سيارة مفخخة تقتل عشرات في مقديشو

الرئيس الصومالي قبل حفل تنصيبه رسميًا: الأدلة تشير إلى تورط حركة الشباب

جندي صومالي في موقع التفجير أمس (رويترز)
جندي صومالي في موقع التفجير أمس (رويترز)
TT

سيارة مفخخة تقتل عشرات في مقديشو

جندي صومالي في موقع التفجير أمس (رويترز)
جندي صومالي في موقع التفجير أمس (رويترز)

ارتفع أمس عدد ضحايا أحدث عملية إرهابية استهدفت تقاطعًا مزدحمًا في العاصمة الصومالية مقديشو، إلى 30 قتيلاً، بعد انفجار سيارة مفخخة في سوق شعبية بمديرية حي وذجير بالعاصمة مقديشو، قبل يومين فقط من الموعد الرسمي لتنصيب الرئيس الجديد محمد عبد الله فرماجو، وفقًا لما أبلغته مصادر أمنية صومالية لـ«الشرق الأوسط».
ولم يتضح بعد مدى تأثير هذا الهجوم على مراسم تنصيب فرماجو رسميًا رئيسًا للبلاد في احتفال من المقرر أن يتم يوم الأربعاء المقبل، بحضور مسؤولين عرب وأجانب وسط إجراءات أمنية مشددة.
وفى أول تعليق رسمي له على الهجوم، قال الرئيس فرماجو إن الأدلة تشير إلى تورط حركة الشباب في الهجوم الذي وصفه بأنه مدمر وسريع، داعيًا في تغريدة له عبر موقع «تويتر» إلى وحدة الشعب والجيش في مواجهة الإرهاب والمتطرفين.
من جهته، قال وزير الخارجية الصومالي عبد السلام عمر، إن ما أسماه بالهجوم الجبان لن يمنعنا عن مواصلة التقدم ولن يهزم جهودنا الجماعية لتحقيقه.
ونقلت وكالة الأنباء الصومالية الرسمية عن رئيس حي وذجير في وقت سابق للوكالة: «إن التفجير كان ضخمًا واستهدف سوق كواو غدو بمقديشو».
وقال أحمد عبد الله، رئيس بلدية واداجير في العاصمة مقديشو، حيث وقع الهجوم، إن الهجوم الانتحاري الذي لم تعلن أي جماعة بعد مسؤوليتها عنه، قد أسفر عن سقوط 18 قتيلاً وإصابة 25 آخرين على الأقل.
وقال شاهد إن الانفجار وهو أول هجوم كبير في العاصمة الصومالية منذ انتخاب فرماجو، قد دمر السوق، رغم انفجارات نجمت عن قذائف هاون تخللت عملية انتقال السلطة الأسبوع الماضي، وتبنتها حركة الشباب الإسلامية.
وقال المسؤول الأمني المحلي محمد جيليبي: «أحصينا نحو 14 قتيلاً و30 جريحًا، والمنطقة هي تقاطع مزدحم، وكان هناك عدد كبير من المدنيين لحظة وقوع الانفجار»، فيما قال مسؤول آخر يدعى ضاهر أحمد إن «حصيلة القتلى مرتفعة جدًا، تم تأكيد مقتل أكثر من 10 أشخاص وإصابة آخرين». ولفت شهود إلى أن الانفجار استهدف تقاطعًا في مقاطعة مادينا بجنوب مقديشو، حيث جنود ومدنيون وتجار.
وقال أحد شهود العيان: «كان هناك كثير من صغار التجار على جانب الطريق ومقاهي الشاي والمطاعم. وكان هناك أيضًا أفراد من قوات الأمن والمتسوقين، وكان الانفجار ضخمًا بحيث قتل نحو 20 شخصًا معظمهم من المدنيين».
ويؤكد الهجوم التحدي الذي يواجه الرئيس الجديد، الذي ورث إدارة تسيطر في شكل محدود على الأراضي الصومالية بسبب وجود حركة الشباب، إلا أنها مدعومة بشكل كبير من المجتمع الدولي. وكانت حركة الشباب قد كررت أمس تهديدات وجهتها خلال الأسبوع الماضي على لسان حسن يعقوب أحد قادتها الميدانيين، بمواصلة عملياتها الإرهابية في العاصمة مقديشو، تعبيرًا عن رفضها لانتخاب فرماجو رئيسًا للبلاد للسنوات الأربع المقبلة. وقال يعقوب في تصريحات نشرتها محطة إذاعية محلية موالية لحركته المتطرفة، إن الحركة ستهاجم أي شخص أو جماعة يتعاونون مع فرماجو الذي اعتبره غير وطني ومرتدًا، بسبب حمله الجنسية الأميركية، وأنه سيكون أسوأ ممن سبقوه إلى السلطة في الصومال، لافتًا إلى «أننا سوف نقاتل ضده خلال فترة ولايته أربع سنوات». وتم انتخاب فرماجو رئيسًا بأغلبية كاسحة في انتخابات غير مباشرة من قبل البرلمان الصومالي جرت في الثامن من الشهر الحالي، في قاعدة جوية محصنة تحرسها قوات حفظ السلام الأفريقية (أميصوم). ولقي انتخاب فرماجو ترحيبًا دوليًا ومحليًا واسعًا، علمًا بأنه تعهد بإعطاء الأولوية خلال فترة رئاسته للبلاد، لتحقيق الأمن والعدالة ومساعدة الفقراء والمتضررين من الجفاف، كما أكد أن قوات الاتحاد الأفريقي ستبقى في البلاد حتى تتم إعادة بناء الجيش الوطني. لكن حركة الشباب التي فقدت أخيرًا كثيرًا من معاقلها الرئيسية في جنوب ووسط الصومال، اعتبرت في بيان لها أن تصريحات فرماجو تثبت أنه ليس على استعداد لسحب القوات الأجنبية من البلاد التي تعانى منذ سقوط نظام حكم الرئيس الأسبق سياد بري عام 1991، من الفوضى والعنف، حيث تنشط ميليشيات قبلية وعصابات إجرامية وجماعات إسلامية متطرفة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟