«آبل» تتحسس خطاها في إنتاج محتوى الفيديو الخاص

مقاطع تتجاوز حدود الموسيقى وتدخل عالم المسلسلات

جانب من مؤتمر الإعلان عن مشاريع شركة آبل الأخيرة (نيويورك تايمز)
جانب من مؤتمر الإعلان عن مشاريع شركة آبل الأخيرة (نيويورك تايمز)
TT

«آبل» تتحسس خطاها في إنتاج محتوى الفيديو الخاص

جانب من مؤتمر الإعلان عن مشاريع شركة آبل الأخيرة (نيويورك تايمز)
جانب من مؤتمر الإعلان عن مشاريع شركة آبل الأخيرة (نيويورك تايمز)

على شركة «نتفليكس»، المنتجة للأفلام والمسلسلات، أن تحذر، فشركة «آبل» التي تعد الشركة الأكبر في عالم التكنولوجيا ستتجه أخيرًا نحو عالم محتوى المقاطع المصورة الأصلية، فقد صرحت الشركة العملاقة، الأسبوع الماضي، بأنها سوف تقدم أول سلسلتين من المقاطع المصورة في قالب المسلسل التلفزيوني على «آبل ميوزيك»، وهو خدمة بثّ الموسيقى التي يتم تقديمها مقابل اشتراك، وذلك خلال فصل الربيع.
كذلك تعتزم الشركة تقديم مقاطع مصورة أصلية أخرى تتضمن مسلسلات درامية لها سيناريو على مدى العام المقبل، في إطار محاولتها لتحويل «آبل ميوزيك» إلى منبر ثقافي، على حد قول جيمي يوفيني، رئيس الخدمة التي يبلغ اشتراكها 10 دولارات. وقال يوفيني، خلال مقابلة له: «هناك كثير من المشروعات، فقد شاركنا في الأمر، وهذا ما ستكون عليه (آبل ميوزيك). وسيكون هناك على خدمة (آبل ميوزيك) مقاطع مصورة، وغيرها من الأشياء التي لا يمكنني الحديث عنها حاليًا».
وتعد شركة «آبل» بالأساس شركة للهواتف المحمولة الذكية، ورغم أنها تمتلك 246 مليار دولار نقدًا، فضلاً عن الأوراق المالية المتداولة لا تزال تؤكد على أنه ليس لديها أي خطط قصيرة المدى للتنافس بشكل مباشر مع شركات عملاقة تبث محتوى مصور، مثل «نتفليكس» و«أمازون»، اللتين تقدمان برامج ومسلسلات أصلية ذات جودة عالية لجذب المشتركين، والاحتفاظ بهم.
وقال إيدي كيو، نائب رئيس شركة «آبل» لشؤون البرمجيات والخدمات، في مقابلة على خشبة المسرح خلال مؤتمر «كود ميديا» للتكنولوجيا: «نحن لسنا بصدد شراء عدد كبير من البرامج».
مع ذلك، من المؤكد أن شركة «آبل» تعتزم استخدام المقطع المصور الأصلي، سعيًا وراء تحقيق تميز خدمة «آبل ميوزيك» التي بدأت في يونيو (حزيران) 2015، وجذبت أكثر من 20 مليون مشترك عن الخدمات المنافسة، مثل «سبوتيفاي». وقال كيو: «نحن نحاول القيام بأمور فريدة وثقافية». كما فعلت «إم تي في» في أيام مجدها، وهذا يعني تجاوز حدود الموسيقى.
وبثت شركة «آبل» مقطعًا إعلانيًا ترويجيًا لمسلسلها الأول «كاربول كاريوكي»، خلال حفل «غرامي أواردز»، الأحد الماضي. ومن المقرر أن يكون المسلسل الذي يعد تنويعة على برنامج «ليت ليت شو» الذي يقدمه جيمس كوردن، متاحًا لمشتركي خدمة «آبل ميوزيك» خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل. أما البرنامج الثاني، فهو «بلانيت أوف آبز» (كوكب القرود)، وهو مسلسل ينتمي إلى عالم تلفزيون الواقع، عن مبتكري تطبيقات «آي فون» الذين يتنافسون على ابتكار التطبيق الرائع التالي. خلال هذا المسلسل، سوف يصنع المبتكرون مقاطع، مدة كل منها دقيقة، ويتلقون تدريبًا من الموسيقي ويلي آي إم، وكل من الممثلة جيسيكا ألبا، أو غوينيث بالترو، أو غاري فاينورشيك، صاحب مشروع رائد في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تطوير أفكارهم، ثم سيحاولون إقناع مؤسسة «لايت سبيد فينشر بارتنرز» لتمويل رأسمال المشروعات، بالاستثمار في مشروعاتهم. وسوف يحصل الفائزون على وضع متميز في متجر تطبيقات «آبل آب ستور».
تساءل كيو وهو يشاهد المقطع الترويجي مع بين سيلفرمان، المنتج التلفزيوني المخضرم، الذي قدم المشروع إلى «آبل»: «ما الذي تحتاجه لتصبح مبتكر تطبيق؟ من هم مبتكري التطبيقات؟ سوف يحبه العملاء». وقال يوفيني إن خدمة «آبل ميوزيك» كانت تعمل على مشروعات أخرى خاصة بالمقاطع المصورة «مختلفة تمامًا» عن أول برنامجين. وأوضح قائلاً: «نحن نصنع دراما، وهذا يتطلب وقتًا أطول». وقال إن الشركة تنظر في طريقة يمكن للموسيقيين أن يتفاعلوا من خلالها مع جمهورهم، مضيفًا: «نحن لا نزال في مرحلة التجريب».
وكان يوفيني منتج تسجيلات ناجحًا، قبل انضمامه إلى شركة «آبل» عام 2014، عندما باع، هو والموسيقي دكتور دري، شركة «بيتس إلكترونيكس» المصنعة للسماعات لـ«آبل» مقابل 3 مليارات دولار. وقال يوفيني: «لم أر في (بيتس) نموذجًا متميزًا سيحقق نجاحًا ملحوظًا».
على العكس من ذلك، لدى «آبل» كثير من الموارد التي يمكن استثمارها في تقديم خدمة موسيقى. وقال كيو، عند مناقشة طموحات «آبل» العريضة في عالم المقاطع المصورة، إن الشركة تركز حاليًا على مشكلتين: الأولى هي كيفية جعل اكتشاف محتوى متوفر بالفعل أسهل، والثانية هي كيفية مساعدة صانعي المقاطع المصورة على الابتكار. مع ذلك، نفى كل مزاعم أن «آبل» تريد منافسة شركات الكيبل والأقمار الاصطناعية، من خلال العمل على مجموعة من قنوات المقاطع المصورة، وبيع اشتراكات لمستخدميها. وأوضح قائلاً: «نحن سعداء بقيامنا بالأمور التي نقوم بها اليوم، ولا نعلم كيف ستسير الأمور بعد ذلك».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».