معرض «الخط العربي» يحط رحاله في أسواق بيروت للسنة الثانية

تنظمه جمعية الإرشاد والإصلاح تحت عنوان «مقامات»

الفنان فادي العويد أمام إحدى لوحاته (مقام الليل) التي استخدم فيها الخط الكوفي - خط ثلث الذي استخدمه الفنان فادي العويد في لوحة  تتضمن قولاً لجبران خليل جبران - «بيات التركواز» بخط الفنان عقيل أحمد
الفنان فادي العويد أمام إحدى لوحاته (مقام الليل) التي استخدم فيها الخط الكوفي - خط ثلث الذي استخدمه الفنان فادي العويد في لوحة تتضمن قولاً لجبران خليل جبران - «بيات التركواز» بخط الفنان عقيل أحمد
TT

معرض «الخط العربي» يحط رحاله في أسواق بيروت للسنة الثانية

الفنان فادي العويد أمام إحدى لوحاته (مقام الليل) التي استخدم فيها الخط الكوفي - خط ثلث الذي استخدمه الفنان فادي العويد في لوحة  تتضمن قولاً لجبران خليل جبران - «بيات التركواز» بخط الفنان عقيل أحمد
الفنان فادي العويد أمام إحدى لوحاته (مقام الليل) التي استخدم فيها الخط الكوفي - خط ثلث الذي استخدمه الفنان فادي العويد في لوحة تتضمن قولاً لجبران خليل جبران - «بيات التركواز» بخط الفنان عقيل أحمد

في إطار فنون الخط العربي وأهميتها في الصورة البصرية، تستضيف أسواق بيروت وللسنة الثانية على التوالي معرض الخط العربي بعنوان «مقامات»، الذي يستمر حتى الخامس من مارس (آذار) المقبل. ويتضمن المعرض الذي تنظمه جمعية الإرشاد والإصلاح 20 لوحة للخطاطَين فادي العويد وعقيل أحمد، وقد تناولا فيها حالات اجتماعية وحكما وجدانية ومقامات موسيقية، ارتبطت ارتباطا مباشرا بفن الخط العربي، بعيدا عن الناحية الدينية التي اشتهر فيها.
وقدم الفنانان السوريان أسلوبين مختلفين في فن الخط العربي، فتجلّى الأول بالحرف الكلاسيكي الواضح الذي في استطاعة الناظر قراءته بسهولة، فيما حمل الأسلوب الثاني خروجا واضحا عن القاعدة الكلاسيكية للحرف الذي يعتمد على صورة بصرية تجريدية له.
حملت اللوحات موضوعات تم التعريف عنها باسم «مقام»، فتنوعت ما بين الإنسانية والحرية والقلم والليل والورد، إضافة إلى أخرى تناولت الشعور بالندم والحكمة والمعرفة وغيرها من الموضوعات التي ترجم فيها الفنانان مقامات موسيقية معروفة، إضافة إلى أقوال مشهورة لأدباء وفلاسفة عرب وأجانب، أمثال محمود درويش وجبران خليل جبران وتولستوي وكونفوشيوس، وغيرهم.
وأشار فادي عويد في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شغفه وحبه للخط العربي نشأ معه منذ نعومة أظافره عندما كان يحاول تقليد خطوط عناوين كتبه المدرسية، وأنه مع الأيام زاد إدراكه أهمية الخط العربي وبأنه يشكّل فنا مستقلا بحد ذاته. وأعرب عن أسفه لعدم اهتمام جيل اليوم بهذا الخطّ بعدما صار من النادر مصادفة أحدهم يكتب الخط العربي بشكل جميل. وقال: «هناك إهمال ملحوظ في هذا الموضوع من قبل المربيين العاملين في المجال التربوي من ناحية، ومن قبل التلميذ من ناحية ثانية، فجهل أهمية فنون هذا الخطّ يشكّل صدمة بحد ذاته». وأضاف: «اليوم أعطي دروسا خاصة في فن الخط العربي لتلامذة تتراوح أعمارهم بين العاشرة والستين عاما، وهم من الأشخاص القليلين الذين يولون فن الخط الاهتمام الكافي للتعرف إليه عن كثب». وأشار فادي العويد، وهو فنان تشكيلي حاز جوائز دولية كثيرة في مجال الخط الديواني الجلي، إلى أننا نملك أنواعا عدة من الخطوط العربية، إلا أن الأساسية منها كالكوفي والثلث والنسخ والديواني والتعليق والإيجازي والرقع هي الأكثر شهرة، وتتفرع منها خطوط كثيرة.
ويرتكز هذا الفن على اختيار الخط الأكثر ملاءمة للكلمة المختارة من قبل الفنان الخطّاط، فإذا كانت اللوحة تترجم مشهدا موسيقيا فلا يمكن كتابتها بخطّ «ثلث»، الذي يوحي بالجلال والقدسية بحروفه ونشاهده عادة في أماكن العبادة، أما خط التعليق الذي يرتكز على السلاسة فهو أكثر شعبية، ويلجأ إليه أحيانا كثيرة لكتابة أسماء الغاليريات فيزوّد مستخدمه بمساحة كبيرة من الحرية فيتماهى معها في تنفيذ عمله في إطار فن الخط.
ويشهد فن الخط العربي حاليا نهضة ملحوظة انتشلته من الكبوة التي كان يعيش فيها خلال السنوات الماضية، في غياب الحملات الإعلانية المروّجة له، فكان بمثابة فن منسي في ظل غزارة المعارض التشكيلية الأخرى. وتعد «جمعية الإصلاح والإرشاد» واحدة من المشجعين على إحياء هذا الفن؛ إذ أخذت على عاتقها تنظيم معارض كثيرة ولأكثر من مرة في السنة الواحدة. حتى أن بعض الوزارات العربية ساهمت في انتشار هذا النوع من المعارض، بعد أن تبنتها رسميا وعملت على تشجيع فنانيها.
عزّز فادي العويد قيمة الخط «ثلث» من خلال لوحة حملت عبارة لجبران خليل جبران «سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام». فرسمها بأحرف ذهبية تطل علينا من خلفية سوداء تبرز مطواعية هذا الخط في تفسير هذه العبارة، فتعانقت خطوط حروفه منطوية على نفسها لتمثل صورة اختفاء الضوء والحلم في ظل الليل والسكون بأسلوب فلسفي عميق. كما تناول في لوحة أخرى موضوع السفر من خلال عبارة اختارها للشاعر اللبناني سعيد عقل «قد غبت عنهم وما لي بالغياب يد...أنا الجناح الذي يلهو به السفر»، مستخدما فيها الخط الديواني على خلفية زرقاء توحي بفسحة السماء الزرقاوية التي نقطعها أثناء السفر، وقد اجتمعت في وسطها كتلة من مشاعر الحنين المخطوطة بأحرف ذهبية.
وتميّز الفنان عقيل أحمد الحائز جائزة «البردة» من وزارة الثقافة في الإمارات العربية المتّحدة، في اعتماده أسلوبا خاصا للحرف، فلجأ إلى نشره على مساحات واسعة حملت في طياتها الفن التجريدي بشكل بارز، متناولا المقامات الموسيقية لترجمتها على طريقته في خطوط عربية مزج فيها ما بين الثلث والسنبلية، التي رأى فيها خطوطا تتناغم مع فكرته التي تصب في تحديث وعصرنة هذا الفن. وبدت لوحته «مقام الحجاز» بمثابة حديقة غنّاء يطغى عليها الزهري ترقص فيها الحروف على نغمات استوحاها من خياله. «هدفي هو تحويل السمعي إلى بصري، ولقد اخترت مقامات موسيقية مختلفة لتحقيق ذلك. وفي هذه اللوحة بالذات (مقام الحجاز) انتابتني أحاسيس حالمة تبلور الصورة الرومانسية العربية التي أصبو إليها، والتي ترجمتها في فن خطي يخرج عن المألوف». أوضح عقيل أحمد في حديث لـ«الشرق الأوسط». وأشار إلى أن فكرة تحويل الفن التشكيلي إلى آخر روحاني يسكن غالبية لوحاته هذه. ومن المقامات الموسيقية الأخرى التي رسمها بالخط العربي (بيات التركواز) التي يظهر فيها انحناء الخط بشكل تعبيري وكأنه لوحة ايمائية، وقد غلب عليها الأزرق التركواز.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الفن يعتمد على تقنية رسم معينة ترتكز على الريشة وألوان الإكليريك، شبيهة إلى حد ما بالتقنية المستخدمة في اللوحات الفنية التشكيلية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».