نصير شمة يعزف ألحان السلام والمحبة لمهرجان العود في الخرطوم

الشغف الموسيقي يدفع منظمي المهرجان لتأسيس بيت عود سوداني

نصير شمة يعزف في الخرطوم
نصير شمة يعزف في الخرطوم
TT

نصير شمة يعزف ألحان السلام والمحبة لمهرجان العود في الخرطوم

نصير شمة يعزف في الخرطوم
نصير شمة يعزف في الخرطوم

حضر جمهور غفير من عشاق الموسيقى وذواقة الأنغام إلى مدينة الخرطوم بحري السودانية، ليشنفوا آذانهم بسماع ألحان الموسيقار العراقي نصير شمة، الذي يشارك في «مهرجان الخرطوم الثاني لموسيقى العود» الذي ينظمه سنوياً «منتدى دال الثقافي»، وذلك بعد أيام قلائل من تتويجه من قبل «اليونيسكو» بلقب «فنّان اليونيسكو للسلام»، لدوره في دعم التربية الموسيقية للشباب لا سيما في مناطق الصراع، ولجهوده في تعزيز السلام عن طريق الموسيقي.
وقال الموسيقار نصير شمة في مطلع افتتاح ليلته الموسيقية، إنه أتى للخرطوم يحمل رسالة حب وتألق، وإن الطريق إلى قلوب السودانيين مشيد بالموسيقى والجمال والحب، وإنه في السودان لنشر السلام من خلال الأعمال الموسيقية، بمشاركة الفريق الموسيقي المرافق له، ويضم أفضل العازفين على مستوى العالم.
واختتم أمس «مهرجان الخرطوم الثاني لموسيقى العود»، والذي ينظمه منتدى دال الثقافي، وهو إحدى أذرع شركات «مجموعة دال» للتفاعل مع المجتمع كما يقول مؤسسوه، ويعد مظاهرة ثقافية فريدة في البلاد، يشارك فيها أمهر عازفي آلة العود السودانيين والعرب، ويتبارون في تقديم مقطوعات موسيقية من أعمالهم، استمرت لثلاثة أيام منذ الخميس الماضي. واستهل منتدى دال الثقافي اهتمامه بالموسيقى عام 2014 بـ«مهرجان الخرطوم الأول للعود»، والذي شارك فيه الموسيقار شمة.
وخصص يوم المهرجان الأول لعازفي العود السودانيين وأشهرهم عوض أحمودي وعلي الزين وقدموا خلالها معزوفات فردية ونماذج مشتركة، أما اليوم الثاني فقد شارك فيه «عوادون» من السودان ومصر وأميركا والعراق.
وعزف الموسيقار العراقي وفرقته «غلوبال» للجمهور الغفير الذي احتشد لسماعه ليلة السبت، مقطوعات «عالم بلا خوف، أولمبيا 2. رحلة الأرواح، وإشراقة»، وغيرها من ألحان الحب والسلام، وقال: «هذا البرنامج قدمناه في مسرح أولمبيا السنة الماضية، وخجلاً أقول اختير كأفضل عرض عربي خلال العشرين سنة الماضية»، فعلا هتاف وتصفيق سكارى النغم.
وشهد عشاق الموسيقى السودانيون عزفاً حراً لكل موسيقى في فرقة غلوبال ضمن اللحن الواحد، وتطويعاً لآلات وإيقاعات موسيقية غربية لتتناغم مع العود والموسيقى العربيين، وتناقل اللحن عذباً بين عازفة الكمان وبين عازف الكونتر باص والبيانو والإيقاع كلٌ يعزف موسيقاه حراً، ليكتمل اللحن عند عود شمة العراقي وتُكتب «موسيقى عربية» بنكهة مشبعة بالتنوع، صفق لها الذواقة بحماس.
واختار المنتدى الموسيقار السوداني محمد الأمين والذي يعد من أهم عازفي آلة العود السودانيين، شخصية عام 2017 الموسيقية، ويعد «أبو اللمين»، كما يحلو لمعجبيه أن ينادوه، واحداً من علامات الموسيقى والغناء السوداني، وأنه أسهم في نشر وتطوير موسيقى السودان.
واعتبر الأمين، والذي كرم وهو غائب عن البلاد في الولايات المتحدة الأميركية في كلمة مسجلة، أن تكريمه هو تكريم لآلة العود، وأضاف: «العود له تأثير كبير في الأغنية السودانية والعربية».
كما قدم اثنان من الموسيقيين السودانيين تدربا في بيت العود العربي بالقاهرة لمدة عامين «عبد القادر إبراهيم، ومجاهد خالد» ألحاناً ومقطوعات موسيقية لافتة، وقال المتحدث باسم المنتدى عمر عشاري إن المجموعة تعمل بالتنسيق مع الموسيقار نصير شمة لإنشاء «بيت عود السودان»، وإن اهتمامهم بالعود جاء لارتباطه بالوجدان السوداني، والذي من خلاله يحاول المنتدى إيصال رسالة سودانية عبر الموسيقى.
وكان شمة قد ذكر العام الماضي أن مشاركته في النسخة الأولى من المهرجان، فتحت داخله آفاقاً وآمالاً بافتتاح «بيت عود في السودان»، لأن هناك مدرسة سودانية في عزفه، ورموزاً في العزف وضعوا بصمات واضحة.
ونقل عنه وقتها، وجود تشابهات كبيرة بين المقامات الموسيقية الشرقية، ومقامات جنوب الصحراء، وأن الاختلاف بينها يرجع إلى ما أسماه «اللهجات الموسيقية»، وإن التأليف والهارمونية يؤديان دوراً في التشابه الموسيقي واللغة العربية الفصحى، بما يوحد الخصوصية الموسيقية في كل دولة.
وكان شمة قد دوّن على صفحته على «فيسبوك» قبيل الحفل: «سنقدم حفلاً نتمنى أن يكون متميزاً في الخرطوم عاصمة السودان العزيز، لشعب أحترمه وأحب نبله ودماثة أخلاقه. هنا دوماً أشعر بأن الإنسان ما زال جميلاً ومهذباً وذا حياء، ومعي (غلوبال) فريقي المتميز من أميركا وأرمينيا وأفريقيا والبرازيل نهديهم سلاماً للسودان».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».