جائزة أدبية تحمل اسم الكاتبة مي غصوب في الذكرى العاشرة لرحيلها

أمسية مليئة بشهادات حية عن مسيرتها العملية من أقرب أصدقائها

الإعلان الخاص بحفل تكريم مي غصوب في الذكرى العاشرة لرحيلها
الإعلان الخاص بحفل تكريم مي غصوب في الذكرى العاشرة لرحيلها
TT

جائزة أدبية تحمل اسم الكاتبة مي غصوب في الذكرى العاشرة لرحيلها

الإعلان الخاص بحفل تكريم مي غصوب في الذكرى العاشرة لرحيلها
الإعلان الخاص بحفل تكريم مي غصوب في الذكرى العاشرة لرحيلها

في ذكرى مرور 10 أعوام على رحيل الكاتبة والفنانة التشكيلية مي غصوب، أقام لها أصدقاؤها حفلا تكريميا أعلنوا خلاله عن جائزة أدبية تحمل اسمها. حضر الحفل الذي أقيم في متحف سرسق في الأشرفية عدد من أهل الثقافة في لبنان، ومجموعة من أصدقائها، إضافة إلى زوجها الصحافي والكاتب حازم صاغية.
واستهل الحفل الذي عبق بالحنين إلى ماض غني بالثقافة الفنيّة بكل أنواعها، وظهرت فيه علامات التأثر على الوجوه، بعرض ريبورتاج مصوّر حمل رسائل من بعض أصدقاء الفنانة اللبنانية الراحلة، الذين عرفوها عن كثب وواكبوا أهم محطّاتها الثقافية، فتحدّثوا عن علاقتهم الوطيدة بالفنانة التشكيلية الراحلة، مبرزين أهم الإنجازات الثقافية التي حققتها في لندن، وذلك أثناء غربتها عن لبنان قسرا، وبفعل اندلاع الحرب فيه حينها.
وكانت للكاتبة حنان الشيخ كلمة تحدثت فيها عن الفرق الذي أحدثته الفنانة الراحلة على الساحة الثقافية العالمية من خلال تأسيسها «دار الساقي» في لندن، فكانت بمثابة الواحة العربية المميزة في العاصمة البريطانية. كما تحدّثت الإعلامية ديانا مقلّد واصفة الراحلة بصاحبة المفاجآت الثقافية المتتالية، إذ كان الجميع في بلاد الغربة (لندن) ينتظر لقاءها بحماس، خصوصا عندما كانت تعود من بيروت حاملة في جعبتها الأفكار النيّرة. كما تضمّن الريبورتاج رسائل مصوّرة لصحافيين وفنانين وكتّاب آخرين، أمثال عبده وازن، وغريتا نوفل، والنائب السابق عبد الله فرحات، والذي كان أحد المقرّبين منها.
ومن ثمّ ألقى الكاتب حسن داود كلمة تحدّث فيها عن ميزات مي غصوب الفنانة والإنسانة والكاتبة، فهو عرفها عن كثب، وكان في كل مرة يلتقيها تترك لديه تساؤلات حول هذه الطاقة الإيجابية التي كانت تتحلّى بها فتلامس كلّ من عرفها. كما تلا ذكرياته معها وكيف كانت لديها القدرة على تطويع الحديد وتحويله إلى منحوتات لأجسام نساء راقصة، وهي تقوم في نفس الوقت بمحاورته وبتناولها القهوة، ناشرة صدى ضحكتها الزاهية في الأجواء مرة واحدة. وتحت عنوان «إعادة النظر بأدب مي غصوب» تحدثت صديقتها روزان خلف عن مدى حبّ مي غصوب لمدينتها بيروت، فيما قرأت صديقة أخرى لها بعض الرسائل المتبادلة بينهما أثناء اندلاع حرب يوليو (تموز) في لبنان في عام 2006، عندما دعتها لاستضافتها في منزلها في لندن لتكون في أمان.
وفي غضون تلك الشهادات الحيّة والتي شارك فيها أيضا كلّ من الشاعرين طوني بولاد وعباس بيضون، تمّ عرض ريبورتاجات أخرى أطلّت فيها مي غصوب وهي تتحدث مرة عن تأسيسها لـ«دار الساقي» في لندن، والتي تحولت مع الوقت إلى تظاهرة ثقافية عربية هناك، ومرة أخرى عن كيفية تعرّفها إلى أغاني الراحلة أم كلثوم، رغم أن كلماتها لم تكن تتماشى وأفكارها التحررية حول المرأة في تلك الفترة. وفي مقابلة تلفزيونية أخرى روت مي غصوب كيفية رفضها لما كان يجري في «سجن أبو غريب» في العراق، متناولة أساليب التعذيب التي مورست على سجنائه أثناء الحرب الأميركية العراقية، ولا سيما من قبل العنصر النسائي، مما أثار غضبها ودفعها إلى كتابة أول مقالة سياسية لها.
وبعد مرور سريع على المسرح لزاهر قصّار ابن شقيقة الراحلة (هدى)، تحدّث خلاله عن التأثير الإيجابي الكبير الذي انطبعت به شخصيّته بفضل أفكار خالته العصرية. وقدّمت ناتاشا، وهي زوجة هذا الأخير، رقصة إيمائية على موسيقى الناي، أهدتها إلى روح الفنانة الراحلة، وقد ارتدت خلالها حليا وجواهر قدمتها لها هدى شقيقة الفنانة الراحلة، وهي تعود إلى مي غصوب.
وبعد وقفة مع أعمال مي غصوب الفنية والثقافية، أطل واحد من أصدقائها (النحات سهيل سليمان) ليقدّم عرضا بصريا أشبه باسكتش فكاهي، أخبر فيه الحضور عن واحد من مشروعات مي غصوب التي لم تستطع تحقيقها، ويتعلّق بعمل فنّي يدور حول قوارير الكاوتشوك للمياه الساخنة، والتي كان يحملها على كتفه. وبعد عرض حي على شاشة عملاقة توسّطت المسرح، الذي حمل صورا فوتوغرافية لمي غصوب وأفراد عائلتها، اعتلى زوجها حازم صاغية المنصّة ليتلو مقطعا من أحد كتبها تتناول فيه تلك العلاقة الغريبة التي تدور بين المرأة اللبنانية والعاملة الأجنبية لديها، طالبة منها في الختام أن تفكّ أسر الاستعباد عن تلك الفتيات ليطِرن نحو الحريّة.
واختتم الحفل بالإعلان عن «جائزة مي غصوب الأدبية» لأفضل رواية أدبية، سيباشر العمل فيها ابتداء من عام 2018، على أن تجري عملية اختيار هذا العمل خلال العام الحالي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».