خمس سنوات تفصل الأحساء عن قائمة التراث العالمي في «اليونيسكو»

المشرف العام على مركز التراث العمراني الوطني: هناك حاجة إلى عمل دؤوب أكثر من الأمانة

خمس سنوات تفصل الأحساء عن قائمة التراث العالمي في «اليونيسكو»
TT

خمس سنوات تفصل الأحساء عن قائمة التراث العالمي في «اليونيسكو»

خمس سنوات تفصل الأحساء عن قائمة التراث العالمي في «اليونيسكو»

تمتد الفترة التي تعمل فيها أمانة الأحساء لتلبية متطلبات تسجيل مركز مدينة الهفوف التاريخي على قائمة التراث العالمي في اليونيسكو، لأكثر من أربع سنوات، لكن حتى الآن فإن الطريق أمام تحقيق هذه الغاية ما زال طويلا، وبحسب تقدير مختص في التراث العمراني، فإن أمام القائمين على هذا الهدف نحو خمس سنوات لتحقيق هذه الغاية.
ويمكن مشروع تطوير وسط مدينة الهفوف التاريخي الأحساء من الدخول إلى قائمة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتراث والثقافة (يونيسكو). وتنفذ أمانة الأحساء مشروع التطوير بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، التي تبنت بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية مبادرة لتحسين مراكز المدن التاريخية التي تضم تراثا عمرانيا ومفردات معمارية تقليدية متميزة، مثل: الرياض، وجدة، والطائف، وأبها، والهفوف، وغيرها من المدن، من خلال إعداد دراسات مشتركة متخصصة عن تطوير وسط المدن التاريخية.
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال الدكتور مشاري النعيم، المشرف العام على مركز التراث العمراني الوطني بالهيئة العامة للسياحة والآثار أستاذ النقد والعمارة بجامعة الدمام شرق السعودية: «مدينة الهفوف مرشحة بقوة لتدخل خلال فترة لا تتجاوز خمس سنوات ضمن تصنيف منظمة اليونيسكو العالمية المهتمة بالآثار».
وأضاف النعيم: «هناك حاجة إلى عمل دؤوب أكثر من قبل أمانة محافظة الأحساء وكذلك من ملاك المباني التاريخية في عدد من حواري مدينة وسط الهفوف مثل الكوت والنعاثل والرفعة الجنوبية، حيث إنه من المهم أن تكون هناك جمعيات تعاونية في كل حي تكون فيه شراكة حقيقية للمحافظة على الآثار الموجودة، ومن المؤكد أن هذه الجمعيات أو الشركات ستنال قروضا من قبل الدولة من أجل الاستثمار في هذا المجال لأن النتائج الإيجابية ستعود في النهاية بالفائدة عليهم بشكل خاص وعلى الوطن بشكل عام». وأضاف الدكتور النعيم: «تحويل الحواري التاريخية المذكورة إلى منطقة حقيقية للاستثمار من خلال إنشاء مطاعم ومقاه وحتى فنادق تراثية وغيرها مما يتعلق بتاريخ هذه المنطقة الواقعة في وسط الهفوف، سيعجل كثيرا بدخولها في منظمة اليونيسكو، ولا يمكن حصر المسؤولية فقط في الأمانة من أجل التكفل بإنجاز هذا الحلم الذي سيرفع بالتأكيد اسم الأحساء عاليا في المحافل العالمية المهتمة بالتراث». وشدد على أهمية أن تقوم الجامعات والكليات في الأحساء بدور فعال ورئيس مثل جامعة الملك فيصل وجامعة الإمام محمد بن سعود، «حيث إن شراء هذه المباني في المناطق التاريخية وتطويرها وإقامة أنشطة وندوات فيها، سيكون له دور فعال في تحقيق هذا الأمل الذي تدعمه بكل قوة الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة وعلى رأسها الأمير سلطان بن سلمان وبمتابعة دائمة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحريص على رقي كل بقعة في هذا الوطن ووصولها لمكانة متقدمة».
وأشار إلى أن تسجيل وسط الهفوف تحديدا في منظمة اليونيسكو ليس من السهولة التي يتوقعها البعض؛ «بل إن هناك تقييما أوليا يتم من خلال (الايكويس) من باريس، ثم يحصل تصويت دولي على التقارير، والأمر ليس بالسهولة التي يتوقعا البعض».
وبين أن مدينة جدة، وتحديدا المنطقة التاريخية، مهيأة أكثر من الأحساء في الوقت الراهن لـ«اليونيسكو»، «خصوصا أنه توجد مبان متماسكة، وهناك نشاط حياتي واضح في المنطقة التاريخية، وهذا مما يجعلها قادرة على الوجود في المنظمة الدولية».
وعاد النعيم ليؤكد أن «الأحساء ذات عراقة كبيرة، حيث توجد بها مبان عمرها أكثر من 800 سنة، وهذا يعني أنها قادرة ومهيأة والجميع يدعمها، ولكن من المهم أن يكون هناك نشاط أكثر من قبل أمانة الأحساء والتجار والأهالي على حد سواء من أجل أن ترتقي هذا المنطقة الغالية مكانة عالمية مرموقة تستحقها»، مشددا على أن الاستغناء عن مناطق تاريخية ومن سوق الذهب يضر بهذه الفرص في الدخول بالمنظمة الدولية.
وتمنى أن يكون لأمانة الأحساء؛ ممثلة في بلدية وسط الهفوف التراثية التي تم إنشاؤها مؤخرا، «دور فعال في تعزيز مكانة التراث في الأحساء ليأخذ وضعه الطبيعي بعد أن تتوافر فيه كافة الشروط اللازمة لينضم تحت المظلة الدولية للتراث العالمي، وهذا إن حصل، فلن يكون مكسبا للأحساء فحسب، بل للسعودية بشكل عام».
من جانبه، بين المهندس حسين الحرز، مدير عام المباني والمرافق بأمانة الأحساء ورئيس بلدية وسط الهفوف التاريخية التي ستتولى الاهتمام بالتراث في المحافظة، أنه «من المقرر أن تسجل المنطقة التاريخية التي تلقى اهتماما دائما من الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ حيث إن هناك تنسيقا وجهودا كبيرة لتصنيف هذه المنطقة من منظمة اليونيسكو عن طريق المركز الوطني للتراث العمراني التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار خلال فترة وجيزة». وأضاف: «تنال المنطقة التاريخية لمدينة الهفوف عناية كبيرة من قبل الأمانة، حيث أعلن أمين الأحساء المهندس عادل محمد الملحم مؤخرا عن إنشاء (بلدية وسط مدينة الهفوف التاريخي) التي سوف تعنى بمنطقة وسط الهفوف والتي تضم الأحياء المكونة للنسيج العمراني لمدينة الهفوف القديمة».
وأشار إلى أنه جرى الانتهاء مؤخرا من إعادة إنشاء سوق الحميدية القديم الذي يقع جنوب سوق القيصرية بالهفوف، وهو من الأسواق التاريخية المهمة في المنطقة حيث تم البناء في موقع السوق السابق نفسه، ولكن على مساحة أصغر. ويعد السوق على صغر حجمه رمزا معماريا هاما؛ حيث روعي في تصميمه إحياء العناصر المعمارية الخاصة بمنطقة الأحساء. كما أن الأمانة وبتوجيه من الملحم تعمل على تنفيذ برنامج إعادة بناء البوابات التاريخية في المنطقة التي تسمى (الدراويز)، حيث تم الانتهاء من إنشاء دروازة الحداديد ودروازة الكوت، ويتم حاليا إنشاء دروازة الخيل.
وحول ما يقدم لخدمة المستثمرين في سوق القيصرية، أشار إلى أن «الأمانة قامت بإنشاء مكتب لإدارة السوق يعمل به مشرفون ومراقبون على مدار 16 ساعة يوميا على فترتين صباحية ومسائية، وهي فترة عمل السوق، ويقوم هذا المكتب بمتابعة أعمال النظافة والصيانة الخاصة بالسوق، كما يتلقى شكاوى واقتراحات الباعة والمتسوقين. كما خصصت الأمانة عددا من رجال الأمن على مدار 24 ساعة يوميا طوال أيام السنة لتعزيز الحالة الأمنية بالسوق، بالإضافة إلى ذلك، يجري حاليا تركيب نظام مراقبة بالكاميرات للسوق بالكامل».
وحول مصير بعض المناطق الأثرية التي لم تجد الاهتمام اللازم مثل مسجد جواثا وغيره من الرموز التراثية بالمحافظة، قال المهندس الحرز: «يوجد تعاون مستمر بين الأمانة والهيئة العامة للسياحة والآثار، ومن ذلك دراسة إمكانات تطوير المباني والمواقع التاريخية وآليات تشغيلها من قبل الأمانة والاستفادة منها. ويعد تطوير موقع قصر محيرس التاريخي بالمبرز باكورة هذا التوجه والتعاون المثمر، الذي يعد تجربة رائدة على مستوى المملكة ستمكن كلا من الأمانة والهيئة من قياس مدى نجاحها وبالتالي التوسع في التطبيق ليشمل عددا أكبر من المواقع».
وعن المخصصات المالية من قبل الأمانة لإعادة إحياء التراث بالمحافظة، قال: «تخصص الأمانة سنويا وبدعم من الوزارة مبالغ لحزمة المشاريع الخاصة بالمنطقة التاريخية).
وحول ما يخص أبرز المكاسب من التوجه مجددا للاهتمام بالتراث العمراني، بين الحرز أن للاهتمام بالتراث العمراني مكاسب كبيرة على مختلف الأصعدة؛ «منها تعزيز صورة الهوية الوطنية للبيئة المبنية المحلية في المدن، والإسهام في الحركة الثقافية والسياحية والتجارية؛ حيث إنها ذات مردود اقتصادي مؤثر»، مضيفا أن أمانة الأحساء تنظر لاهتمامها بالتراث العمراني من باب المسؤولية الاجتماعية والثقافية والبيئية للمنطقة.
وشدد على العزيمة والجدية لتكون الأحساء خلال فترة وجيزة ضمن الأماكن المصنفة في المنظمة العالمية للتراث والآثار، «خصوصا أنها تملك كل عوامل الحصول على هذا الشرف الذي سيرفع اسم المملكة عاليا، كذلك من حيث المحافظة على التراث، خصوصا في ظل وجود مناطق تراثية تاريخية أخرى في محافظة جدة، وكذلك في الدرعية بالعاصمة الرياض».
وبين أن من أهم شروط الترشح لنيل تصنيف في اليونيسكو أن تكون المنطقة التاريخية المرشحة لم تشهد تطورا عمرانيا ولم يتم المساس بتراثها، وأن هذا متوافر في المنطقة التاريخية وسط الهفوف.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».