خيار العودة يتلاشى أمام اللاجئين السوريين

بينما ينصرف العالم عن سبب معاناتهم

لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)
لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)
TT

خيار العودة يتلاشى أمام اللاجئين السوريين

لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)
لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)

داخل الخيم المنتشرة عبر أرجاء الحقول والقرى في سهل البقاع في شرق لبنان، يعكف لاجئون سوريون على حفر آبار مياه وصب أعمدة خراسانية وتركيب مواسير للصرف الصحي وأسلاك كهرباء تحت الأرض، في الوقت الذي يشرعون فيه في بناء شركات وتكوين أسر جديدة.
أما الأمر الوحيد الذي لا يقدمون عليه، فهو اتخاذ استعدادات للرحيل الجماعي، رغم مناشدات مسؤولين سوريين ولبنانيين لهم للعودة إلى وطنهم، ويدعي المسؤولون أن ثمة تحسنا ملحوظا على صعيدي الأمن والسلامة داخل سوريا وأن الوقت قد حان قد يعود اللاجئون لوطنهم.
ومع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات في جنيف، الخميس، طرح عدد من اللاجئين السوريين وقع الاختيار عليهم بصورة عشوائية، أجرينا معهم لقاءات داخل منطقة البقاع هذا الأسبوع، وجهات نظرهم حيال الواضع الراهن. وأشار هؤلاء إلى أن ديارهم إما تعرضت للدمار أو ما تزال غير آمنة، وأعربوا عن مخاوفهم من إلقاء قوات الأمن القبض عليهم حال عودتهم إلى الوطن. كما أشاروا إلى أنهم مدركون أنه رغم التقدم الميداني الأخير الذي حققته القوات الموالية للنظام، فإن أعمال القصف والقتال ما تزال مستمرة. وعليه فإنهم قرروا البقاء في لبنان.
جدير بالذكر أن ما يقدر بنحو 1.5 مليون سوري لجأوا إلى لبنان، ليشكلوا بذلك قرابة ربع إجمالي سكان البلاد، تبعًا لما أفاده مسؤولون ومنظمات إغاثة. والملاحظ أن ثمة اعتقادًا واسع النطاق داخل لبنان بأن اللاجئين يشكلون عبئًا على اقتصاد البلاد وبنيتها الاجتماعية.
واللافت أنه بعد مرور قرابة ست سنوات على اشتعال حرب بدأت بشن حملة إجراءات أمنية قاسية ضد مظاهرات مناهضة للرئيس بشار الأسد، بدأت الآن بعض الدول التي كانت حريصة من قبل على رحيله في تركيز اهتمامها على احتواء أزمة اللاجئين وإنزال الهزيمة بتنظيم داعش، بجانب استعدادها للنظر في تسوية تسمح للأسد بالبقاء في السلطة.
والمعروف أن الكثير من الدول الغربية استثمرت في الآمال المبهمة المرتبطة بإمكانية التوصل إلى مثل هذه التسوية، بغض النظر عن مدى هشاشتها أو سطحيتها، سعيًا للحيلولة دون تفاقم الأزمة السورية على نحو خطير والتخفيف من حدة المخاوف إزاء إرهاب تنظيم داعش، الأمر الذي أسهم نهاية الأمر في صعود تيار اليمين السياسي.
علاوة على ذلك، فإن مثل هذا الوضع يجعل لكثرة من الدول مصلحة قوية وراء إعلان سوريا آمنة للعودة، حتى دون تسوية القضايا السياسية التي أشعلت الصراع من البداية، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان من قبل سلطات النظام السوري.
والمؤكد أن الأسد ومسؤولين سوريين وحلفاءهم في لبنان يرصدون هذا المزاج العام. ويذكر أن أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، دعا لعودة المهاجرين، في الوقت الذي دعا حليفه فيه الرئيس اللبناني ميشال عون القوى العالمية لتيسير عودتهم.
ومع ذلك، فإنه داخل مستوطنة من الخيام في قرية الصويري، أوضح سوريون أنه لن يفلح اتفاق يعد بالنسبة لهم بمثابة ورقة توت، ولا نصر واضح وصريح لقوات النظام في دفع الكثيرين منهم للعودة إلى سوريا.
والملاحظ أن جميع الأسر التي التقيناها كان فيها فرد واحد على الأقل من أبنائها قد اختفى أو ألقي القبض عليه أو جرى تجنيده قسرا من قبل النظام. كما ذكر لاجئون أنهم لا يعبأون كثيرًا ببقاء أو رحيل الأسد بقدر ما يهتمون بإصلاح النظام الأمني، مشددين على أنه من دون وضع نهاية للتعذيب وأعمال الاختفاء والاعتقال العشوائي، سيبقى بداخلهم دومًا الخوف إزاء العودة. وأكد جميعهم تقريبًا على أن حلم العودة ما يزال يداعب خيالهم، لكنه يبدو على نحو متزايد حلمًا لن يتحقق إلا مع الجيل القادم. وعلى سبيل المثال، أكد خالد خضر(23 سنة) والذي أمضى أربعة أيام في أحد السجون اللبنانية لتسلله عبر الحدود، أنه: «إذا خيرني الرئيس اللبناني بين البقاء في السجن هنا إلى الأبد أو العودة إلى سوريا، سأختار السجن». واستطرد «إنهم لم يعذبوني أو يضربوني. وكان هذا أمرًا جيدًا. أما في سوريا، فإنه حال القبض عليك، تختفي إلى الأبد».
يذكر أن خضر مطلوب لدى السلطات السورية لهروبه من الجيش السوري عام 2012، ويطرح خضر سببين وراء إقدامه على ذلك: الفزع الذي تملكه حيال المشاركة في قصف ضاحية بابا عمرو الثائرة بمدينة حمص، بجانب تلقيه تهديدات من مسلحين ينتمون لمسقط رأسه.
من ناحيته، تعهد الأسد بالعفو عن الجنود الفارين من الجيش، لكن خضر قال إن ابن عم له صدق هذا العرض فتعرض للاعتقال داخل سوريا منذ خمسة شهور وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين.
وأكد خضر أن السبيل الوحيد لعودته توافر ضمانات دولية تضمن سلامته. ولدى سؤاله حول كيفية تنفيذ ذلك، ابتسم وأجاب: «لا أدري. ولهذا فقدت الأمل».
من ناحية أخرى، يعتبر هذا المعسكر الخاص باللاجئين والواقع قرب الحدود السورية أفضل من كثير من المعسكرات الأخرى، ذلك أنه يخلو من المصارف الصحية المفتوحة أو أكوام المخلفات التي تعج بها معسكرات أخرى. كانت قرابة 40 أسرة قد استأجرت قطعًا من الأرض من محمود حسين الطحان، الذي قال إن المال الذي حصل عليه يكافئ تقريبًا ما كان يجنيه من وراء زراعة الطماطم والباذنجان بالأرض ذاتها.
داخل المعسكر، تندر فرص العمل، وتعتبر غالبية الأسر مدينة للطحان. وحسب عامل إغاثة على اطلاع بالأوضاع داخل المخيم فإن نسبة قليلة فقط من الأطفال يرتادون المدارس، بينما دفع الآباء والأمهات البعض الآخر للعمل في الحقول.
داخل الخيمة التي يسكن فيها خضر ويشترك فيها مع ثمانية آخرين من أقاربه، بينهم زوجته وثلاثة أطفال، يوجد جهاز تلفزيون وموقد وأرضية إسمنتية. أما منزله في سوريا، فقد تعرض للدمار.
وعن ذلك، قال: «لا أهتم بأمر المنزل»، مضيفًا أنه لو كان يضمن سلامة أسرته «لقبلت العيش في خيمة كهذه في سوريا». إلا أنه بدلاً عن ذلك، ما يزال لاجئون جدد يفدون إلى لبنان.
من ناحيته، فر مصطفى سليم (19 سنة) من سوريا برفقة والدته وأشقائه فقط، الخريف الماضي، إذ كانت المعارك قد اندلعت قرب منزله، وألقي القبض على أحد أشقائه وأجبر على التجنيد في صفوف الجيش أثناء توجهه إلى الجامعة. والآن، لا يعلمون ما إذا كان حيًا. وقال سليم: «يكذب النظام عندما يقول إن الوضع آمن. كي تضمن البقاء على قيد الحياة في سوريا، يجب أن تكون جنديًا، لكن من المستحيل ضمان ذلك لو كنت مدنيًا. وإذا التحقت بالجيش فإنك في النهاية إما قاتل أو مقتول».
ومع ذلك، يعكف بعض اللاجئين على بناء حياة جديدة لهم، مثل نعمة قاسم (38 سنة) الذي يستأجر شاحنة ويقودها من معسكر لآخر لبيع الخضراوات واللبنة لغير القادرين على الوصول إلى الأسواق. وبالفعل، يجني ما يكفي من مال لاستئجار غرفة على مسافة قصيرة من إحدى المدارس.
لكنن ومع هذا، فإن نجله البالغ 9 سنوات لم يتعلم القراءة بعد. وأعرب قاسم عن اعتقاده بأن المدارس اللبنانية نقلت أسوأ مدرسيها إلى النوبات الليلية المكتظة بالسوريين.
من جانبه، أبدى الطحان، الذي حاول رسم صورته كرجل إحسان يعطف على اللاجئين، رفضه لفكرة أنهم يضرون باقتصاد البلاد ويشكلون عبئًا على الخدمات الاجتماعية، متهمًا الحكومة باختلاق هذه الفكرة للحصول على مزيد من المال من الأمم المتحدة.
وتابع الطحان إن اللاجئين يفيدون اللبنانيين من أصحاب المولدات الكهربائية التي يستعين بها اللاجئون في الحصول على الطاقة الكهربائية، وأصحاب المتاجر الذين ينفق اللاجئون لديهم كوبونات الغذاء التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة، وملاك الأراضي الذين يجدون في اللاجئين عمالة زهيدة التكلفة. في الواقع، هذه هي الرؤية التي تطرحها منظمات دولية تؤكد أن العبء الناجم عن استضافة لاجئين يجري تعويضه في الجزء الأكبر منه في صورة الزخم الاقتصادي الذي يوفره اللاجئون، ناهيك عن مساعدات دولية بلغت 1.9 مليار دولار عام 2016 فقط، حسبما أعلنت الأمم المتحدة. من ناحيته، قال الطحان إنه بناءً على تجربته مع الحرب الأهلية اللبنانية، فإنه يعتقد أن السوريين سيبقون داخل لبنان لسنوات. وتابع «كان لدينا المئات من مؤتمرات جنيف قبل نهاية الحرب، وحتى بعد مرور سنوات على نهايتها ما تزال الأوضاع غير جيدة». داخل المعسكر، لم تثر أنباء عقد جولة جديدة من المفاوضات في جنيف أملا يذكر في صفوف اللاجئين، الذين قالوا إنه لا أحد من مفاوضي الحكومة أو المعارضة يمثلهم.
*خدمة: «نيويورك تايمز»



طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

TT

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)
قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)

قال الجيش السوري ومصادر من قوات المعارضة إن قوات جوية روسية وسورية قصفت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، قرب الحدود مع تركيا، اليوم (الخميس)، لصد هجوم لقوات المعارضة استولت خلاله على أراضٍ لأول مرة منذ سنوات.

ووفقاً لـ«رويترز»، شن تحالف من فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً، أمس (الأربعاء)، اجتاح خلاله 10 بلدات وقرى تحت سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة حلب، شمال غربي البلاد.

وكان الهجوم هو الأكبر منذ مارس (آذار) 2020، حين وافقت روسيا التي تدعم الأسد، وتركيا التي تدعم المعارضة، على وقف إطلاق نار أنهى سنوات من القتال الذي تسبب في تشريد ملايين السوريين المعارضين لحكم الأسد.

وفي أول بيان له، منذ بدء الحملة المفاجئة قال الجيش السوري: «تصدَّت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبَّدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح».

وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمِّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقال مصدر عسكري إن المسلحين تقدموا، وأصبحوا على مسافة 10 كيلومترات تقريباً من مشارف مدينة حلب، وعلى بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين بهما حضور قوي لجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

كما هاجموا مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

وتقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري الذي يحشد قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة.

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، اليوم (الخميس)، أن البريجادير جنرال كيومارس بورهاشمي، وهو مستشار عسكري إيراني كبير في سوريا، قُتل في حلب على يد قوات المعارضة.

وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الصراع هناك. وبينما شمل هؤلاء عناصر من الحرس الثوري، الذين يعملون رسمياً مستشارين، فإن العدد الأكبر منهم من عناصر جماعات شيعية من أنحاء المنطقة.

وقالت مصادر أمنية تركية اليوم (الخميس) إن قوات للمعارضة في شمال سوريا شنَّت عملية محدودة، في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسَّعت عمليتها بعد أن تخلَّت القوات الحكومية عن مواقعها.

وأضافت المصادر الأمنية أن تحركات المعارضة ظلَّت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019، بهدف الحد من الأعمال القتالية بين قوات المعارضة وقوات الحكومة.

وقال مصدر بوزارة الدفاع التركية إن تركيا تتابع التطورات في شمال سوريا عن كثب، واتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان أمن القوات التركية هناك.

ولطالما كانت هيئة تحرير الشام، التي تصنِّفها الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، هدفاً للقوات الحكومية السورية والروسية.

وتتنافس الهيئة مع فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وتسيطر هي الأخرى على مساحات شاسعة من الأراضي على الحدود مع تركيا، شمال غربي سوريا.

وتقول قوات المعارضة إن أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، قُتلوا منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

وتقول دمشق إنها تشن حرباً ضد مسلحين يستلهمون نهج تنظيم القاعدة، وتنفي استهداف المدنيين دون تمييز.