المصممون العرب في باريس... استعراض للقدرات وسخاء في التطريز

إطلالة على ربيع 2017 بعيون شرقية

من اقتراحات رامي العلي - من عرض جورج حبيقة - من إبداعات رامي قاضي  -  من عرض زهير مراد - من إبداعات جورج حبيقة - من اقتراحات رامي قاضي
من اقتراحات رامي العلي - من عرض جورج حبيقة - من إبداعات رامي قاضي - من عرض زهير مراد - من إبداعات جورج حبيقة - من اقتراحات رامي قاضي
TT

المصممون العرب في باريس... استعراض للقدرات وسخاء في التطريز

من اقتراحات رامي العلي - من عرض جورج حبيقة - من إبداعات رامي قاضي  -  من عرض زهير مراد - من إبداعات جورج حبيقة - من اقتراحات رامي قاضي
من اقتراحات رامي العلي - من عرض جورج حبيقة - من إبداعات رامي قاضي - من عرض زهير مراد - من إبداعات جورج حبيقة - من اقتراحات رامي قاضي

لا تزال تبعات قرار الولايات المتحدة الأميركية منع دخول مواطني سبع دول إسلامية إليها بأمر تنفيذي وقعه دونالد ترمب في الـ25 من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي تتردد أصداؤها إلى اليوم. فشاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي لا تتوقف عن نشر قصص إنسانية لأشخاص فرقهم القرار عن أقرب الناس إليهم، عدا عن صور التحدي للقرار في المطارات وأنحاء أخرى من العالم تطالعنا على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي. في باريس كانت الصورة مختلفة تماما، لم تكن هناك إضرابات ولا مظاهر تحد بقدر ما كان هناك استيعاب للغير واحتضان له. فخلال أسبوع الـ«هوت كوتير» لربيع وصيف 2017 الذي شهدته في الشهر الماضي أكدت أن الموضة فيها لا تؤمن بالشعبوية ولا بالتفريق ما دام هناك إبداع وجمال.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد أغلقت مطاراتها وحدودها في وجه سبع جنسيات، فإن باريس فتحت أبوابها إلى نحو سبعة مصممين عرب لكي يعرضوا فيها آخر ما جادت بها قريحتهم. صحيح أنها ليست المرة الأولى، وبالتالي لا يمكننا القول إن الأمر جاء كردة فعل على القرار الأميركي، لكنه حتما رسالة واضحة من عاصمة تعرضت لهجمات إرهابية منذ عام فقط تفيد بأنها لن تخضع للخوف والترهيب، وبأن الموضة تنأى بوجهها الجميل على قبح الإرهاب وما يأتي من ورائه. إضافة إلى إيلي صعب الذي أصبح من أهم المصممين المشاركين في الأسبوع وربيع كيروز، التحق بهما هذا الموسم جورج حبيقة ضمن البرنامج الرسمي، بعد أن ظل يعرض على هامشه لسنوات، وهو ما يُعطي الأمل لأبناء جلدته بأن وقتهم سيأتي، وبأنهم ضيوف مرغوب فيهم في الأسبوع، على شرط أن يُبرهنوا للجهة المسؤولة والحامية للـ«هوت كوتير» وهي «لاشومبر سانديكال» بأنهم جادون وقادرون على الإضافة إليه. من هؤلاء نذكر رامي العلي، رامي قاضي، جورج شقرا، زهير مراد وآخرون نجحوا أن يضفوا على عاصمة الأناقة والنور الكثير من البريق والابتكار. المقصود بالبريق هنا التطريز الغني الذي أصبح شبه ماركة مسجلة للمصممين اللبنانيين على وجه الخصوص، بينما ظهر الابتكار في إدخال تقنيات حديثة، وأحيانا غير مسبوقة كما هو الحال بالنسبة لرامي قاضي.
وموسم الـ«هوت كوتير» كان ولا يزال يعتبر بالنسبة للمصممين الأجانب، بمثابة مختبر أفكار يطلقون فيه العنان لخيالهم، بغض النظر إن كانت التصاميم تناسب الواقع أم لا. فهم يعرفون أنهم سيُخففون من غلوائها ومبالغاتها فيما بعد، أي في موسم الأزياء الجاهزة الذي يليه بعد شهرين أو شهر ونصف الشهر تقريبا. رامي قاضي يفهم هذا الأمر، وربما يكون الوحيد من بين المصممين العرب الذي يمشي في هذا الطريق. لا يُنكر أنه يُقدر الجانب التجاري، وهو ما يُترجمه في تصاميم يُوفرها في محلاته، لكنه أيضا يعشق العوم ضد التيار السائد، وإطلاق العنان لخياله حتى يُكسر المتعارف عليه من جهة ويشق طريقا مختلفا يميزه عن أبناء جيله، وربما أيضا عن أبناء بلده من جهة ثانية. وبالفعل نجح في تحقيق الهدف، لأنه أتحفنا بأزياء تشي بقدرة عالية على الابتكار، معتمدا فيها على أقمشة جديدة ومواد غريبة مبتعدا قدر الإمكان عن التطريز بشكله التقليدي. هذه المرة استعمل الرقائق المعدنية الفضية بدل الخرز والترتر وأحجار الكريستال لتزيين فساتين سهرة فخمة، بعضها بتنورات مستديرة من حرير الكريب أو التول أو الموسلين. ولأن اللون الأبيض كان الغالب فيها، فقد نجحت في خلق جدلية فنية مثيرة بين الرومانسي والحداثي، فيما اقتصرت الألوان المتوهجة أو الفاتحة على التطريزات الدقيقة جدا، التي جسدها تارة على شكل حيوانات أسطورية بأجنحة وأخرى على شكل عين أو خرزة، فيما يبدو أنه عدوى أصابت عالم الموضة هذا الموسم. فقد تكررت هذه التعويذات في كثير من العروض التي نذكر منها «ديور» على سبيل المثال لا الحصر.
المصمم جورج حبيقة قدم بدوره تشكيلة مفعمة برموز روحانية استوحاها من الثقافة الآسيوية حسب قوله. فقد غرف من أساطيرها وألوانها المتوارثة وزخرفاتها بشكل كبير من دون أن ينسى أن يضيف إليها رشة أنثوية تخاطب امرأة رومانسية وقوية في الوقت ذاته. كونها أول تشكيلة يقدمها ضمن البرنامج الرسمي لأسبوع الـ«هوت كوتير» بعد 12 عاما، لم يكن غريبا أن تثير الفضول، وهو ما كان المصمم يُدركه ومتأهبا له، حيث كان واضحا أنه صب فيها كل خبرته حتى تتميز رغم أنه ظل وفيا لما يُتقنه جيدا، ألا وهو التطريز الذي كان غنيا. لحسن الحظ أن هذا السخاء في التطريز والبريق لم يوقعه في مطب المبالغة بفضل رموز الصين القوية التي خففت منها وبررت ضرورتها إلى حد ما. فقد ظهر فيها التنين مثلا مطرزا بخيوط من الذهب وبحرفية تفهم التواءات جسده، فيما استعمل تقنية الأوريغامي التي تعتبر في لغة الموضة أقصى احتفال بالطبيعة، بأشكال مفعمة بالأنوثة، وكأنه يريد أن يقول بأن تفتحها بالورود ما هو إلا إيذان ببداية مرحلة جديدة من الحياة.
في «باليه دو طوكيو» قدم المصمم جورج شقرا اقتراحاته لربيع وصيف 2017. ورغم أنها افتقدت للجديد كونه اختار البقاء سجين رومانسيته، فإنها لم تفتقد للجمال والأناقة. فقد تميزت بخفة تنبعث من أقمشة ناعمة مثل الحرير والموسلين والدانتيل والتول تتراقص على درجات ألوان هادئة مثل الليموني والوردي والسماوي والأبيض، منحتها التطريزات جاذبية تحتاجها مناسبات الكوكتيل والمساء والسهرة.
زهير مراد بدوره قدم تشكيلة مفعمة بالأنوثة والتفاؤل، توجه بها إلى المناسبات والأفراح وأيضا إلى مناسبات السجاد الأحمر التي أصبح حاضرا فيها بقوة في السنوات الأخيرة. رقصت التشكيلة على إيقاعات من حقبة الثمانينات، بألوانها وخطوطها وتفاصيلها التي تمثلت في فيونكات ضخمة زينت إما الصدر أو الخصر، كما في فتحات عالية تكشف الساق بالكامل. ورغم تنوع التصاميم وتباينها بين المحدد على الجسم وبين سراويل الحريم والبنطلونات المستقيمة والتنورات المستديرة الفخمة، فإن فستانا زينته رسمات تجسد ألعابا نارية متفجرة كان لافتا بفكرته وفخامته على حد سواء. المصمم شرح أنه استلهمه عندما كان في رحلة إلى جزيرة مياجيما اليابانية. بين طبيعتها الغناء شده منظر الألعاب النارية والنجوم المتلألئة في سمائها الصافية كما لفتته ألوان أزهارها المتفتحة. هذه التأثيرات لم تظهر فقط على شكل طبعات وتطريزات بل شملت أيضا الكثير من التصاميم والألوان، ظهرت منذ بداية العرض. فقد استهله بمجموعة باللون الأسود تلتها أخرى تتلون بالأحمر والأزرق والفوشيا ثم الأبيض والأخضر. رغم هذا التنوع، ظل القاسم المشترك بينها هو التطريز الذي كانت الفكرة منه، حسب زهير مراد، خلق لوحة طبيعية أرادها أن تسجل انبهاره بالجزيرة اليابانية لزمن يتعدى ربيع وصيف 2017.
ويبدو أنه لم يكن الوحيد الذي وقع تحت سحر الشرق الأقصى، فالمصمم رامي العلي هو الآخر وجه أنظاره نحو اليابان وقدم تشكيلة كان فيها الكيمونو الياباني وما يمثله من ثقافة وتاريخ هو البطل بلا منازع.
بيد أن الجميل فيها أن المصمم، بحسه الفني وقدرته على توظيف الإيحاءات التاريخية في أزياء عصرية، نجح في دمج تأثيراتها بخطوط من أناقة الخمسينيات الأمر الذي أبعدها عن الفولكلوري، مؤكدا مرة أخرى أنه يزيد تمكنا من أدواته موسما بعد موسم.
الحزام العريض «الأوبي» الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من الكيمونو ظهر مثلا في فستان بتنورة مستديرة ليحدد الخصر ويظهر ضموره بشكل أنثوي، علما بأن الحزام لم يكن التأثير الياباني الوحيد، فقد ظهرت تصاميم تعانق الجسم وتستحضر فتيات الغيشا، إضافة إلى طيات أوريغامي تظهر إما على كتف أو على جانب من تنورة أو تزين الصدر، فيما يمكن اعتباره استعراضا لفنيته وتذكيرا بمفهوم الهوت كوتير في عصرها الذهبي. أخذ أيضا مناظر طبيعية مثل أزهار شجرة الساكورا أو أزهار الكرز ووظفها كخلفية لكثير من القطع ذات الألوان الفاتحة أضفى عليها لمعة خفيفة وكأنها تريد أن تُذكرنا بأن اليابان بلد الشمس.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.