أفلام الرعب ما زالت تسود.. وتنجح وعددها في تزايد

25 فيلم رعب ستخرج إلى العلن لتنضم إلى سبعة أخرى سبقتها منذ مطلع هذا العام

جاك نكلسون في فيلم «اللمعان»
جاك نكلسون في فيلم «اللمعان»
TT

أفلام الرعب ما زالت تسود.. وتنجح وعددها في تزايد

جاك نكلسون في فيلم «اللمعان»
جاك نكلسون في فيلم «اللمعان»

هناك «حملة تطهير». لقد مر نحو عام واحد على الحملة الأولى وقريبا، في الثامن عشر من شهر يوليو (تموز) المقبل، تبدأ حملة جديدة. وتستطيع أن تقول إن الأولى كانت ناجحة. كيف لا وهي تكلفت ثلاثة ملايين دولار وحققت رصيدا بلغ 84 مليون دولار حول العالم.
أين وقعت؟ وقعت في كل مكان عُرض فيه فيلم بذلك العنوان «حملة تطهير» أو(The Purge) ما يعني أننا ما زلنا نتحدّث سينما هنا وليس في حملات تطهير واقعية ضد الفساد الإداري أو السياسي أو أي فساد آخر.
الفكرة التي قام عليها فيلم جيمس ديموناكو ذاك كانت أن الحكومة الأميركية، والحكومات حول العالم أو بعضها على الأقل، أعلنت عن يوم تُباح فيه الجريمة. افعل ما تشاء. دمّر. انهب. اعتدِ. اقتل.. أنت حر في هذا اليوم أن ترتكب ما تريد. لن يتصدّى لك أحد، إلا على حساب أمنه الخاص، ولن ترى رجال القانون يحاصرونك ويقبضون عليك محذرين إياك أن «كل شيء تقوله قد وسوف يؤخذ عليك في محكمة القانون».. أساسا لن ترى أيا منهم. إنه يوم القتل المجاني. يوم الجريمة بلا عقاب.
ديموناكو صنع فيلم رعب وتشويق جيّدا من هذه التوليفة، لكنه استند إلى مسألة تستحوذ الاهتمام وتعاود الإطلال في الجزء الثاني قريبا: لكي تصون الدولة نفسها بات عليها أن ترعى ما كانت ترفض رعايته من قبل. سمّ ذلك شراكة في الجريمة، لكن الأساس أنها أدركت أن إتاحة يوم في السنة لكي يفرغ الناس العنف الذي في الداخل سيصون المجتمعات من العنف لباقي أيام السنة. ربما في البداية، ماذا لو أن يوما واحدا لا يعود كافيا؟

* الخوف من الطبيعي
* سينما الرعب تمشي على القاعدة ذاتها. من الآن وحتى نهاية هذه السنة هناك نحو 25 فيلم رعب ستخرج إلى العلن لكي تنضم إلى نحو سبعة أفلام سبقتها منذ مطلع هذا العام. والقاعدة المشتركة هي أن الناس، في تفسير سيكولوجي تبنّاه أكثر من باحث، تريد أن تفزع لكي تنفث الرغبة الكامنة في داخلها بحيث تجمع من الفيلم أسلحة المواجهة إذا ما تعرّضت إلى الموقف ذاته. حسب سيغموند فرويد، لا غيره، العنف المتأتي من الصور والقراءات على حد سواء هو ترجمة لما اعتمر داخل الذات طويلا وتم كبته مع تحوّل المجتمع إلى حضاري. بكلمات أخرى، لأن الإنسان بات يعيش (نظريا على الأقل) على نحو حضاري فإن حبه لأفلام العنف (وكثير منها مدفون في سينما الرعب) عائد إلى أنه كان يود لو قام به هو نفسه لأن بعض خصائصه عدواني في الأساس. لكنه لن يقوم بذلك (هناك من يفعل بالطبع لكنهم قلة في نهاية الأمر) وسيستعيض بالبصبصة على آخرين يفعلون ذلك.
لكن حقيقة أن فرويد قال ذلك لا تعني أنه كان على صواب.
هناك المزيد من العنف اليوم عما كان عليه الحال في عهده. وفي عهده لم تكن السينما قادرة على تصوير رؤوس مقطوعة وأعناق مذبوحة وأطراف مقطوعة وضحايا ترقص كالدجاج المذبوح. تعاليمه تستمد قيمتها من الدراسات المنفردة لحالات تتبع نظاما من السلوكيات اشتغلت عليها السينما كثيرا من قبل. الآن ما توفره السينما لم يعد يخضع للمنطق. هاك أستاذ مدرسة في الفيلم الحالي «الهادئون»، إخراج جون بوك، يؤلف فريقا من التلامذة لصنع أشباح ظلام مستخدما الطاقة البشرية في ذلك. طبعا سترتد التجارب على أصحابها وشرور الإنسان الموضوعة في أشباح سوف تنطلق لممارسة العنف بلا هوادة.
حالة لا تختلف كثيرا مدفونة في طيات «خوف مسرحي» Stage Fear. العنوان ذاته مأخوذ بتحريف من العبارة التي تعني ما يشعر به بعض الممثلين الجدد عندما يتأهبون للوقوف على خشبة المسرح، لكن في فيلم جيروم سابل الذي سيعرض في التاسع عشر من مايو (أيار) المقبل هو أكثر علاقة بأسباب غير نفسية لهذا الخوف، فهناك مقنع يقتل ويذبح الممثلين الذين يقومون بالتمارين المسرحية.
في «دوار العين» أو Oculus المعروض حاليا أيضا يرمي المخرج الجديد (ومعظم مخرجي هذه الأفلام جدد) مايك فلاناغان إلى تقديم مرآة قديمة كمصدر للشرور. إنها تتمتع بقدرة غرائبية خارقة تدفع من أمامها لارتكاب الجريمة. تسيطر عليه. تقلبه إلى قاتل شرس. ليس بعيدا ما تقوم به عن أشرطة الفيديو الفتّاكة في «الخاتم» الذي نقلته هوليوود عن فيلم ياماني بالعنوان ذاته سنة 2002 وأنجز نجاحا كان من شأنه أن أنجبت بضعة أجزاء أخرى.

* انحراف
* في الواقع، تبدو أفلام الرعب اليوم ومنذ سنوات، خالية من كل منطق. في الوقت ذاته تنتمي إلى عالم دائما ما نشعر أنه على بعد خطوات منا. ربما هو في ذلك البيت الواقع في آخر الشارع، أو في شخص ذلك الرجل الغامض الذي لا يعرف سرّه. أو ربما في تلك البلدة القريبة التي تبدو لك آمنة وهادئة لكن الإشاعات تقول إنها مسكونة بالأشباح. وماذا عن ذلك المنزل القريب والمهجور الذي يوحي بأنه فجأة ما عاد مهجورا وأن هناك من يعيش فيه وربما كان يراقبك؟
للوصول إلى تخويفك على فيلم الرعب أولا تقديم حالة تبدو عادية تعرفها. في اللحظات التالية، سيجري نزع تلك الطمأنينة الناتجة عن الحالة العادية ورميها بعيدا. بطلا «حملة التطهير 2» رجل وامرأة يقودان سيارتهما بسرعة محاولين الوصول إلى البيت للتحصن فيه قبل غروب الشمس، ذلك لأن العطلة تبدأ من ذلك التوقيت. تقول له: «أسرع، الشمس ستغيب قريبا»، يقول لها مطمئنا: «لا تقلقي، كل شيء على ما يرام».. ما إن ينتهي من عبارته حتى تتوقف السيارة في ضاحية هي - في الأحوال العادية – خطرة.. ماذا عن حالها في يوم القتل المشاع؟
خروج المسافرين عن خط سيرهم الطبيعي هو منوال معتاد في أفلام الرعب.
في «الهضاب لها أعين» (1977) لمخرج كانت له إسهامات مهمّة في هذا المضمار هو لس كرافن، هناك تلك العائلة التي تنطلق في صحراء أميركا الوسطى في طريقها إلى كاليفورنيا. في لحظة ما، في مكان ما تنحرف السيارة عن الطريق الذي كان يجب عليها أن تمضي فيه لتجد نفسها وسط هضاب وتلال صخرية. ما إن يحل الظلام حتى تدرك أن المكان مسكون بوحوش آدمية تقتل للقتل وربما للأكل أيضا.
الفيلم تحوّل إلى إنجاز كلاسيكي في نوعه ما دفع لإعادة صنعه سنة 2006 في فيلم أخرجه أليكس آجا بالعنوان نفسه. في العام التالي تم صنع جزء ثان من تلك الإعادة من إخراج مارتن وايز. كلاهما لا يصل إلى مشارف الرعب المسجل في الفيلم الأصلي.
قبل «الهضاب لها أعين» بثلاث سنوات أنجز توبي هوبر «مذبحة تكساس المنشارية» Texas Chainsaw Massacre. الحبكة ذاتها: عائلة في سيارة تفقد طريقها. تجد نفسها في بلدة مهجورة إلا من قاطنين قلة من آكلي لحوم البشر.
سنة 1986 تم تقديم جزء ثان من إخراج توبي هوبر أيضا تم منعه في أستراليا بسبب عنفه ودمويّته. بعد ذلك تعددت النسخ المنتجة منه وأعيد صنعه مرّات والاستيحاء منه مرّات أخرى وصولا إلى فيلم بعنوان «مذبحة تكساس المنشارية: الجيل التالي» (1995) كما لو أن المسألة وراثية. وفي سنة 2006 تم تحقيق فيلم ينتقل إلى ما قبل الجيل الأول وجزء آخر بنظام الأبعاد الثلاثة خرج في العام الماضي كسابع فيلم في السلسلة.

* مسؤولية
* وس كرافن وتوبي هوبر كانا من بين سينمائيين اخترقوا المنوال التقليدي لفيلم الرعب في أواخر الستينات ومطلع السبعينات. أولهم جورج أ. روميرو الذي مال إلى الرموز السياسية في سلسلة أفلامه عن الموتى - الأحياء من الزومبيز وآكلي لحوم البشر. في عام 1968 حقق أول أفلامه في هذا الحقل «ليل الموتى - الأحياء» حيث أصاب فيروس فتّاك الشرق الأميركي نتج عنه تحوّل الآدميين إلى زومبيز يجولون في المزارع خارج المدن. من أول الفيلم يطالعنا فن التخويف: رجل وشقيقته في زيارة لقبر الأم. من بعيد يقترب رجل يسير على نحو غريب. لا شيء يبدو خارج المألوف للحظات.. ثم ها هو الرجل ينقض على الشاب والفتاة تهرب لاجئة إلى بيت ريفي لجأ إليه شاب أسود ثم عائلة بيضاء. شقيقها من بين المتحوّلين إلى تلك الوحوش الآدمية التي تحاصر البيت وتحاول اقتحامه. عندما مات كل من لجأ إلى البيت باستثناء ذلك الشاب الأسود، فتح عليه البوليس النار وأرداه معتقدا أنه من تلك الوحوش. لكن في الطريقة التي تم تنفيذ المشهد فيها، أطلق البوليس النار عليه لأنه أسود البشرة أولا.
بعد ذلك انتقل روميرو إلى المدن ووجد في «فجر الموتى» (1978) أن المسؤولية في هذا الوضع يعود إلى مجتمع استهلاكي سمح لنفسه باضطهاد تلقائي لمعظم الناس هم من أصيب بالفيروس. في الجزء الثالث «يوم الموتى» (1985) شاهدناه يرمي العسكر بالمسؤولية نتيجة تجاربهم غير الآمنة، ثم هو الإعلام والتكنولوجيا في «أرض الموتى» (2005) وواشنطن والمؤسسة في «يوم الموتى» (2008). على ذلك كله، بقي مخرجا جيّدا للنوع. أفلامه تخيف على مستويين: مستوى الفكرة التي قد تتحوّل إلى حقيقة، ومستوى إخراج المشاهد بحد ذاتها.

* الأداة والرمز
* الجامع بين سلاسل «الهضاب لها أعين» و«مذبحة تكساس المنشارية» و«ليل الموتى - الأحياء» هو التخويف مما يتبدّى أمرا لا غبار عليه. طبيعي إلى حد بعيد قبل أن ينفجر في عنف كبير. لكن إذا ما لجأ وس كرافن وتوبي هوبر إلى العنف الدموي للتأثير فإن العنف في أفلام روميرو بقي نتيجة اللعبة الإخراجية القائمة على عنصر التشويق. لكن حقيقة أن التخويف من حياة كل يوم وقد أصبحت كابوسا (والتي ينضم إليها سلسلة أخرى لوس كرافن عنوانها «كابوس شارع إيلم» حول خطر القتل إذا ما غلب النوم الضحية) يسود بينها ويترك المشاهد شبه عار من الأسلحة.
وهذا هو أيضا لب سلسلة أفلام «هالووين» التي بدأها المخرج المقل جون كاربنتر سنة 1978 في إنتاج للراحل مصطفى العقاد (لاحقا أكمل العقاد المجموعة مع مخرجين مختلفين وحقق ثروة كبيرة من ورائها). الفارق بينها أن تخويف «هالووين» كان يجري بناء على عقدة سيكولوجية في حين أن حبكات الأفلام الأخرى المذكورة خلت من العقد السيكولوجية على نحو تام. «هالووين» هو عن شاب عاش في كنف مؤسسة صحية لأنه كان قتل، وهو صغير، بعض أفراد العائلة. حين كبر وخرج من المصحة عاد إلى الكنف ذاته لكي يكمل ما بدأه، ثم - وفي الأفلام الأخرى - ليلاحق من فلت منه في الفيلم الأول أو لمن أراد إضافته من ضحايا.
القاتل في سلسلة «هالووين» مندفع لأسباب غامضة. لا يتكلم مطلقا ولا ينثني عن هدفه. لماذا ينثني أو يتردد إذا كان لا يمكن قتله؟
يتركك وجوده في سؤال حول حقيقته. المنتج مصطفى العقاد رآه خارقا للعادة. تجسيد للشر في شخص رجل. والشر لا يموت.
هذا الرمز، الناجح ضمن السلسلة، متوفّر في الأفلام الأخرى من فترة السبعينات، في سلسلة «كابوس شارع إيلم» وسلسلة «مذبحة تكساس المنشارية» و«ليل الموتى - الأحياء». ما يختلف هو الأداة التي يمارس بها الشرير جرائمه: السكين بيد مايكل مايرز في سلسلة «هالووين»، الأظافر ذات النصال في «كابوس شارع إيلم» ومنشار قطع الأشجار في «مذبحة تكساس المنشارية». وهي تعيش في جوانب تبدو طبيعية.
هذا جانب أساسي من فن التخويف: كل شيء يبدو هادئا على مياه شاطئ صيفي لحين ظهور سمكة القرش الكبيرة في Jaws (ستيفن سبيلبرغ - 1975). المنظر جميل في ذلك المنتجع النائي إلى حين يفقد جاك نكلسون رشده في «اللمعان» (ستانلي كوبريك - 1980) وعندما تقرر جانيت لي أن الوقت حان لكي تلجأ إلى الفندق الهادئ الذي وجدته في طريقها ما بين أريزونا وكاليفورنيا في «سايكو» (ألفرد هيتشكوك - 1960) تفاجأ بأن المكان هو نهاية رحلتها في الحياة. هناك تحت رذاذ «الدوش»، فعل يقوم به كل منا حين نصل إلى فندق بعد رحلة سفر، يقتحم مجهول غرفتها ويقتلها.
الحال ذاته في أفلام الرعب غير الكلاسيكية على شاكلة «هالووين» وسواه: المفاجأة تكمن أكثر في اللحظة التي سيظهر فيها الوحش البشري وفي يده آلة القتل. الفارق الأساس هو أن أفلام سبيلبرغ وكوبريك وهيتشكوك عملت على منوال ذهني شاسع. حامت فوق خريطة من التضاريس البشرية والنفسية قبل ثم خلال لجوء كل منها إلى مشاهد رعبه.
الأفلام الحديثة، كتلك المذكورة في مقدّمة هذا المقال، عليها مهمة أصعب في مجال استدرار إعجاب المشاهدين. فنحو مائة وعشرين سنة من السينما أتت على كل فكرة ممكنة أكثر من مرّة. والمشاهدون المدمنون باتوا مثل الفيروس المنيع حيال معظم ما ينتج من هذه الأفلام. كيف إذن يمكن لسينما الرعب اليوم أن تبقى ذات ضرورة أو وظيفة إذا لم يعد هناك جديد يمكن تقديمه؟ الوسيلة شبه الوحيدة هي رفع نسبة المشاهد الدموية وتلك التي تصوّر كيفية الفتك بالضحايا. لكن هذا وحده سرعان ما يصبح مكررا بدوره. حيال هذا التكرار لا تجد هذه السينما بدّا من الإصرار على النحو ذاته ما يجعل الأفلام متشابهة بحبكاتها (وأحيانا كثيرة مشاهدها) المتكررة. لكنه نوع من الإصرار النافع الذي لا يزال يتوالد من دون توقّف.
والنموذج الواضح نجده في صنف آخر من أفلام الرعب هي تلك التي تتحدّث عن البيوت والقصور المسكونة بالأرواح والأشباح التي من بين آخرها سلسلة «الحقد» The Grudge التي انتابت شاشاتنا من عام 1994، وقبلها «رعب أميتيفيل» (1979) ومشتقاته وأفلام منفردة مثل «عظام» (2001) و«كاسبر» (1995) و«منزل معتم» (2014) وأكثر من 170 فيلما آخر احتوى على حكايات الأشباح التي توارثت الحياة داخل جدران البيت العتيق والهادئ و(ربما) الجميل قبل أن ينضح بما خفي فيه ويتحوّل قاطنوه الجدد إلى ضحايا تصرخ ولا مستجيب.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».