وثائق «سي آي إيه» إيران والجيران بعد ثورة الخميني (4): من بدأ الحرب العراقية ـ الإيرانية؟

وثائق أميركية «سرية للغاية» كشفت الظروف التي أدت إلى إشعال حرب الخليج الأولى

أول أحداث الحرب انفجار محطة الطاقة في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1980 (غيتي)
أول أحداث الحرب انفجار محطة الطاقة في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1980 (غيتي)
TT

وثائق «سي آي إيه» إيران والجيران بعد ثورة الخميني (4): من بدأ الحرب العراقية ـ الإيرانية؟

أول أحداث الحرب انفجار محطة الطاقة في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1980 (غيتي)
أول أحداث الحرب انفجار محطة الطاقة في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1980 (غيتي)

من الإخفاقات التي تؤخذ على دائرة تحليل المعلومات في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أنها انتظرت مضي 7 أعوام - لا 7 أيام - على بدء الحرب العراقية - الإيرانية، لتطرح على محللي وخبراء الشأن الإيراني والعراقي في الوكالة السؤال البديهي: من بدأ الحرب؟ وعندما بدأ المتحاربان يستنفدان قدرتهما على الاستمرار، أعد محللو الوكالة تقريرًا محكمًا وشاملاً للإجابة عن التساؤل المطروح من كل جوانبه، ولكن بعد فوات الأوان. وبدلاً من بحث وقف إطلاق النار أشغلت «سي آي إيه» محلليها بجدل من بدأ إشعال النار. وظلت طهران تردد أنها كانت مجبرة على خوض الحرب، وهو القول ذاته الذي ظلت بغداد تردده طوال سنوات الصراع. ولكن بغض النظر عمن كان البادئ الفعلي في الحرب العراقية - الإيرانية، فإن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إذا ما اعتبرناها طرفًا ثالثًا محايدًا، فإنها في جميع تقاريرها السرية المفرج عنها تؤكد بالأدلة والقرائن القوية أن الإصرار على استمرار الحرب كان من جانب إيران وليس العراق.

تفسر بعض تقارير الوكالة التشدد الإيراني في مسألة وقف الحرب أن القيادات الإيرانية تبدي قناعة كبيرة بأن العراق بقيادة رئيسه صدام حسين هو من أعطى نفسه حق تحديد زمن بدء الحرب، وبالتالي يتوجب حرمانه من حق اختيار توقيت إنهاء الحرب، ومنح هذا الحق للمرشد الإيراني الأول الخميني.

محكمة دولية لتحديد البادئ
تناولت وكالة «سي آي إيه» موضوع البداية والنهاية لحرب السنوات الثماني في وثيقتين بالغتي الأهمية تستعرضهما «الشرق الأوسط» في حلقتين؛ اليوم وغدًا. ستركز حلقة اليوم على الوثيقة المتعلقة بجدل من بدأ الحرب، في حين سيتم تكريس حلقة الغد لعرض وثيقة تتعلق بالكيفية التي انتهت عليها الحرب. ومن المفارقات في هاتين الوثيقتين أن الأولى تتضمن إشارة إلى أن المرشد الإيراني الأول، الخميني، أجبر على خوض الحرب، فيما تتضمن الثانية تأكيد أن الخميني أجبر كذلك على إنهاء الحرب، وتستشهد بقوله إنه وهو يقبل بوقف إطلاق النار كمن يتجرع السم الزعاف.
وثيقة بدء الحرب يرجع تاريخها الأصلي إلى 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1987 وتصنيفها «سري للغاية».
وأبرز ما جاء فيها هو إصرار إيران (والكلام هنا للاستخبارات الأميركية وليس للمحرر)، على أنها لن تدرس مسألة إقرار وقف إطلاق نار في حربها مع العراق حتى تحدد محكمة دولية من بدأ الحرب. ويلقي كل طرف بالمسؤولية على الآخر فيما يتعلق ببدء الحرب، والواضح أن كليهما أسهم في جذور الحرب. وبغض النظر عن مدى منطقية الحجة التي يطرحها كل طرف، من غير المحتمل أن تتفق طهران وبغداد في المستقبل القريب على تشكيل محكمة نظرًا لإصرار كل طرف على الاستعانة بأطراف «متعاطفة» معه.
وعلى امتداد المستقبل المنظور، لن ترضى إيران بمجرد صدور حكم من مثل هذه المحكمة لصالحها، وإنما ستصر على معاقبة صدام حسين وتقديم تعويضات لها. في الوقت ذاته، تدرك إيران أن احتمالات وصولها إلى مثل هذه النتيجة ضئيلة للغاية، لكن دعمها لفكرة المحكمة يتماشى مع الجهود الدبلوماسية الحالية للأمم المتحدة، ويعينها على تجنب الدخول في معارضة مباشرة لقرار الأمم المتحدة رقم 598 وتعرضها لعقوبات ضدها من جانب الأخيرة.
ومنذ عام 1980، اتفقت إيران والعراق على فكرة المحكمة الدولية لتحديد الطرف المعتدي في الحرب، لكن القضية حظيت باهتمام كبير منذ تمرير قرار الأمم المتحدة رقم 598، يوليو (تموز) الماضي.
وتنص المادة السادسة من القرار على أن يدرس الأمين العام للأمم المتحدة، بالتشاور مع الطرفين المتحاربين، فكرة تشكيل مثل هذا الكيان. إلا أن إيران تصر على أن تخلص المحكمة إلى قرار محدد وتعاقب المعتدي وتقدر التعويضات قبل الشروع في تنفيذ بنود أخرى من القرار الأممي تتعلق بوقف إطلاق النار وانسحاب إيران من مناطق عراقية. أما العراق، فيرى ضرورة تطبيق القرار على نحو متسلسل، وتبعًا لهذا التصور ستنشأ المحكمة فقط بعد وقف إطلاق النار والانسحاب الإيراني.
الحجج العراقية ضد إيران
يدفع العراق بحجة أن غزوه إيران في سبتمبر (أيلول) 1980 كان مبررًا بسبب محاولات طهران منذ مطلع عام 1979 إسقاط النظام العراقي. وتشدد بغداد على أن إيران دعت مرارًا لاندلاع انتفاضة ضد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عبر إذاعاتها وقدمت دعمًا ماديًا وماليًا للمنشقين من الشيعة والأكراد من العراقيين.
وطبقًا للجانب العراقي، فإن قتلة مأجورين هم من شاركوا في حملة إرهابية بتوجيه من طهران جرى تنفيذها داخل بغداد وبلغت ذروتها في محاولة قتل نائب رئيس الوزراء آنذاك طارق عزيز ووزير عراقي آخر في أبريل (نيسان) 1980.
أيضًا، سعت إيران نحو تقويض النظام العراقي عبر حملة من المضايقات الدبلوماسية والعسكرية، طبقًا لما أفاده مسؤولون عراقيون. وأشاروا إلى أن طهران استولت على قنصليتين عراقيتين غرب إيران في نوفمبر 1979، وعمدت باستمرار إلى قصف نقاط تمركز لقوات حفظ الحدود العراقية واخترقت الأجواء العراقية. وبلغت الانتهاكات الحدودية ذروتها في قصف 3 مدن حدودية عراقية في 4 سبتمبر (حادثة ترى بغداد أنها تشكل بداية الحرب).
رغم هذه الاستفزازات، يؤكد العراق أنه بذل جهودًا دؤوبة لبناء علاقات أفضل مع طهران. ويدعي العراق أنه بعث رسالة تهنئة إلى الخميني في فبراير (شباط) 1979 فور عودته من المنفى إلى طهران وعرض خلال الأشهر التالية عقد مقابلات مع مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى.
الحجج الإيرانية ضد العراق
تؤكد إيران أن محاولتها تقويض النظام العراقي تشكل استجابة مبررة للسياسات العراقية العدائية. وتبعًا لما ذكره مسؤولون إيرانيون، قدم العراق دعمًا ماديًا وماليًا للأقليات العربية والكردية داخل إيران. ويزعمون أن هذه الحملة العدائية التي شنها العراق تضمنت تقديم الدعم المباشر للاستيلاء على السفارة الإيرانية في لندن من جانب معارضين من الأحواز العرب وتنفيذ محاولات اغتيال بحق مسؤولين إيرانيين، بينهم وزير الخارجية قطب زاده في أبريل 1980. وتدعي طهران كذلك أن القوات العراقية انتهكت الحدود الإيرانية باستمرار خلال عامي 1979 و1980، قبل الغزو العراقي في سبتمبر 1980.
ويقول الإيرانيون كذلك إن محاولاتهم تقويض نظام صدام حسين مبررة بسبب سياساته التمييزية ضد الشيعة العراقيين، وإن العراق يتعمد بصورة ممنهجة إقصاء الشيعة عن السلطة، علاوة على إعدام الزعيم الشيعي محمد باقر الصدر و70 ناشطًا شيعيًا آخر عام 1980.
مراجعة الأدلة
بادئ الأمر، سعى العراق للتقارب مع إيران بعد رحيل الشاه في يناير (كانون الثاني) 1979. ورغم شعور بغداد بالأسف لعودة الخميني إلى إيران من باريس في وقت لاحق من الشهر ذاته، فإنها أملت في أن تتمكن من العمل مع العناصر الإيرانية المعتدلة، مثل رئيس الوزراء بارزغان، وذلك للحيلولة دون عودة الدعم الإيراني للأكراد العراقيين. تبعًا للتقارير الواردة في ذلك الوقت من قسم تمثيل المصالح الأميركية في بغداد، فإن العراق استدعى مرارًا السفير الإيراني في بغداد خلال النصف الأول من عام 1979، للإعراب عن قلقه حيال الفوضى السياسية في إيران ولحث طهران على تنفيذ بنود اتفاقية الجزائر المبرمة عام 1979 التي وافق في إطارها الشاه على إنهاء دعمه للعصابات الكردية العراقية المسلحة.
وبدأت العلاقات بين الدولتين في التردي بحدة في أعقاب إلقاء العراق القبض على الصدر في يونيو (حزيران) 1979 للاشتباه في تأجيجه القلاقل في صفوف العراقيين الشيعة بدعم من إيران. كان الخميني قد تعرف إلى الصدر أثناء وجوده بالمنفى بمدينة النجف العراقية بين عامي 1965 و1978. وانتقامًا من إلقاء القبض عليه، أذاعت إيران دعوات متكررة للإطاحة بنظام صدام حسين. واستجابت بغداد بإذاعات معادية من جانبها، لكنها لم تدعُ لإسقاط الحكومة الإيرانية.
ويكاد يكون في حكم المؤكد أن الجانبين قدما قدرًا كبيرًا من الدعم المادي والمالي للمنشقين لدى كل منهما بحلول أواخر 1979.
عام 1980، يكاد يكون في حكم المؤكد أن الجانبين نفذا عمليات إرهابية ضد مسؤولين من الجانب الآخر. كما أننا نشتبه، لكن لا نملك دليلاً على ذلك، في أن إيران قدمت دعمًا مباشرًا لمنشقين عراقيين شاركوا بحملة كبرى لاغتيال مسؤولين عراقيين بلغت ذروتها في محاولة قتل نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز في 2 أبريل ووزير الإعلام العراقي بعد ذلك بـ12 يومًا.
ومع تردي العلاقات الثنائية، بدأ العراق في الاستعداد للحرب خلال النصف الأول من 1980.
إلا أن العراق لم يشرع في تعبئة قواته إلا بعد القصف الإيراني لمدن حدودية عراقية في 4 سبتمبر. ورغم أن هذا شكّل الانتهاك الحدودي الأكثر خطورة من قبل الجانبين منذ تردي العلاقات في منتصف عام 1979، فإن السرعة التي نفذ بها العراق تعبئة القوات توحي بشدة أن بغداد كانت تتطلع نحو ذريعة للهجوم. في 22 سبتمبر، غزت 9 فرق عراقية إيران على امتداد جبهة بلغت 700 كيلومترًا.
التعويضات هي الهدف
«نعتقد أن الأمين العام للأمم المتحدة سيواجه صعوبة بالغة في تشكيل محكمة دولية مرضية للطرفين»، هكذا كتب المحللون في الوثيقة. ويكاد يكون في حكم المؤكد أن إيران ستصر على نيل سلطة الموافقة على أعضاء المحكمة وستنتظر منهم الوصول إلى حكم سريع ومعاقبة صدام حسين وتقييم التعويضات. وحتى إذا أصدرت المحكمة حكمًا لصالح إيران بوجه عام، فمن المحتمل أن تمضي طهران في محاولة تحقيق انتصار عسكري أمام العراق إلا إذا تمكنت المحكمة على نحو غير متوقع من الحصول على تعويضات واتخاذ ترتيبات للإطاحة بصدام من السلطة. ونظرًا لإدراك إيران أن احتمالات الوصول إلى مثل هذه النتيجة ضئيلة للغاية، نعتقد أن هدفها قصير الأجل من وراء تأييد فكرة تشكيل محكمة دولية يكمن في التماشي مع الجهود الدبلوماسية الحالية التي تبذلها الأمم المتحدة لتجنب الدخول في رفض صريح لقرار الأمم المتحدة رقم 598 والتعرض لعقوبات من جانب الأخيرة.
على الجانب الآخر، سيصر العراق هو الآخر على اختيار أعضاء بالمحكمة متعاطفين معه يؤمنون بمسؤولية إيران عن اشتعال الحرب. ونكاد نجزم بأن العراق لن يدفع تعويضات.
وعليه، فإن المحكمة، حال تشكيلها، قد تحاول اتخاذ قرار حكيم يضمن خروج الطرفين فائزين فيما يتعلق بتحديد أسباب الحرب. قد تشدد المحكمة على الحدث البارز (الغزو العراقي). حال حدوث ذلك، فإن طهران قد ترى في ذلك تشجيعًا لها على إنهاء الحرب. إلا أن أعضاء المحكمة قد يشعرون كذلك بالحاجة إلى أن يضعوا في اعتبارهم الأعمال العدائية الإيرانية تجاه العراق قبل الحرب، وذلك لأسباب، منها تجنب إثارة سخط بغداد.



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».