وثائق {سي آي إيه} الرؤية الأميركية للاستيطان الإسرائيلي (1): وتيرة بناء المستوطنات في غزة تصاعدت بعد 1967https://aawsat.com/home/article/850856/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%B3%D9%8A-%D8%A2%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-1-%D9%88%D8%AA%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A
وثائق {سي آي إيه} الرؤية الأميركية للاستيطان الإسرائيلي (1): وتيرة بناء المستوطنات في غزة تصاعدت بعد 1967
الجيش الإسرائيلي يستجوب فلسطينيين في مخيم جباليا بقطاع غزة عام 1968 (غيتي)
منذ العام الذي تلا نكسة 1967، بدأت حركة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة تثير انزعاج الولايات المتحدة، لكن التعبير عن هذا الانزعاج ظل خافتًا على المستوى العلني، وصاخبًا في التقارير السرية. وربما أن أول تقرير في هذا السياق هو الصادر عن الاستخبارات الأميركية في 11 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1968، ويتضمن تقييمًا مبكرًا لمخاطر الاستيطان، غير أنه لسبب غير معروف تعمدت الوكالة عند إزاحة ستار السرية عن التقرير إلى طمس الجهة التي يُفترض أن التقرير كان موجَّهًا إليها، وأبقت على كلمة «سري» في أعلى التقرير، ويحمل التقرير تقييمًا شاملاً لمواقف الأطراف من الاستيطان وتحذيرًا من أنه مع مرور الأيام سوف يتمخض عن أكبر عقبة في طريق تحقيق تسوية سلمية للصراع العربي - الإسرائيلي. وأشار التقرير إلى أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر والعاهل الأردني الملك حسين ربما يكونان الوحيدين القادرين في تلك الأيام على المشاركة في مفاوضات جادة لتسوية الصراع، وأنهما راغبان في ذلك. وأشارت الوكالة في التقرير ذاته إلى أن عبد الناصر والملك حسين لديهما الاستعداد كذلك لدفع ثمن العودة إلى حدود ما قبل عام النكسة، وأن هذا الثمن سيتحملانه بصورة شخصية من خلال التضحية بسمعتهما وشعبيتهما جراء القبول بأي تسوية لا تحظى بتأييد الشعوب العربية، إضافة إلى حملات إعلامية سيتعرضان لها جراء الموافقة على أي تسوية تبدو للعرب غير عادلة، أو تتضمن شروطًا قاسية يجب عليهما الالتزام بها.
جهود استيطانية في القطاع وفي تقرير آخر تحت عنوان «أنشطة الاستيطان الإسرائيلي تحت حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية»، جاء بعد سنوات طويلة وتطورات كبيرة على التقرير الأول. استعرضت الاستخبارات الأميركية مشكلة تصاعد وتيرة بناء المستوطنات وتسكين المستوطنين في قطاع غزة في ظل حكومة تصفها إسرائيل بأنها حكومة وحدة الوطنية ولكن بزعامة حزب الليكود المتشدد. جاء في التقرير أنه على الرغم من أن الجهود الاستيطانية الإسرائيلية في قطاع غزة تأتي في المرتبة تتلو مرتبة مرتفعات الجولان، وفي مرتبة هي أدنى كثيرًا عن تلك الجهود القائمة في الضفة الغربية، فإن قطاع غزة هو الإقليم الوحيد الذي شهد ارتفاعًا في وتيرة البناء داخل المستوطنات خلال العامين الأولين من حكومة «الوحدة الوطنية الإسرائيلية». وأشار التقرير إلى البدء في تشييد مستوطنة واحدة جديدة، على الأقل، واستكمال تشييد مستوطنة أخرى، والتطوير المكثف للمرافق السياحية المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقال التقرير إن إسرائيل بدأت بناء 224 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات قطاع غزة منذ سبتمبر (أيلول) عام 1984، مقارنة بـ178 وحدة سكنية جديدة خلال العامين الأخيرين من حكومة الليكود المؤيدة لبناء المستوطنات. وعلى الرغم من هذه الإنشاءات الجديدة، زاد تعداد سكان المستوطنات بنحو 250 نسمة فقط مقارنة بنحو 1050 نسمة في الفترة بين سبتمبر 1982 وسبتمبر 1984. ويرجع ذلك في جزء منه إلى عدد كبير من الوحدات السكنية غير المأهولة داخل المستوطنات. وإننا لا ننتظر أية زيادة في المستقبل القريب في وتيرة بناء المستوطنات بعد تغيير رؤساء الوزراء في إسرائيل، الذي تم في منتصف أكتوبر. ومن المؤكد أن تنخفض تلك الوتيرة فعليا.
إقامة «يهودية دائمة» وقدم التقرير خلفية لصانع القرار الأميركي عن الاستيطان قائلا إن الحركة الاستيطانية بدأت منذ يونيو (حزيران) عام 1967، حيث اتبعت تل أبيب سياسة تشجيع تشييد المستوطنات اليهودية الدائمة في الأراضي المحتلة، الرامية إلى ترسيخ مزاعمها وسيطرتها على الأرض. ومن بين 17 مستوطنة إسرائيلية مشيدة بالفعل في قطاع غزة، شيدت وزارة حزب العمل 4 مستوطنات جديدة (كلها تقع في النصف الجنوبي من القطاع) في الفترة بين عامي 1967 و1977. وعلى الرغم من أن هذه المستوطنات - على غرار مستوطنات أخرى في مرتفعات الجولان ووادي الأردن - موجهة بشكل عام نحو الجهود الزراعية، فإن بناءها قد ساعد في تلبية أهداف حزب العمل في تركيز وجود المستوطنين الإسرائيليين في المناطق الاستراتيجية من الأراضي المحتلة للمساعدة في تشكيل المحيط الدفاعي الأكثر أمانًا، وحتى يمكن الاحتفاظ بها في أي تسوية مستقبلية تحت شعار الأرض مقابل السلام، (وكان في شهر مارس/ آذار، وفي أعقاب المناقشات الحامية بين الصقور والحمائم، تمكن حزب العمل من استبعاد مستوطنات جنوب قطاع غزة من على قائمة المناطق الأمنية خاصته)، ومع وصول حكومة حزب الليكود إلى السلطة في عام 1977، استمرت سياسة حزب العمل بشأن المستوطنات في قطاع غزة، ولكنها ضاعفت الجهود بوتيرة كبيرة في محاولة لجعل هذا الجزء غير قابل للانقسام عن كيان دولة إسرائيل. وتمكنت إسرائيل في عهد حكومة الليكود، بين عامي 1977 و1984، من إنشاء 11 مستوطنة جديدة في قطاع غزة.
بناء المستوطنات بعد الانسحاب من سيناء ولخص التقرير حركة البناء أواخر عام 1984 بأن إسرائيل قامت بالبدء في بناء 224 وحدة سكنية، مع استكمال بناء 196 وحدة منها بالكامل. وهذا يقارن بناء 178 وحدة سكنية بين سبتمبر 1982 وسبتمبر 1984، مع استكمال بناء الوحدات كافة خلال تلك الفترة. كما كشف عن ارتفاع السعة السكانية في مستوطنات قطاع غزة بنحو 935 نسمة إلى 3455 نسمة مقارنة بزيادة تقدر بنحو 850 نسمة خلال العامين الماضيين. وأفاد بأنه تم البدء في بناء 144 وحدة أخرى، للأغراض غير السكنية، منها 52 صوبة زراعية. مقارنة بـ289 وحدة غير مخصصة للسكن بدأت خلال العامين السابقين، ومن بينها 187 صوبة زراعية. وإجمالاً للقول، منذ مبادرة السلام الأميركية في سبتمبر من عام 1982، التي اقترحت تجميد جهود بناء المستوطنات الإسرائيلية، بدأت إسرائيل في بناء 402 وحدة سكنية جديدة في قطاع غزة، وزادت من السعة السكانية هناك بنحو 1925 نسمة، بحسب التقرير. التوطين قدرت الوكالة وجود نحو 1940 مستوطنًا يهوديًا يعيشون في مستوطنات قطاع غزة، بزيادة قدرها 250 مستوطنًا منذ سبتمبر 1984، حتى تاريخ كتابة التقرير، وزيادة قدرها نحو 1300 مستوطن منذ سبتمبر 1982. وخلال السنوات الأخيرة من كتابة التقرير، لم تتفق الزيادة المسجلة في عدد المستوطنين مع الزيادة المسجلة في عدد الوحدات السكنية الجديدة في مستوطنات قطاع غزة. ومن شأن الوحدات السكنية غير المأهولة أن تستوعب نحو 1500 مستوطن جديد بأكثر من المستوطنين المقيمين فعليًا في المستوطنات. وتعكس هذه الفجوة، في جزء منها، بين التعداد الفعلي والسعة السكانية للمستوطنين الوحدات السكنية المشيدة حديثًا وغير المأهولة بالسكان حتى الآن في مستوطنة «بينه ازمون »، ومستوطنة «ينفيه ديكاليم»، ومستوطنة «شاطئ غزة». توقعات الوكالة لمستقبل الاستيطان في تقدير الوكالة، حسبما جاء في التقرير، فإن جهود بناء المستوطنات في قطاع غزة في ظل حكومة التي كانت قائمة بقيادة حزب الليكود، سوف تستمر، ولكن ربما بوتيرة أبطأ. ولاحظت الوكالة أنه خلال العامين الماضيين كان حزب الليكود يعتبر أن الضفة الغربية تملك أهمية اقتصادية، ودينية، واستراتيجية كبرى بالنسبة لإسرائيل. وبسبب التعداد السكاني الكبير للمستوطنين في الضفة الغربية، وتأثيرهم السياسي من زاوية حزب الليكود، فمن شأن حزب الليكود محاولة توجيه أغلب الموارد المحدودة والمتاحة للمستوطنات نحو الضفة الغربية بدلاً من قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، فإننا نتوقع بطئًا محتملاً في جهود البناء حتى يتم تسكين العدد الكبير الخالي من الوحدات السكنية المشيدة بالفعل داخل المستوطنات. وفي الوقت الراهن، فإن معدل الوحدات الخاوية إلى المسكونة في قطاع غزة هو أكبر مرة ونصف المرة من المعدل ذاته في الضفة الغربية.
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».
كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.
صبغة شامية
خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».
محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».
بين «العشق» و«القلق»
رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.
حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.
ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.
تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.
جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».
ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.
لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.
دعوات مقاطعة
تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».
حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.
وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.
وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».
في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».
عزيزي المواطن المصري الطيب الساذج البرئ .. تذكر دائماً ان كل مطعم سوري تتعامل معه وتدفع له فلوسك كان في يوم ما مطعم مصري .. السوريين ماجابوش المطاعم بتاعتهم معاهم من سوريا .. هذه المطاعم كان أصحابها مصريين وكان العاملين بها مصريين .. مئات الآلاف من العائلات المصرية كانت تعتمد...
الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».
ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».
كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».
ترحيب مشروط
كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».
ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.
أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».
وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.
على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».
استثمارات متنوعة
يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».
ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».
ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.
وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».
وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.
و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».
«حملات موجهة»
انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».
رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».
وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».
وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».
ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».
لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».
«استثمارات متنامية»
ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».
وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.
ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.
لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».
حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».
فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».
بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».
وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.