افتتاح مشاريع صحية وتنموية في العلا السعودية

مدينة التاريخ شهدت تدشين اقسام بإحدى المستشفيات بقيمة 6.6 مليون دولار

الأمير فيصل بن سلمان خلال جولته الميدانية ({الشرق الأوسط})
الأمير فيصل بن سلمان خلال جولته الميدانية ({الشرق الأوسط})
TT

افتتاح مشاريع صحية وتنموية في العلا السعودية

الأمير فيصل بن سلمان خلال جولته الميدانية ({الشرق الأوسط})
الأمير فيصل بن سلمان خلال جولته الميدانية ({الشرق الأوسط})

تتفاخر المدن القديمة بما تحتويه من موقع أثري، أو زاوية هنا، أو معلم هناك، يحكي حقبة زمنية، إلا أن العلا القابعة في الجزء الشمالي الغربي من المدينة المنورة، تعد أغنى وأقدم المواقع التاريخية والأثرية على مستوى العالم، وتحتضن العشرات من المواقع التي تحكي حقبا زمنية مختلفة.
وكان الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة، قد دشن بمحافظة العلا عددًا من المشروعات الصحية والتنموية، تضمنت افتتاح عدد من الأقسام بمستشفى الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز، بقيمة 25 مليون ريال (6.6 مليون دولار)، وتوقيع 6 اتفاقيات لجامعة طيبة. كما قام الأمير فيصل، بجولة ميدانية تفقدية لعدد من المشروعات التنموية بقيمة 324 مليون ريال (86.4 مليون دولار)، شملت التعليم والإسكان.
وقد شملت المشروعات الطبية أقساما متعددة وجديدة بمستشفى الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز، فيما شملت المشروعات التنموية التعليمية عرض تصميم مفهوم مركز الدعم النموذجي في محافظة العلا. ورعى أمير منطقة المدينة المنورة، توقيع اتفاقية تشغيل مركز الدعم النموذجي، وتوقيع اتفاقية الجامعة مع محافظة العلا، واتفاقية الجامعة مع الغرفة التجارية، وتوقيع اتفاقية الجامعة مع منتجع صحارى العلا لتوظيف خريجي دبلوم السياحة، وتوقيع اتفاقية منتجع صحارى مع لجنة التنمية بمغيراء.
وأكد الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أهمية أن تتلاءم المخرجات التعليمية لجامعة طيبة في محافظة العلا مع معطيات المحافظة التنموية، مشيرا إلى ما تتميز به محافظة العلا في الجانب الزراعي والسياحي، وما تزخر به من آثار.
وبالعودة إلى التواريخ القديمة قبل الميلاد، كانت «العلا» مركزًا تجاريًا بارزًا تتجمع فيه التجارة القادمة من أفريقيا وآسيا وجنوب شبه الجزيرة العربية، التي تحمل التوابل والعطور والبخور، وكانت هذه الفترة مرطبة بأربع حضارات تتمثل في «دادان، ولحيان، ومعين، والأنباط» وكان ارتباطها بالتاريخ في القرن السادس قبل الميلاد. وتحتضن المدينة في جنباتها كثيرا من حكايات التاريخ، ففي شمالها تطل على التاريخ من مدائن صالح، إذ تقص أحجارها رواية نقشت قبل 4 آلاف عام قبل الميلاد، وتروي حكاية أقوام وأحداث وقعت في تلك الفترة، وظلت شاهدة على العصر القديم المتمثل في حضارة الأنباط، وقوم ثمود الذين عاشوا فيها مخلفين آثارا وعمارة لا مثيل لها على وجه الأرض، ما جعل اليونيسكو تضمها إلى مناطق التراث العالمي في عام 2008.
وقيل عن العلا، إنها المتحف المكشوف والوحيد على مستوى العالم، الذي تجوب فيه وتشهد التاريخ في كل مكان، على مساحة تبلغ أكثر من 13 كيلومترا مربعا، وهذه المساحة تسمح للزوار بالتجول والتمعن في آن واحد، ليقفوا بين أركان التاريخ المتمثل في مقابر، ودواوين، وقصور، منحوتة في الجبال، تدل على مهارة وتقدم الشعوب التي عاشت يوما فيها.
وكثير من زوار المنطقة التاريخية في العلا، لا بد أن يعرج على جبل الفيل الذي يبعد نحو 20 كيلومترا عن مركز العلا، ويشكل الجبل كتلة صخرية تشبه الفيل في منطقة متسعة تكسوها الرمال الذهبية، ومحاطة بمجموعة من الجبال، وهذا يستهوي السياح والزوار لقضاء أمسية ليلية، وإقامة الرياضات الصحراوية وتسلق الجبال. كما يهتم زوار المدينة بزيارة «جبل الحوارة» وهو الجبل الذي خرجت منه ناقة صالح، ولجأ إليه الحوار بعد عقر الناقة. ويقع الجبل جانب منطقة مزحم الناقة، والتي ترتبط أيضًا بقصة ناقة نبي الله صالح وقتلها في ذلك المكان. ويقع الجبل في منطقة صحراوية طبيعية مميزة، تصلح كثيرًا لمحبي الطبيعة.
ولا بد لسياح مدينة العلا، من أن يعرجوا على «القصر الفريد» الذي يعد أشهر المقابر النبطية في الحجر، والذي يتميز بواجهة شمالية كبيرة جدًا. وسمي الفريد لانفراده بكتلة صخرية مستقلة، وكذلك لاختلاف واجهته الكبيرة عن المقابر الأخرى في مدائن صالح، إضافة إلى «المعابد والنصب الحجرية» التي يبحث عنها المؤرخون وهواة التاريخ القديم، للنظر في لوحة فنية هائلة الجمال رسمها التاريخ بكل شموخ، والتي تتضمن محرابًا تعبديًا خاصًا بالعشيرة التي أقامته.
وقبل أن تخرج من المتحف المفتوح، لا بد أن تتجول في «القرية التراثية» التي تحتضن المباني القديمة من الحجر والطين، وتحكي قصة التجمعات السكانية وأسلوب العيش والأنشطة والتعاملات السائدة في تلك الفترة، كما تحوي مركزًا للمعلومات السياحية. كما كشف في تلك المنطقة عن المنطقة السكنية، وهي بقايا منطقة سكنية قديمة مهمة ومتميزة تعود إلى فترات تاريخية متميزة من الاستيطان البشري والنشاط السكاني في المنطقة.
يذكر أن الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، قام بزيارة لمهرجان قرية الفرسان المقام بمحافظة العلا، تجول خلالها في أقسام المهرجان، واطلع على ما تقدمه الأسر المنتجة من منتجات شعبية ومشغولات وحرف يدوية.
وأكد أمير منطقة المدينة المنورة، على أهمية دور الفعاليات والبرامج الشعبية والاجتماعية، في إحياء المهن التراثية التي كان يمارسها الأجداد منذ عقود.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».