«مقهى 1951» بكاليفورنيا يقدم التوعية بشأن قضية اللاجئين مع القهوة

عماله لاجئون من سوريا وبوتان وأفغانستان وأوغندا وإريتريا

اللاجئة السورية راما تعمل في «1951 كوفي كومباني» (أ.ف.ب)
اللاجئة السورية راما تعمل في «1951 كوفي كومباني» (أ.ف.ب)
TT

«مقهى 1951» بكاليفورنيا يقدم التوعية بشأن قضية اللاجئين مع القهوة

اللاجئة السورية راما تعمل في «1951 كوفي كومباني» (أ.ف.ب)
اللاجئة السورية راما تعمل في «1951 كوفي كومباني» (أ.ف.ب)

أراد مقهى «1951 كوفي كومباني» الذي فتح أبوابه مؤخرا في كاليفورنيا، والذي يقدم هذا المشروب الساخن بأنواعه للزبائن عبر توظيفه لاجئين لتوفير مساحة للتوعية بشأن هذه القضية التي تشغل البلاد.
المقهى الذي أسسته ريتشل تيبر وداغ هيويت يوظف لاجئين من مختلف البلدان، من سوريا وبوتان وأفغانستان وأوغندا وإريتريا، يريدون بدء حياتهم مجددا بعد هربهم من الحروب أو الاضطهاد.
وكان المقهى قد افتتح في بلدة بيركلي الجامعية قبل أيام على إصدار الرئيس دونالد ترمب الأمر التنفيذي المثير للجدل بحظر دخول اللاجئين والمسافرين من سبع دول ذات أكثرية مسلمة، الأمر الذي أثر بالسكان؛ فبدأوا يتوافدون بكثافة إلى المقهى تعبيرا عن تضامنهم، في حين يتذوقون نكهات القهوة المختلفة، حسب ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وقالت تيبر، 34 عاما، مؤخرا: «لم يكن التوقيت جزءًا من خطتنا على الإطلاق، لكن المكان يعج بالزبائن منذ افتتاحه»، وباتوا يتوافدون إليه بانتظام في الصباح. وأضافت تيبر: «بالعادة تخسر المقاهي المال عند الافتتاح لكننا سعداء جدا لاستجابة الزبائن».
ويرى تيبر وهيويت، الموظفان السابقان في «لجنة الإنقاذ الدولية» التي تساعد اللاجئين على الاستقرار، أن المقهى وسيلة مناسبة لتوعية الجمهور بشأن قضية تستحوذ على الاهتمام في البلاد حاليا.
استوحي اسم المقهى من اتفاقية 1951 حول وضع اللاجئين، الصادرة عن الأمم المتحدة، فيما اشتمل تصميمه الداخلي بألوان القهوة على حائط يخط بالموزاييك رحلة من رحلات المعاناة التي يعيشها اللاجئون.
من تلك العناصر إلى الموظفين المتخصصين بفنون القهوة يسعى المقهى إلى نقل رسالة جدية إلى زبائنه بشأن اللاجئين.
قالت سوزان ييزل، 57 عاما، في زيارتها الثانية إلى المقهى: «أعتقد أن الفكرة ممتازة... وسط الكم الهائل من التطورات السياسية السلبية هذا شيء صغير ومنتج وإيجابي يمكنني فعله». وقالت موريام شاودري، 21 عاما، الطالبة الجامعية في علم الأحياء إنها تأتي كل يوم تقريبا إلى المقهى برفقة زملائها، وهذه طريقتها للتعبير عن موقف سياسي مع كل رشفة قهوة.
أضافت الطالبة المحجبة: «علينا نحن المسلمين أن نتعاون، خصوصا في هذه الأيام» مشيرة إلى «أن كثيرين تنقصهم التوعية بشأن اللاجئين، حتى إنهم لا ينظرون إليهم كبشر بل كإرهابيين». وتابعت: «ولكن في بيئة كهذه تجعل الآخرين يرونهم بشرا».
يتلقى كل من موظفي 1951 العشرة حاليا تدريبا لمدة أسبوعين على أسس تحضير القهوة وأنواعها إلى جانب أصول خدمة الزبائن. ويهدف ذلك إلى تزويد اللاجئين بمهارات كفيلة بجعلهم قادرين على العمل في مهنة إعداد القهوة لتحقيق الاستقلالية في بلدهم الجديد. وقالت تيبر: «كل شركات تحميص وتوزيع وتغليف القهوة لديها مكتب في منطقة خليج سان فرانسيسكو، في قطاع لا يتطلب العمل فيه بالعادة إجراءات ترخيص أو تدريب مكلفة».
كذلك أشار هيويت إلى انتشار المقاهي العصرية بكثرة في منطقة خليج سان فرنسيسكو التي تشكل أحد معاقل الليبرالية السياسية، وسائر أرجاء البلد، ما يوفر فرصة للمتدربين للحصول على وظيفة.
وقال: «بالنسبة إلى الذين لم يتلقوا تعليما وافيا أو ليست لديهم مهنة ويريدون انطلاقة جديدة، نأمل أن يشجعهم هذا المشروع ويساعدهم في تعلم مهنة رائعة». وأكد عدد من الموظفين أن المقهى أحيا الأمل لديهم بعد أن وجدوا أنفسهم في صلب جدل حاد أثناء محاولة إعادة بناء حياتهم.
وقال نيكولاس ويبازا، 23 عاما، وهو لاجئ من أوغندا وصل إلى بيركلي قبل ثلاثة أشهر، إن المكان أصبح «بمثابة ملاذ» مضيفا: «أشعر بالارتياح هنا... إنه أكثر من مكان سلام، هنا عائلتي... كل منا يتفهم الآخر».
أما رنا التي غادرت سوريا برفقة والديها وثلاثة إخوة ووصلوا إلى الولايات المتحدة قبل عامين، فقالت إنها صدمت من موقف إدارة ترمب ضد اللاجئين. وطلبت الشابة البالغة 18 عاما عدم استخدام اسمها الحقيقي.
وقالت الشابة التي تطمح إلى دراسة الطب: «شعرت بالذعر بعد صدور الأمر التنفيذي»... «إن كانت أميركا لا تريدنا، فإلى أين سنذهب؟».
تابعت السورية الشابة التي كان والدها يملك مصنع ملابس ويشغل 50 موظفا في سوريا قبل اندلاع الحرب أن «الدعم المستمر الذي أبداه الزبائن في 1951 أسهم في طمأنتها». وقالت إن «المجتمع هنا متسامح جدا... والكل يفهم أننا بشر مثلهم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».