مستشارة الرئيس الأميركي: اشتروا منتجات إيفانكا

ترمب هاجم علنًا شركة تخلّت عن بيع ماركة ابنته

كيليان كوناوي تتوسط مساعدي الرئيس الأميركي خلال حضورهم أداء وزير العدل الجديد اليمين في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
كيليان كوناوي تتوسط مساعدي الرئيس الأميركي خلال حضورهم أداء وزير العدل الجديد اليمين في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
TT

مستشارة الرئيس الأميركي: اشتروا منتجات إيفانكا

كيليان كوناوي تتوسط مساعدي الرئيس الأميركي خلال حضورهم أداء وزير العدل الجديد اليمين في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
كيليان كوناوي تتوسط مساعدي الرئيس الأميركي خلال حضورهم أداء وزير العدل الجديد اليمين في البيت الأبيض أمس (أ.ب)

شجّعت مستشارة الرئيس الأميركي، كيليان كوناوي، على شراء منتجات ماركة «إيفانكا ترمب»، أمس، بعد ساعات فقط من دفاع البيت الأبيض عن تغريدة والدها الذي انتقد من خلالها تخلي سلسلة متاجر «نوردستروم» عن بيع منتجات ابنته.
وأثار ظهور كوناوي في برنامج «فوكس والأصدقاء» جدلا واسعا أمس، بعد أن دعت الأميركيين إلى شراء منتجات ماركة إيفانكا «الرائعة». وجاء ذلك بعد يوم من هجوم دونالد ترمب على متاجر «نوردستروم» لأنها توقفت عن بيع الملابس التي تحمل ماركة ابنته إيفانكا، ليسلّط الضوء مجددا على تداخل المصالح بين منصب الرئاسة والمصالح التجارية لعائلة ترمب.
ولفت التأنيب العلني، الذي دافع عنه البيت الأبيض لاحقا، الانتباه مجددا إلى تضارب المصالح المحتمل الذي حمله ترمب معه إلى السلطة. ففي تغريدة نشرها بعد لحظات من انتهائه من إلقاء كلمة أمام المسؤولين عن تطبيق القانون الأميركي، هاجم ترمب الشركة التي قررت الأسبوع الماضي وقف بيع الملابس التي تحمل علامة ابنته نظرا لتراجع المبيعات. وكتب: «(نوردستروم) ظلمت ابنتي كثيرا. إنها إنسانة رائعة، تشجعني دائما على فعل الصواب! هذا فظيع».
ومنذ فوزه المفاجئ في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استخدم ترمب «تويتر» لمهاجمة الشركات من «جنرال موتورز» إلى «بوينغ»، سواء لأن لها مصانع في الخارج أو لأنها تفرض أسعارا غالية على الطائرات التي تبيعها للحكومة.
ولكن التغريدة الأخيرة كانت مختلفة؛ إذ إنها دافعت عن جزء من إمبراطورية عائلة ترمب التي قال معارضون إنها يمكن أن تكون مصدر تضارب كبير في المصالح بالنسبة للبيت الأبيض. وحرص ترمب على وصول رسالته عن إيفانكا إلى أكبر عدد من متتبعيه، فأرسلها عبر حسابيه الشخصي والرسمي. ورغم حرصه بعد فوزه على نقل إدارة أعماله إلى أبنائه، فإنه لم ينأ بنفسه عنها تماما، كما طلب منه الجهاز الحكومي للأخلاقيات. ويقول معارضوه إن أعمال ترمب لا تزال تطرح معضلة أخلاقية كبيرة، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأجّج الجدل إعلان مسؤولين في البنتاغون، أول من أمس، أنهم يفكرون في استئجار مكاتب في «برج ترمب» الفخم في مانهاتن للموظفين والمعدات التي ترافق الرئيس خلال زيارته.
وجاء ذلك بعد أن رفعت زوجة الرئيس ميلانيا ترمب دعوى قضائية في نيويورك ضد صحيفة بريطانية، قالت إنها نشرت شائعات أضرت «بفرصة حياتها» لكسب الملايين من الدولارات مع زيادة شهرتها بعدما أصبحت السيدة الأولى.
ودافع المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، أول من أمس عن تهجم ترمب على نوردستروم، قائلا إنه يدافع عن فرد من عائلته. وقال سبايسر لصحافيين: «هناك بوضوح مساع للإساءة إلى ذلك الاسم بسبب مواقف سياسية محدّدة اتخذها أبوها». وأضاف أن «محاسبة فرد من عائلته بسبب خوفهم من (هذه) السياسة أمر غير مقبول، وله كل الحق في التعبير عن رأيه بشأنه».
في المقابل، ردّت «نوردستروم» الأربعاء مؤكدة أنها اتخذت قرارها لأسباب تجارية فقط. وقالت الشركة في بيان: «خلال السنة الماضية، وتحديدا خلال النصف الثاني من 2016، تراجعت مبيعات العلامة بشكل مضطرد، إلى درجة أنه لم يعد من المنطقي بالنسبة لأعمالنا أن نستمر معها في الوقت الحالي». وأضافت أن لديها «علاقة عمل ممتازة» مع شركة إيفانكا ترمب.
و«نوردستروم» واحدة من شركات عدة شملتها دعوات لمقاطعة الشركات التي على علاقة بعلامة ترمب، ضمن حملة «غراب يور وولت (أغلقوا محفظة نقودكم)» التي يشنها ناشطون معارضون للرئيس الأميركي احتجاجا على سياساته. وواصلت الحملة الأربعاء الماضي استهداف متاجر كبيرة أخرى تابعة لشركات مثل «ميسي» و«بلومنغديل» و«ديلارد»، لأنها تبيع منتجات «إيفانكا ترمب».
في هذا الصدد، قال الخبير في الأخلاقيات الحكومية بكلية الحقوق في جامعة كولومبيا، ريتشارد بريفولت، لوكالة الصحافة الفرنسية إن استغلال ترمب «للمنبر القوي» الذي يمثله منصبه في البيت الأبيض للدفاع عن أعمال ابنته، «يخالف كل مفاهيم الالتزامات الأخلاقية لمنصب عام». وأضاف: «ما يعنيه ذلك هو أنه لم يستوعب بعد تماما تبعات كونه أعلى موظف عام في البلاد».
ويمنع مرسوم تنفيذي صادر في 1989 على الموظفين الفيدراليين استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية، وفق بريفولت، الذي أضاف أن أي انتقاد عام يوجهه رئيس في منصبه يمكن تفسيره على أنه محاولة للتأثير على قرار الشركة في ما يتصل بأعمالها التجارية. وتابع أن الرئيس «يعطي الانطباع بأنه يستخدم منصبه لترويج المصالح التجارية لفرد من عائلته».
وخلافا لشركات أخرى هاجمها على «تويتر»، بما فيها «لوكهيد مارتن» و«بوينغ» و«فورد» التي عانت أسهمها بعدها، ارتفعت أسهم «نوردستروم» بأكثر من 4 في المائة الأربعاء الماضي. وسبق الأنباء بشأن تهجمات ترمب خبر نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأربعاء، بأن مجموعة «تي جي إكس» المالكة لشركات التجزئة «دي جي ماكس» و«مارشالز»، طلبت من موظفيها إزالة كل بطاقات وإشارات الترويج لعلامة «إيفانكا ترمب»، وعدم عرض ملابسها بشكل منفصل.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟