نبش آثار يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد في اليمن

الانقلابيون يتجاهلون تحريز منطقة تاريخية... و«القاعدة» يدمر المتحف الوطني

حصن ذروان في عتمة بمحافظة ذمار («الشرق الأوسط»)
حصن ذروان في عتمة بمحافظة ذمار («الشرق الأوسط»)
TT

نبش آثار يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد في اليمن

حصن ذروان في عتمة بمحافظة ذمار («الشرق الأوسط»)
حصن ذروان في عتمة بمحافظة ذمار («الشرق الأوسط»)

تعرضت آثار يمنية يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد للنبش والنهب والتخريب، في وقت تجاهل فيه المتمردون الحوثيون تحريز المواقع الأثرية المهمة بالتزامن مع شروع عناصر تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي في تدمير المتحف الوطني اليمني.
وأكد وزير الثقافة اليمني، مروان دماج، لـ«الشرق الأوسط»، أن كثيرا من الآثار والمناطق الأثرية التي تعرضت للدمار والتخريب والنهب موجودة ضمن المناطق التي يسيطر عليها التمرد الحوثي، مشددًا على أن الانقلابيين أسهموا بصورة مباشرة وغير مباشرة في تدمير إرث تاريخي مهم.
وأشار إلى أن بعض الآثار جرى تسجيلها في وقت سابق، ما يعني أن إمكانية استعادة ما تم تسجيله واردة، وذلك حتى في حال تهريبها خارج حدود اليمن.
وشدد على أن ظروف الحرب جعلت الدولة عاجزة عن حماية المواقع الأثرية، إذ شهدت كثير من المواقع الأثرية المهمة في اليمن عمليات نبش ونهب.
وقال إن جزءًا كبيرًا من المناطق الأثرية يقع تحت سلطة الانقلابين، ومنها موقع مهم جدا في محافظة المحويت تم تحريزه في 2004، وبدأت فيه عمليات تنقيب، لكنه تعرض الشهر الماضي لعملية نبش طالت «مومياوات» يعود تاريخها لما قبل الميلاد.
وأكد شروع تنظيم القاعدة الذي كان مسيطرا على بعض مناطق أبين التي يوجد بها موقع شكري الأثري، في تدمير المتحف الوطني الذي كان يضم قطعا أثرية تعود للدولة القتبانية، فضلا عن التسبب في فقدان قطع أثرية مهمة من ضمنها مصوغات ذهبية ولؤلؤ وجواهر.
وبيّن أنه بعد تطهير المنطقة من تنظيم القاعدة تم نقل الجزء المتبقي من محتويات المتحف إلى البنك المركزي في عدن، للاحتفاظ به من قبل الهيئة العامة للآثار التابعة لفرع أبين.
وبحسب الوزير دماج، فإنه مع انشغال الأجهزة الأمنية ازدهرت في الآونة الأخيرة تجارة الآثار في أكثر من منطقة في اليمن، وتم تبليغ الجهات المسؤولة والأمنية في المحافظات حول هذه الوقائع، وبدأت في الأيام القليلة الماضية ترد معلومات بخصوص بعض القطع.
وأبدى وزير الثقافة تخوفه من عدم الوعي بأهمية الآثار وقيمتها التي تعتبر إرثًا يمنيًا، وهو ما يجعلها عرضة للتلف والضياع والبيع لمجرد الحصول على أموال، فضلاً عن المساعدة على تهريبها، مشددا على دور الهيئة العامة للآثار في كل منطقة في اليمن في التعاون مع وزارة الثقافة وإرسال المعلومات التي ترد إليها حول تجارة الآثار ومدى انتشارها والمواقع الأكثر تضررا والمعرضة للنبش.
وقال إن جزءًا من الآثار تم الاحتفاظ به من أشخاص غير مختصين وبعيدًا عن سلطة هيئة الآثار المسؤولة، وبالتالي كانت عملية الحفظ غير سليمة، ما عرّض هذه الآثار للتلف، خصوصًا الموجودة في المناطق الساحلية التي تتميز بالرطوبة والملوحة العالية.
وأشار إلى أن الآثار المسجلة هي التي يمكن استعادتها إذا تم تهريبها خارج اليمن بموجب القوانين، إلا أن جزءًا من الموروث اليمني مطمور تحت الأرض ومن السهل تسريبه، مبينا أن الآثار التي يتم ضبطها في دول أخرى يتم تحريزها وإبلاغ السفارة اليمنية كما حدث في مصر التي شهدت تهريب بعض العملات التاريخية التي حرزتها السلطات المصرية في مطار القاهرة وأبلغت السفارة اليمنية لتسلمها.
وعما أعدته الوزارة لحماية الموروث اليمني، أوضح دماج أن حماية المتاحف والحفاظ على الآثار والمواقع الأثرية وحمايتها من النبش والسرقة أولوية بالنسبة لوزارته التي تعمل على إعادة تأهيل متحف عدن الذي تضم مخازنه آلاف القطع الأثرية النادرة، إضافة إلى تأهيل متحف أبين وتعز، والتنسيق مع السلطات المحلية لوضع حراسات عليها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».