الليلة إعلان النتائج لدورة نصف ناجحة

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي (7) : لا القدامى قدّموا أفضل ما لديهم ولا الجدد فاجأوا النقاد

من فيلم شلندورف «عودة إلى مونتوك» - هيام عباس وجولييت نفيس في «إنسرياتد»
من فيلم شلندورف «عودة إلى مونتوك» - هيام عباس وجولييت نفيس في «إنسرياتد»
TT

الليلة إعلان النتائج لدورة نصف ناجحة

من فيلم شلندورف «عودة إلى مونتوك» - هيام عباس وجولييت نفيس في «إنسرياتد»
من فيلم شلندورف «عودة إلى مونتوك» - هيام عباس وجولييت نفيس في «إنسرياتد»

يشرف مهرجان برلين السينمائي الدولي على نهايته هذا المساء بعدما عرض في مسابقته 21 فيلما ومئات الأفلام خارجها. وحتى الخامس عشر من هذا الشهر، كان عدد التذاكر المبيعة إلى الجمهور تجاوز نصف مليون تذكرة على جميع العروض، ومنها «الفورام» و«فورام إكستندد» و«بانوراما» وتلك التظاهرات الخاصّة والتي كان من بينها هذا العام تظاهرة لسينما الخيال العلمي. هذه الأفلام تأتي جاهزة لكي تحقق صدى ما قد يقع وقد لا يقع، إلا أن الأفلام تقدّم ما عليها تقديمه تاركة الحكم ورد الفعل إلى الجهور. ومجهّزة دومًا بصورة وصوت نقيين. لكن هذا كله لا يصنع وحده الفيلم الجيد، ونصف ما عرض على شاشة المسابقة متواضع القيمة في محصلته النهائية. وفي حين كان الأسبوع الأول واعدا بفضل الفيلم الفرنسي «دجانغو» لإيتيان كومار والمجري «عن الجسد والروح» لإديكو إنييدي والبولندي «أثر» لأنيشيكا هولاند. تبخرت الأفلام اللاحقة في ضباب المدينة ومعظمها عرض في النصف الثاني من المهرجان الذي انطلق في 9 من الشهر وينتهي في 19 منه. الاستثناء هو فيلم آكي كوريسماكي «الجانب الآخر من الأمل» (فنلندا). أما تلك التي تناثرت حوله وجدناها تفشل في تأكيد استحقاق وجودها على شاشة المهرجان الرسمية. هل هي أفضل ما توفر للمهرجان فعلاً؟ هل غضت لجنة الاختيار النظر عن أفلام كانت أكثر أهلاً للمسابقة بسبب معطيات لا نعرفها؟ أم أنها، ببساطة، مسألة سوء اختيار؟

صادم ومفزع
كما ورد في رسالة سابقة، تناول «الجانب الآخر من الأمل» حكاية مهاجر سوري وصل إلى هلسنكي ناشدًا البقاء إلى أن ينجح في البحث عن شقيقته التي تاهت منه عند بعض الحدود الأوروبية فذهب كل منهما في طريق. لا ينوي المخرج المعروف تحويل الفيلم إلى أي وجهة أخرى غير وجهة تقديم ما يعانيه بطله من أوضاع بطالة وتسكع وعنصرية في شوارع المدينة المظلمة. لا يحوّله إلى فيلم تشويقي بل يكتفي بما تفرزه الحكاية من أوضاع إنسانية علمًا بأنه ليس أهم وأفضل ما أنجزه كوريسماكي في حياته من أعمال.
في الموضوع السوري نفسه، وفي تظاهرة «بانوراما» تم تقديم فيلم آخر عنوانه «إنسرياتد» Insyriated (كلمة مركبة عن التحول إلى تكوين سوري) للمخرج البلجيكي فيليب فان لييو، الذي سبق له أن عمل مدير تصوير، و«إنسرياتد» هو فيلمه الثاني مخرجًا. التمويل جاء أساسًا من بلجيكا وفرنسا مع اشتراك لبناني محدود (ربما على صعيد تقديم خدمات التصوير كموقع وتجهيزات). من الوهلة الأولى هو فيلم صادم ومفزع: عائلة مكوّنة من أم ووالد زوجها، و3 أولاد، ومن جارة لها تسكن الطابق الأعلى، محكومون بالبقاء داخل المنزل الكبير في بناية على خط النار في مكان ما من مدينة دمشق. يبدأ الفيلم في الصباح الباكر عندما يخاطر زوج الجارة بالخروج من العمارة فيصاب بطلقة قنّاص، ويقع أمام ناظري الخادمة دلهاني (جولييت نفيس) خلف سيارة متروكة. تخبر صاحبة البيت أم يزن (هيام عبّاس) بما حدث فتطلب منها هذه الصمت التام وعدم إخبار الجارة حليمة (دياموند أبو عبّود) بما وقع. غاية أم يزن أن تحافظ على أمن البيت بأي ثمن. لكن الأمر ليس سهلاً في وضع غير مستتب ومحاط بالاحتمالات. وهذا يتأكد عندما يقتحم رجلان غير محددا الانتماء البيت. في حين كان الجميع قد هرع إلى المطبخ، وجدت الجارة حليمة نفسها في مواجهتهما وأحدهما يعتدي عليها جنسيًا قبل خروجه وزميله. هذا الوضع يفصح عن نفسه بنفسه: لقد حمت الجارة باقي الأسرة من القتل أو الاغتصاب أو السرقة (أو كل هذه الأفعال معا) بجسدها وهي بعد لا تعرف أن زوجها ملقى على بعد أمتار قليلة من البناية. عندما تعلم تتطوّر هذه الدراما إلى وضع آخر وتهرع وابنا الجارة (شاب وفتاة) إلى تعريض أنفسهم للخطر بغية معرفة مصيره، ويكتشفون أنه ما زال حيًا. ينتهي الفيلم بتأكيد الحالة الصعبة لحياة هذه النماذج من المواطنين، لكن مع أمل معلّق بأن حليمة وطفلها سوف يفران بصحبة بعض شباب المنطقة الذين لا هم من رجال النظام على ما يبدو ولا هم من رجال المعارضة، ولا الفيلم يريد أن يصيب برصاصه أيًا من فرقاء القتال، مكتفيًا بالحالة الإنسانية الماثلة.
بهذا كله كان الفيلم أكثر صلاحية من بعض ما عرض من أفلام المسابقة. لكن هذا كله لا يعني أنه بلا أخطاء في تركيبته الدرامية: قيام المخرج بكسر ثيمة البقاء في الموقع الداخلي الواحد عبر مشهد واحد (التسلل إلى مكان رقود الزوج خلف السيارة) لم يكن يستدعي الخروج عن التركيبة السائدة. كان يمكن تصوير المشهد من داخل البيت وبلا حوار، ولو فعل المخرج ذلك لحافظ على وحدة العمل بشكل أفضل.
كذلك يستدعي الفيلم احتمال أن تكون الأحداث وقعت في دمشق من دون ذكرها. ما هو مذكور هو أن المبنى يقع على بعد نصف ساعة من سجن المزّة. لكن بوجود أصوات قصف دائم ومعارك محتدة وقنص، فإن حلب أو حمص هما المكان الأمثل لكي تقع الحكاية في أي منهما.

تسجيلي ولكن...
في قسم «بانوراما» الخاص بالأفلام التسجيلية، تم عرض آخر عمل للمخرج الجزائري مرزاق علواش وعنوانه «تحقيق في الجنة». شهد إقبالاً كبيرًا هنا (كما حال «إنسرياتد») بسبب موضوعه، فهو تحقيق حول جذور التطرف الإسلامي في الجزائر، وكيف يغرر بالشباب لضمّهم إلى آيديولوجيته. هناك هذه الصحافية الشابة نجيمة التي تحتفظ على الكومبيوتر بجزء من خطاب متشدد تعرضه على نماذج مختلفة من الناس، طالبة منهم رأيهم فيما يقوله الخطاب في موضوع الجنة وحورياتها لكل من يدفع حياته مجاهدًا. هناك قضية حقيقية يثيرها الفيلم ذو الشكل التقريري - البحثي القائم على تصوير الصحافية وفريقها ورحلاتها ومقابلاتها مع من تستفتيهم في الموضوع، وهي قضية إيعاز المتشددين للناشئة بأن الموت أفضل من الحياة واختيار لا بديل له، وكيف أن المشروع الماثل هو إلهاء الناس عن المطالبة بوضع أفضل من السُلطة في أي مكان يتم فيه نشر هذه الدعوات. هذا جيد باستثناء أن المضمون يستند إلى عبارة قالها خطيب ما غير معروف وتتردد في كل مرّة تقوم بها الصحافية (التي تمثل المخرج في هذه الحالة) بلقاءاتها. أليست هناك من قضية أخرى تستحق التركيز؟ مسائل أخرى مختلفة تستحق البحث والتحقيق؟ مرزاق علواش يعمد لطرح السؤال ذاته (وتفاصيله الصغيرة) طوال ساعتين ونصف، ولا يجد خاتمة مقبولة تمنح المشاهد في نصف ساعته الأخيرة ما سبق له وأن أدركه بعد الساعة الأولى أو حتى قبلها. فلا الاسترسال في البحث جيد ولا تقديم دواعي النقد للتطرف وتغييب الأوجه المعتدلة كاف.
إلى ذلك، ما هو تسجيلي (كشكل) ليس ثابتًا. المخرج هو الذي يوجه الصحافية في تحقيقها وهو بالتالي يطلب منها قدرًا من التمثيل غير الدرامي، لكن على نحو أنه وقتما تطلب من شخصية ما أداء حركة أو توجهها صوبها، فإن الناتج تركيبة غير صافية في فهم وصقل الفيلم التسجيلي.

توقعات الفوز
بالعودة إلى أفلام المسابقة، توالت، كما تقدّم، أفلام لم تثر كثيرا من ردات الفعل الإيجابية. وفي مقدّمتها فيلم المخرج الألماني فولكر شلندورف «عودة إلى مونتوك»: حكاية مؤلّف ألماني موهوب اسمه ماكس زورن (ستيلان سكارسغارد) يصل إلى نيويورك ضمن حملة ترويجية لكتابه الجديد. حضور الجمهور جيد والإعلام يوجه كاميراته وأقلامه للحوار معه، لكن غايته غير المعلنة هي زيارة صديقته القديمة ربيكا (نينا هوس) التي باتت اليوم من كبار محامي العقارات. هذه تستقبله بفتور بادئ الأمر ثم تصبح أكثر رحابة فيما بعد، والاثنان يقومان برحلة صوب منطقة ساحلية في ولاية نيويورك اسمها «مونتوك». خلالها يتناوبان دفع المشاعر العاطفية إلى السطح، لا عبر مشهدي حب فقط، بل عبر عشرات العبارات الحوارية التي تسكب المعالجة الأوروبية على فيلم لا يريد أن ينخرط في كشف جديد في موضوعه ولا في أسلوب سرد الموضوع. النتيجة فاترة رغم تمثيل لا بأس به، لكنه ليس أخاذًا أو رائعًا كما أوحى البعض. لا هذا الفيلم ولا «آنا، حبي» لكالن بيتر نتزر (مقدم باسم رومانيا) ولا «على الشاطئ وحيدة ليلاً» للكوري هونغ سانغسو ولا الفيلم الصيني «تمتع بيوم جميل» (Have a Nice Day) وكلها عرضت متأخرة في البرنامج، حركت جمودًا طارئًا لا تفسير له.
هذا الفيلم الأخير من نوع الرسوم المتحركة… أو بالأحرى الرسوم التي تكاد أن تتحرك؛ لأن تقنيات العمل فقيرة التعبير. الحركات تقفز بين الكادرات ولا تعرف السلاسة، والمخرج ليو جيوان يكتفي بأقل حركة ممكنة من الممثل الذي أمامه (مثل حركة الشفاه) بينما باقي الجسد وباقي الشخصيات المحيطة جامدة. هذا أسوأ صنعًا من برامج التلفزيون الأميركية القصيرة في مجال الأنيميشن ذاته.
إذن ما الذي ستفعله لجنة التحكيم حيال كل ذلك؟ أي أفلام ستعلن فوزها مساء هذا اليوم؟ هل تذهب إلى فيلم يطرح موضوعات اجتماعية واقعة مثل «دجانغو» الذي يطرح ما حل بالغجر أيام النازية، في وقت تشتد فيه العواصف العنصرية في أكثر بقاع العالم، أو مثل «الجانب الآخر من الأمل» الذي يواكب رحلة المهاجر الشاب الباحث عن شقيقته؟
أو هل يبتعد عن الواقع صوب فيلم محايد؟ إذا ما حدث، هل سيكون «العشاء» لأورن موفرمان أو «العودة إلى مونتوك» لفولكر شلندورف؟
هل يرى في فيلم أنيشيكا هولاند خلاصًا بين الوضعين؟ أو يجد في فيلم ستانلي توتشي «البورتريه النهائي» الحاجة للالتزام بتشجيع عمل مبني على سيرة حياة وفنان (وهو حال «دجانغو» أيضًا)؟
لا داعي للتوقع في هذا الشأن، فالأفلام الجيدة متساوية الحسنات والرديئة متساوية السلبيات، وحسابات لجان التحكيم عادة ما تخرج عن المتوقع على أي حال.
ما هو ثابت هو أن الكبار في مهنة الإخراج، مثل شلندورف وهولاند وسالي بوتر (في «الحفلة») وكوريسماكي وأليكس دي لا أنغلزيا («البار») لم يقدموا أفضل أفلامهم، والجدد لم ينجزوا ما يمكن اعتباره اكتشافًا ذا قيمة. بالنسبة للتمثيل، هناك أمل في أن يُمنح فريق ممثلي فيلم «الحفلة» (من بينهم باتريشا كلاركسون وكرستن سكوت توماس وتيموثي سبول) جائزة تمثيل جماعية، لكن هناك مزيدًا من الأداءات التي يمكن بحثها وطرحها على مائدة لجنة التحكيم، مثل دانييلا فيغا (عن «امرأة بديعة») وأنيشيكا ماندات («أثر») ورضا كاتب («دجانغو») وجفري رَش («البورتريه النهائي»). الاختيارات متعددة كذلك أسباب الحيرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».