إجراءات غير مسبوقة في مقديشو للانتخاب الرئاسي

إغلاق المطار وتوقف الدراسة... و22 مرشحًا بينهم الرئيس ورئيس الوزراء

حاجز أمني في مقديشو أمس  (رويترز)
حاجز أمني في مقديشو أمس (رويترز)
TT

إجراءات غير مسبوقة في مقديشو للانتخاب الرئاسي

حاجز أمني في مقديشو أمس  (رويترز)
حاجز أمني في مقديشو أمس (رويترز)

تشهد مقديشو إجراءات غير مسبوقة لتأمين عملية انتخاب البرلمان الصومالي رئيسًا جديدًا للبلاد، اليوم، من بين أكثر من 20 مرشحًا، يتقدمهم الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود، الذي يسعى إلى الفوز بفترة ثانية.
وأغلقت شوارع العاصمة كلها، أمس، وانتشر آلاف من عناصر الجيش والشرطة والاستخبارات في المدينة، إضافة إلى قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي. وتوقفت الدراسة في المدارس والجامعات، كما سيغلق مطار مقديشو الدولي اليوم.
وأعلنت هذه الإجراءات تحسبًا لهجمات محتملة قد تشنها «حركة الشباب المجاهدين» المسلحة لعرقلة الانتخاب الذي سيتم في البرلمان. وسمح للمرشحين الذين تقلص عددهم إلى 22، بالتحرك في شوارع العاصمة بمواكب محدودة للإفساح في المجال للقاءات مع النواب.
وتعثرت المناظرات التلفزيونية التي كان مقررًا أن يشارك فيها المرشحون بعد تغيب معظمهم عن الحضور لأسباب غير واضحة. ويجري المرشحون لقاءات الساعات الأخيرة مع النواب لكسب أصواتهم في هذا الانتخاب الذي يلعب الانتماء القبلي والمال السياسي دورًا بارزًا فيه.
وينتخب الرئيس من قبل أعضاء غرفتي البرلمان البالغ عددهم 329 نائبًا يمثلون خمس مجموعات قبلية وست مناطق فيدرالية. وسيتم التصويت في قاعة تم تجهيزها خصوصًا لهذا الحدث، داخل مجمع في مطار مقديشو، وتخضع لحراسة مشددة. ويشكل مسؤولون سابقون في الحكومة، بينهم رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء، أبرز المرشحين للرئاسة، كما تضم القائمة هذه المرة مرشحين من رجال الأعمال وناشطين لم يشغلوا مناصب سياسية في السابق.
ولا تبدو نتيجة الانتخابات محسومة بين المتنافسين البالغ عددهم 24 مرشحًا، انسحب منهم اثنان قبل ساعات من بدء عملية الاقتراع. لكن بعضهم أكثر شهرة من آخرين مثل الرئيس الحالي (61 عامًا) الذي ينتمي إلى قبيلة الهوية، وسلفه في المنصب شريف شيخ أحمد (52 عامًا)، وينتمي إلى قبيلة الهوية أيضًا، علمًا بأنه كان رئيس «المحاكم الإسلامية» التي انبثقت عنها «حركة الشباب».
أما المرشحون الآخرون لقبيلة دارود الكبيرة الأخرى فهم رئيس الحكومة الحالية عمر عبد الرشيد علي شرماركي (56 عامًا) ورئيس الوزراء السابق محمد عبد الله محمد «فرماجو» (55 عامًا)، وكلاهما مزدوج الجنسية، وعاشا في كندا والولايات المتحدة على التوالي.
وأصدر رئيس البرلمان الفيدرالي محمد جواري قرارًا بتعليق حركة الرحلات الجوية في المطار الدولي وتوقيف حركة المرور في العاصمة مقديشو، فيما أعلن وزير النقل والطيران المدني علي جنغالي إبلاغ جميع شركات الطيران بتعليق جميع الرحلات الجوية، لكنه قال إن هذه الخطوة لن تؤثر على بقية المطارات في البلاد، وإنما هي مقتصرة على العاصمة مقديشو التي ستشهد إجراء الانتخابات.
ودعا عمدة بلدية مقديشو يوسف جمعالي السكان إلى البقاء في بيوتهم وحثهم على التحمل والصبر خلال فترة الانتخابات، بينما تم إغلاق عدد من الطرق الرئيسية بأكياس رمل، ويقوم جنود مدججون بالسلاح بدوريات في الشوارع.
وفى تطور مفاجئ أعلن عبد الرحمن فرولي الرئيس السابق لإقليم بونت لاند (أرض اللبان) انسحابه رسميًا من السباق الرئاسي، ودعا بقية المرشحين إلى التنازل من أجل تخفيف عملية الانتخابات وتسهيلها.
وكان انتخاب الرئيس مقررًا في أغسطس (آب) الماضي، لكنه أُرجئ مرات عدة. ويفترض أن يختتم عملية انتخابية استندت إلى النظام القبلي الذي يحكم هذا البلد المحروم من سلطة مركزية حقيقية، منذ إطاحة الرئيس السابق محمد سياد بري، في عام 1991.
وكان الصوماليون وعدوا أولاً بالاقتراع العام. لكن تم التراجع عن هذا الوعد في 2015 بسبب صراعات داخلية وخلافات سياسية إلى جانب انعدام الأمن المزمن الناجم خصوصًا عن «حركة الشباب» التي تسيطر على مناطق ريفية واسعة وتضرب مقديشو.
ومع ذلك تشكل العملية تقدمًا ديمقراطيًا بالمقارنة مع انتخابات 2012 حين اختار 135 من «الحكماء» (الوجهاء) كل النواب. وأصبح الاقتراع العام هدفًا سيطبق في انتخابات عام 2020.
ونقلت وكالة «رويترز» عن شهود أن ثلاثة انفجارات يرجح أن تكون ناجمة عن قذائف «مورتر» دوت في أنحاء مقديشو، مساء أمس. ولم ترد تقارير فورية عن وقوع خسائر بشرية أو إعلان للمسؤولية.



آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
TT

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)

«داهموا منزلي واختطفوني بعد إجابتي عن سؤالك إن كان ثمة اختطافات في منطقتنا بسبب الاحتفال بعيد الثورة اليمنية، بنصف ساعة فقط».

بهذه العبارة يسرد لـ«الشرق الأوسط» أحد الناشطين السياسيين واقعة اختطافه من طرف الجماعة الحوثية بتهمة الدعوة للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر، عقب الإفراج عنه من السجن الذي قضى فيه أسبوعين كاملين، وتعرضه للضرب والتعذيب النفسي والتهديد بإخفائه وإيذاء عائلته.

وبحسب مصادر محلية، أفرجت الجماعة الحوثية أخيراً عن عدد ممن جرى اختطافهم منذ ما قبل منتصف الشهر الماضي، على خلفية احتفالات اليمنيين بالذكرى الثانية والستين للثورة اليمنية ضد الإمامة في ستينات القرن الماضي، بينما لا يزال غالبية المختطفين رهن الاحتجاز، وتقدر مصادر حقوقية أعدادهم بالآلاف.

يتابع الناشط الشاب الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته: «حتى وقت سؤالك لم أظن أن الاختطافات ستصل إلى بلدتنا، كنت أتابع أخبار الاختطافات في المدن الرئيسية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية»، موضحاً أنه لم يكن يتوقع حدوث اختطافات في منطقته، لكنه فوجئ بمسلحي الجماعة يقتادونه رفقة عددٍ من السكان، بينهم جيران له.

ويؤكد أنه، ورغم عدم توقع اختطافه أو اختطاف أحد من أهالي منطقته، فإنه، ومن باب اتباع الاحتياطات اللازمة، آثر أن يؤجل الاحتفال والدعوة إليه إلى ليلة السادس والعشرين من سبتمبر؛ كي لا يفوت على نفسه معايشة احتفالات اليمنيين بها، قبل أن يقضي تلك الليلة في أحد أشهر معتقلات الجماعة الذي تمارس فيه انتهاكات متعددة.

وبيّنت مصادر حقوقية يمنية أن هناك أعداداً كبيرة من المختطفين، تقدر بالآلاف، في مختلف مناطق سيطرة الجماعة الحوثية على ذمة الاحتفال بالثورة اليمنية أو الدعوة للاحتفال بها، في ظل ضعف الرصد الحقوقي، وعجز الجهات المعنية عن مواكبة الانتهاكات بسبب القيود المفروضة والإجراءات المشددة.

مسلحون حوثيون في صنعاء عشية ذكرى ثورة سبتمبر يستعدون لقمع الاحتفالات (فيسبوك)

يضيف الناشط: «تم التحقيق معي منذ الوهلة الأولى لوصولي إلى المعتقل. ولمدة تجاوزت الأربع ساعات ظل المحققون يسألونني عن دوافعي للاحتفال بعيد الثورة، وعن أي تحريض تلقيته من الحكومة الشرعية أو تحالف دعم الشرعية، وعن الأموال التي حصلت عليها مقابل ذلك».

ورغم إنكاره لكل التهم التي وجهت إليه، وإعلانه للمحققين أنه أحد ملايين اليمنيين الذين يحتفلون بالثورة اليمنية؛ لقيمتها التاريخية والمعنوية، فإنهم لم يقتنعوا بكل إجاباته، وهددوه بالإخفاء القسري والتعرض لعائلته، قبل أن يقرروا احتجازه حتى تمر ذكرى الثورة، أو حتى إنهاء التحريات حوله.

اختطافات بالجملة

بينما كانت المعلومات المتوفرة حول أعداد المختطفين خلال الأيام السابقة لذكرى الثورة اليمنية تشير إلى بضع مئات من الشخصيات الاجتماعية والكتاب والصحافيين والناشطين السياسيين والنقابيين، كشف العديد من الناشطين المفرج عنهم أن الاختطافات شملت الآلاف من السكان من مختلف الفئات.

وتعدّ محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) الأولى في إجمالي عدد المختطفين الذين جرى الكشف عن بياناتهم من قبل ناشطين ومهتمين، أوردوا أسماء 960 منهم، تليها محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء) بأكثر من 700 مختطف، فيما لم يعرف أعداد المختطفين في باقي المحافظات.

وتعذر على راصدي الانتهاكات الحصول على معلومات وبيانات كافية حول الاختطافات التي جرت في مختلف المحافظات، بسبب الاحتفال بعيد الثورة.

ووفقاً لبعض الراصدين الذين يتبعون منظمات وجهات حقوقية تعمل من خارج مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فإن الكثير من المختطفين لا تعلم عائلاتهم سبب اختطافهم، ومنهم من لم يعلن نيته الاحتفال بالثورة.

ويذكر راصد حقوقي مقيم في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير ممن جرى اختطافهم لم تعلم عائلاتهم بذلك إلا بعد أيام من انقطاع التواصل معهم، وذلك بسبب إقامتهم وحدهم بعيداً عن إقامة عائلاتهم، وينتمي أغلب هؤلاء إلى محافظات تعز وإب وذمار.

وفي حين شملت الاختطافات الأرياف في محافظات تعز وإب وذمار والبيضاء وريمة، يشير الراصد إلى أن مديريات السدة في محافظة إب، ووصاب في ذمار، وشرعب في تعز، من أكثر المديريات التي ينتمي إليها المختطفون في صنعاء، حيث جرى اختطافهم على مدى الأيام العشرة السابقة لذكرى ثورة «26 سبتمبر»، وفي ليلة الاحتفال تم اختطاف العشرات من الشوارع بحجة المشاركة في تجمعات للاحتفالات أو لمجرد الاشتباه، وبعضهم اختطف لأنه يحمل علم البلاد.

تناقض حوثي

تقدر مصادر حقوقية أعداد المختطفين بأكثر من 5 آلاف. وفي مديرية وصاب العالي في محافظة ذمار ترجح مصادر محلية عدد المختطفين هناك بأكثر من 300 شخص، وجاءت عمليات اختطافهم بعد اعتداء مسلحي الجماعة بالضرب على شباب وأطفال من أهالي المديرية تجمعوا للاحتفال، قبل مداهمة قراهم واختطاف العشرات من أقاربهم.

حي الصالح السكني في محافظة تعز حوّلته الجماعة الحوثية إلى معتقل كبير (إكس)

وبحسب عدد من المفرج عنهم، ممن كانوا محتجزين في سجن «مدينة الصالح» في محافظة تعز، فإن المختطفين هناك بالمئات، والكثير منهم جرى اختطافهم من الأسواق والطرقات والشوارع، إلى جانب من اقتيدوا من منازلهم أو محالهم التجارية أو مقار أعمالهم.

وتقع مدينة «الصالح» في منطقة الحوبان شرق مدينة تعز، وهي مجمع سكني مكون من أكثر من 800 وحدة سكنية في 83 مبنى، حولتها الجماعة الحوثية إلى سجن لاستيعاب العدد الهائل من المختطفين من أهالي المحافظة.

ويروي مختطف آخر ممن تم الإفراج عنهم أخيراً في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مسلحي الجماعة وصلوا إلى منزله في أثناء غيابه، واقتحموه عنوة مثيرين فزع عائلته وأطفاله، وأقدموا على تفتيشه باحثين عن أعلام وأموال، وانتظروا حتى عودته إلى المنزل ليقتادوه إلى قسم شرطة، حيث جرى التحقيق معه حول منشورات كتبها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم تدخل أحد أقاربه الذي تربطه علاقة عمل تجاري مع أحد القادة الحوثيين، فإنه تم التحفظ عليه حتى ليلة ذكرى الثورة، ليغادر إلى منزله بعد كتابة تعهد بعدم المشاركة في أي احتفال أو تجمع، أو الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي عن الثورة أو عن سبب اختطافه.

اليمنيون يتهكمون على احتفالات الحوثيين بثورة «26 سبتمبر» ويصفونها بالمزيفة (إعلام حوثي)

ونبه إلى أنه صادف خلال أيام احتجازه العشرات من المختطفين الذين لا يعلم غالبيتهم سبب اختطافهم سوى الشك بنواياهم الاحتفال بذكرى الثورة.

وكانت الجماعة الحوثية دعت إلى مشاركتها الاحتفال الرسمي الذي نظمته في ميدان التحرير في وسط صنعاء، محذرة من أي احتفالات وتجمعات أخرى.

وقوبلت هذه الدعوة بالتهكم والسخرية من غالبية السكان الذين رأوا فيها محاولة لإثنائهم عن الاحتفال الشعبي بالثورة، واتهموا الجماعة بخداعهم بمراسيم شكلية للتغطية على عدائها للثورة، وسعيها إلى طمسها من ذاكرتهم.

واستدل السكان على ذلك بإجراءات الجماعة المشددة لمنع الاحتفالات الشعبية وملاحقة المحتفلين من جهة، ومن جهة أخرى بالمقارنة بين حجم احتفالاتها بذكرى انقلابها على الشرعية التوافقية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، إضافة إلى احتفالاتها بالمولد النبوي وإضفاء صبغتها الطائفية عليه.

ويتهرب كبار القادة الحوثيين من المشاركة في احتفالات الثورة اليمنية أو الإشارة لها في خطاباتهم، ويوكلون هذه المهام لقادة من خارج الانتماء السلالي للجماعة.