في العالم»

أقامه بالقرب من الجدار العازل وزين حوائطه برسومات له

واجهة فندق «والد أوف» الذي افتتحه فنان الغرافيتي بانكسي في مدينة بيت لحم أمس (أ.ب)  -  إحدى غرف الفندق (أ.ف.ب) - لوحة لبانكسي لمزهرية مغطاة بشبك حديدي تزين الحائط في فندق «والد أوف» ببيت لحم (أ.ب) - الجدار «أسوأ منظر في العالم» كما يبدو من إحدى شرفات الفندق (أ.ف.ب) - إطلالة من نافذة إحدى الغرف على الجدار (أ.ف.ب) - عمل فني في الفندق يصور بلفور وهو يوقع وعده الشهير الذي قرر إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (أ.ب)
واجهة فندق «والد أوف» الذي افتتحه فنان الغرافيتي بانكسي في مدينة بيت لحم أمس (أ.ب) - إحدى غرف الفندق (أ.ف.ب) - لوحة لبانكسي لمزهرية مغطاة بشبك حديدي تزين الحائط في فندق «والد أوف» ببيت لحم (أ.ب) - الجدار «أسوأ منظر في العالم» كما يبدو من إحدى شرفات الفندق (أ.ف.ب) - إطلالة من نافذة إحدى الغرف على الجدار (أ.ف.ب) - عمل فني في الفندق يصور بلفور وهو يوقع وعده الشهير الذي قرر إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (أ.ب)
TT

بانكسي يعود لبيت لحم بفندق تطل غرفه على «أسوأ منظر في العالم»

واجهة فندق «والد أوف» الذي افتتحه فنان الغرافيتي بانكسي في مدينة بيت لحم أمس (أ.ب)  -  إحدى غرف الفندق (أ.ف.ب) - لوحة لبانكسي لمزهرية مغطاة بشبك حديدي تزين الحائط في فندق «والد أوف» ببيت لحم (أ.ب) - الجدار «أسوأ منظر في العالم» كما يبدو من إحدى شرفات الفندق (أ.ف.ب) - إطلالة من نافذة إحدى الغرف على الجدار (أ.ف.ب) - عمل فني في الفندق يصور بلفور وهو يوقع وعده الشهير الذي قرر إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (أ.ب)
واجهة فندق «والد أوف» الذي افتتحه فنان الغرافيتي بانكسي في مدينة بيت لحم أمس (أ.ب) - إحدى غرف الفندق (أ.ف.ب) - لوحة لبانكسي لمزهرية مغطاة بشبك حديدي تزين الحائط في فندق «والد أوف» ببيت لحم (أ.ب) - الجدار «أسوأ منظر في العالم» كما يبدو من إحدى شرفات الفندق (أ.ف.ب) - إطلالة من نافذة إحدى الغرف على الجدار (أ.ف.ب) - عمل فني في الفندق يصور بلفور وهو يوقع وعده الشهير الذي قرر إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (أ.ب)

ربما لم يؤثر أي فنان عالمي بأعماله في قضية الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل في فلسطين، مثلما أثرت رسومات فنان الغرافيتي المعروف بـ«بانكسي». فقد تحولت رسوماته هناك إلى علامات بارزة على الجدار، مثل حمامة السلام التي ترتدي غطاءً واقياً من الرصاص، أو الرسومات التي تركها على أنقاض بيوت في غزة مهدمة بفعل الغارات الإسرائيلية.
أخيراً، عاد بانكسي للجدار، وأعاد وسائل الإعلام للحديث عن المعاناة اليومية التي يعانيها الفلسطينيون بسبب الجدار، ولكن عودة الفنان الغامض هذه المرة جاءت عن طريق فندق أقامه في مدينة بيت لحم، مكون من 10 غرف مطلة على الجدار، أو ما أطلق عليه «أسوأ منظر في العالم».
وبما أن الأمر يتعلق ببانكسي، فلنا أن نتوقع أن يحمل العمل رسائل سياسية، يغلفها الفنان بطريقته الساخرة المتهكمة، ويبدأ بالفعل من اسم الفندق الذي أطلق عليه «والد أوف هوتيل» (خلف الجدران)، في لعب لغوي ساخر على اسم الفندق الشهير في لندن «والدورف».
موجة المشاعر الكئيبة التي يثيرها الاسم تستمر في الداخل؛ في الغرف التسع والجناح التي يتكون منها الفندق، وتضم على جدرانها مجموعة من رسومات بانكسي. ورغم تقبل الجمهور لفكرة أن يكون بانكسي قد استخدم فكرة الفندق للتعبير الفني عن موقف سياسي وإنساني بحت، إلا أن مساعديه حرصوا على التأكيد على أن الفندق هو مشروع تجاري سيستقبل الحجوزات على الغرف، بداية من آخر شهر مارس (آذار) الحالي على موقعه الإلكتروني.
إلى جانب الغرف، يضم الفندق باراً للمشروبات ومساحات عرض فنية كلها تحمل طابع الإمبراطورية البريطانية، في إشارة واضحة لدور بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، وفي إقامة دولة إسرائيل، مع إضافة تمثال لبلفور يوقع الورقة الشهيرة التي وعدت اليهود بوطن لهم في فلسطين منذ مائة عام. وعموماً، كان هدف الفنان المراوغ أن يشبه الفندق في تصميمه وديكوراته طراز أندية الرجال الخاصة في بريطانيا، أو ما يطلق عليه «جنتلمان كلوب»، لإضافة الطابع الإمبريالي البريطاني الذي يستمر أيضاً عبر حفلات الشاي على الطريقة البريطانية الذي يعده مطبخ الفندق.
غير أن الفنان يهدف أيضًا إلى أكثر من التعبير عن موقفه السياسي، بل يتبع ذلك بخطة لإقامة حوار بين الشباب الفلسطيني والإسرائيلي، واستضافة معارض فنية لفنانين فلسطينيين، وهو ما سيعطي أعمالهم انتشاراً لدى الجمهور العالمي.
جدير بالذكر أن بانكسي حرص على اختيار منطقة تحت السيطرة الإسرائيلية لإقامة الفندق، حتى يتمكن الشباب الإسرائيلي من دخوله، ويتمنى أن يكون مزاراً للسياح ومختلف الأطياف من مناطق الشرق الأوسط للحوار.
وبانكسي كان قد زار بيت لحم في عام 2005، وترك على الجدار الفاصل هناك رسومات اكتسبت شهرة عريضة، منها صورة الطفلة التي تفتش شرطياً، ورسم لغرفة جلوس مكونة من مقعدين، وطاولة صغيرة مع صورة معلقة على الحائط تصور منظراً طبيعياً لجبال وطبيعة ساحرة، هو المنظر الذي يمكن للفلسطينيين خلف الحائط تصوره.
وفي 2014، زار المنطقة سراً، واستوحى من مشاهداته هناك فيلماً دعائياً ساخراً عن السياحة في غزة، يبدأه بجملة «لتجعل هذا العام عاماً تزور فيه مكاناً جديداً؟»، يتبعها بـ«أهلاً بكم في غزة». ويستخدم خلال الفيلم الجمل نفسها التي تستخدم في الدعاية السياحية، ولكن مرفقة بتعليقات حادة وساخرة.
ويعد فندف «والد أوف» عودة لبانكسي على الساحة الفنية منذ أن افتتح المدينة الترفيهية المؤقتة «ديزمالاند» في عام 2015. وعلى الرغم من انتقاده الصريح للممارسات الإسرائيلية، فإنه حرص على أن يجمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال المشاركات الفنية التي أثارت حفيظة البعض.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)