حملة في القاهرة لحماية آثار المدينة من «الإهمال والتعديات»

تحذيرات من طمس معالمها التاريخية

أحد الأسبلة العثمانية يعاني انهيار معظم طبقاته،  البيوت القديمة تعاني الإهمال،   البيوت الأثرية التي لم تسجل بعد بوصفها آثارا
أحد الأسبلة العثمانية يعاني انهيار معظم طبقاته، البيوت القديمة تعاني الإهمال، البيوت الأثرية التي لم تسجل بعد بوصفها آثارا
TT

حملة في القاهرة لحماية آثار المدينة من «الإهمال والتعديات»

أحد الأسبلة العثمانية يعاني انهيار معظم طبقاته،  البيوت القديمة تعاني الإهمال،   البيوت الأثرية التي لم تسجل بعد بوصفها آثارا
أحد الأسبلة العثمانية يعاني انهيار معظم طبقاته، البيوت القديمة تعاني الإهمال، البيوت الأثرية التي لم تسجل بعد بوصفها آثارا

«أنقذوا القاهرة التاريخية»، شعار الحملة التي تستهدف استرجاع الأماكن التاريخية بالمدينة التراثية إلى الدولة من جديد، مع أن مسلسل التعديات على أراضيها ما زال مستمرا. وتوجد قصور تاريخية ومبان أثرية تتعرض لتعديات تهدد الصورة الحضارية والتراثية والثقافية لمنشآت عتيقة حملت في طياتها عبق التاريخ المصري.
ورغم أن خالد مصطفى، المتحدث الإعلامي باسم محافظة القاهرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن المحافظة والأجهزة المعنية بدأت في اتخاذ إجراءات لحماية المواقع الأثرية بالعاصمة، فإن المئات من المرممين والأثريين والمؤرخين وعددا من المهتمين بالتراث المعماري للقاهرة التاريخية نظموا وقفة احتجاجية أمام مبنى محافظة القاهرة منددين بما وصلت إليه الأوضاع في القاهرة التاريخية، رافعين شعارات تطالب بالتصدي للاعتداء غير القانوني على آثار وأراضي الدولة مثل: «لا لتدمير القاهرة التاريخية» وغيرها من الشعارات التي تؤكد أهمية توقف عمليات البناء بالمناطق التاريخية. ويطالب هؤلاء محافظة القاهرة والأجهزة المعنية، بما فيها جهاز التنسيق الحضاري، باتخاذ إجراءات رادعة لحماية التراث الحضاري والثقافي لمصر.
ويقول محمد ميرغني المرشد السياحي بشركة «سي إيجيبت» السياحية لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن حملة (إنقاذ مصر) تدق ناقوس الخطر من أجل حماية آثار مصر التاريخية التي لا يقتصر دورها على السياحة؛ فحسب بل تمثل أيضا انعكاسا للصورة الحضارية والثقافية للشعب أمام العالم، ومن ثم وجب الاهتمام بتطوير ونظافة تلك الآثار والمناطق المحيطة بها»، مضيفا أن «منطقة الدرب الأحمر (وسط القاهرة) تحديدا، عامرة بالآثار الإسلامية القديمة، وتضم قرابة 56 أثرا إسلاميا مهملا، بجانب أنها باتت مرتعا للسرقات، وشاهدا على إهمال العديد من المسؤولين المختصين.. وللأمانة، أصبحت أيضا مؤشرا على سوء سلوك البعض مع آثاره وتاريخه، لذلك يجب على الدولة بكل مؤسساتها العمل على عودة تلك الآثار لحالتها الأولى».
وتعاني منطقة الدرب الأحمر التي تضم كثيرا من كنوز التراث الإسلامي، الإهمال، حيث إن آخر عملية ترميم كبيرة لها جرت لبعض الجوامع التاريخية بالمنطقة كانت في القرن الـ19 في عصر الخديو عباس حلمي الثاني، الأمر الذي يجعل أغلب المساجد التراثية والأسبلة العثمانية على وشك الانهيار، وفقا للمحتجين الذين يطالبون بسرعة تدخل المسؤولين لإنقاذها.
ويوجد في المنطقة مسجد «قجماس الإسحاقي» الذي جرى هدم البيوت المجاورة له رغم أنها تتبع النسيج الأثري للمسجد باعتراف وزارة الآثار، كما يضيف ميرغني، قائلا: «هناك العديد من التعديات على مبان أثرية مهمة جدا مثل (جامع المرداني) الذي يمتاز بمنبر نادر تعرض لسرقة حشوات العاج والأبانوس الخاصة به أكثر من مرة، بجانب مسجد (أبو حريبة) الذي تعرض لعمليات بناء أبراج خرسانية وهدم للبيوت المجاورة له، مما يعرضه للانهيار». يستطرد قائلا: «أعتقد أن منظومة حماية الآثار والأماكن التاريخية في مصر بحاجة إلى إعادة تأهيل من جديد، وإن كنت مستبشرا بقرارات المحافظة ووزارة الآثار بإزالة التعديات من تلك الأماكن».
من جانبه، يقول خالد مصطفى، المتحدث الإعلامي باسم محافظة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أنه بعد أحداث الثورة المصرية (في 2011) والانفلات الأمني الذي أعقبها، أصبح التعدي على أراضي الدولة بمثابة سمة مرحلة، تتصدى له كل الأجهزة المعنية، قبل أن يشكل خطرا حقيقيا، بدأته المحافظة منذ أيام بتطوير المواقع التاريخية في منطقة القاهرة القديمة والأهرامات وشارع المعز، والآن تستكمل عمليات إزالة الإشغالات والتعديات على المواقع الأثرية، خاصة في شارع الجمالية بمنطقة الحسين التاريخية وعدد من المباني الأثرية الأخرى في منطقة الدرب الأحمر، بعد أن طالتها العديد من التعديات المتعارضة مع الاشتراطات البنائية مثل البناء على حرم جامع، أو بناء أدوار سكنية على مبان تاريخية مثل (جامع المرجي) بمنطقة الدرب الأحمر، وذلك بعد أن جرى البناء عليه في أرض ملك لهيئة الأوقاف».
ويضيف مصطفى: «هناك نية من المحافظة لاستكمال إزالة كل التعديات بمنطقة القاهرة التراثية بالتنسيق مع مديريات الأمن، حتى تعود تلك الأراضي والمباني التي تشكل جزءا مهمًا من تاريخ البلاد، إلى الدولة من جديد».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».