وثائق «سي آي إيه» إيران والجيران بعد ثورة الخميني (2): وحدة دول الخليج ... كابوس المرشد الإيراني

الـ«سي آي إيه» تنبأت أن طهران ستمد «الشيعة العرب» بالسلاح واعتبرته «تهديدًا للأمن القومي»

موظفو القصر في طهران يعلقون صورة الخميني مكان صورة الشاه عقب الثورة الايرانية.. وفي الإطار 53 رهينا أميركيا احتجزتهم طهران 444 يوما عام 1981 (غيتي)
موظفو القصر في طهران يعلقون صورة الخميني مكان صورة الشاه عقب الثورة الايرانية.. وفي الإطار 53 رهينا أميركيا احتجزتهم طهران 444 يوما عام 1981 (غيتي)
TT

وثائق «سي آي إيه» إيران والجيران بعد ثورة الخميني (2): وحدة دول الخليج ... كابوس المرشد الإيراني

موظفو القصر في طهران يعلقون صورة الخميني مكان صورة الشاه عقب الثورة الايرانية.. وفي الإطار 53 رهينا أميركيا احتجزتهم طهران 444 يوما عام 1981 (غيتي)
موظفو القصر في طهران يعلقون صورة الخميني مكان صورة الشاه عقب الثورة الايرانية.. وفي الإطار 53 رهينا أميركيا احتجزتهم طهران 444 يوما عام 1981 (غيتي)

عندما أسس المرشد الإيراني «آية الله» الخميني في فبراير (شباط) من عام 1979، جمهوريته الإسلامية على أنقاض نظام شاه إيران محمد رضا بهلوي، لم يكن مجلس التعاون الخليجي قد تأسس. وطبقا لما ترويه تقارير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، في الوثائق التي أزيح عنها ستار السرية، مؤخرا، فإن الوكالة بدأت منذ الشهور الأولى لعودة الخميني من منفاه في باريس إلى كرسي الحكم في طهران، برصد مؤشرات مبكرة على عزم النظام الإيراني الجديد على تصدير ثورته لبعض الجيران وبسط نفوذه على جيران آخرين.
وتوصل محللو الوكالة في ذلك الحين إلى أن الخميني كان يأمل في ابتلاع البحرين أولا، والكويت ثانيا، قبل الإقدام على أي خطوة أخرى. وكان أكثر ما يخشاه الخميني في ذلك الحين هو أن تبادر دول الخليج العربية إلى تنظيم نفسها في تكتل واحد يجمعها مع المملكة العربية السعودية، أو يوحد بين دول الخليج العربية الست في نمط من أنماط الاتحاد والتعاون بما يؤدي إلى إجهاض آمال الخميني في الانفراد بالكويت والبحرين.
لم يمر سوى عام ونصف العام على نقاش مخاوف الخميني في حال توحد دول الخليج في الأروقة السرية لوكالة الاستخبارات لأميركية إلا وقد تحقق بالفعل ما كان يخشاه، حيث أعلنت دول الخليج العربية الست في منتصف عام 1981، تشكيل مجلس التعاون الخليجي، في وقت كان فيه الخميني قد تورط منذ شهر سبتمبر (أيلول) من العام السابق 1980، في حرب طاحنة مع العراق. تسببت هذه الحرب في تأجيل خطط المتحاربين لالتهام جيرانهم الصغار.
أثناء ذلك، كانت نشوة الانتصار على نظام الشاه قد بدأ زخمها يتلاشى، لكن جهود مد النفوذ إلى بلدان الجوار ومحاولات إيران زعزعة استقرار الجيران لم تتوقف مثلما لم تتوقف شكوى واشنطن من السلوك الإيراني منذ أواخر عهد الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر حتى أوائل عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترمب. مرورا بإدارات أربعة رؤساء آخرين، هم الجمهوريان جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، والديمقراطيان بيل كلينتون وباراك أوباما. وفي الصفحات التالية أمثلة من تقارير استخبارية أميركية توضح فيها وكالة الاستخبارات المركزية بعضا من خفايا العلاقة بين إيران والجيران، طوال الفترة التي كانت فيها الوكالة شاهدا عليها بتقاريرها.
في التقرير الصادر عن دائرة الشرق الأدنى في وكالة سي آي إيه، في أكتوبر (تشرين الأول) 1979، وتطرقنا إلى أجزاء منه في الحلقة السابقة، أكد محللو الوكالة أن إيران تعمل على توظيف الأقليات الشيعية في البلدان العربية ذات الأغلبية السنية لخدمة الخطط الإيرانية الساعية لزعزعة أمن واستقرار دول الجوار. ولكن الوكالة لم تستند في استنتاجها الجازم عن هذا الأمر إلى معلومات سرية أو أدلة دامغة على تحركات بعينها، لكنها اعتمدت في الأساس على تفسير محلليها لتصريحات كبار «آيات الله» الإيرانيين عن كل من البحرين والكويت. واعترفت الوكالة في التقرير بعجزها عن معرفة مدى الدعم الذي تقدمه طهران لشخصيات بعينها من قيادات الشيعة في البحرين والكويت.
وجاء في التقرير المؤلف من عشر صفحات أن إيران شجعت المواطنين الشيعة في هذين البلدين الخليجيين على التمرد، وتنظيم الاحتجاجات ضد حكومتي هاتين الدولتين.
ورجحت الوكالة في التقرير المقدم لصناع القرار بأن التواصل المباشر بين المسؤولين الجدد في طهران، مع الشخصيات المعارضة في الكويت أقل كثافة مما يتم تصويره في الإعلام الإيراني وأقل زخما مما هو حاصل بالفعل مع المعارضة البحرينية، رغم أن هناك وفودا كويتية استقبلها الخميني في طهران.
فيما يتعلق بالسعودية، يبدو أن الحجم الكبير للبلاد وعدد سكانها وضخامة إمكاناتها جعلت المحللين الأميركيين أقل مبالغة في توصيف الخطر الداخلي بالمقارنة مع بقية دول الخليج العربية. وحسب تقديرات وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، فإن الأقلية الشيعية في السعودية تصل نسبتها إلى 2 في المائة من عدد السكان. وينشط الكثير من أبنائها في التجارة والأعمال الحرة.
وربما أن همومهم ومطالبهم لا تختلف عن هموم وقضايا بقية السكان في رأي الوكالة. لكن اللافت فيما أشار إليه التقرير الصادر عام 1979، هو أن أعيان الشيعة في المملكة لم تصدر عنهم أي حماسة لمحاولات النظام الجديد في طهران لاختراق صفوفهم. ووصف التقرير موقفهم من نظام الخميني بأنه اتسم بالحذر الشديد وعدم التسرع في الاستجابة للتحريض القادم من طهران.
لكن التقرير لم يتطرق إلى دور الخلاف الآيديولوجي بين الشيعة بشأن ولاية الفقيه، التي ينظر إليها الكثير من مجتهديهم على أنها بدعة وخروج عن المتعارف عليه في مذهبهم الجعفري. وبدلا من توضيح هذه الجزئية استرسل التقرير في الحديث عن النشاط السياسي للشيعة في عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين، سواء كانوا في العراق أو السعودية أو البحرين، قائلا إنهم أكثر ميلا للأحزاب اليسارية والقومية بما في ذلك حزب البعث العربي الاشتراكي، بل إن البحرين كانت بمثابة الملتقى للشيوعيين العرب من كافة أنحاء البلاد العربية. فضلا عن أن نشاط القوميين واليساريين في تلك الفترة كان مفتوحا على مصراعيه في العراق وسوريا. ولم تكن الأحزاب الدينية والتنظيمات الإسلامية في تلك الفترة جاذبة للناشطين الشيعة.
لم تقتصر محاولات التمدد الإيراني على الجانب الغربي والجنوبي من الحدود، بل كانت هناك جهود لمد النفوذ باتجاه الشرق، وعلى وجه التحديد في أفغانستان. ولاحظت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 1979 أن الخلاف الكبير بين العلمانيين ورجال الدين في طهران ظهر بشكل جلي في وجهتي نظر الطرفين بشأن التدخل في أفغانستان إبان الاحتلال السوفياتي.
حسب ما ورد في تقرير الوكالة، فقد كان رئيس الوزراء الإيراني مهدي بازرجان يميل إلى عدم تدخل بلاده في الشؤون الداخلية لأفغانستان. وأعلن عن تقديم إيران معونات إنسانية لنحو 4000 - 5000 لاجئ أفغاني موجودين على الجانب الإيراني من الحدود. غير أن التناقض بين موقف الساسة وموقف الملالي بات واضحا، فقد أعلن الملالي عن تأييدهم الصريح للتمرد داخل أفغانستان ضد النظام العلماني، وكان ذلك عن طريق الخميني نفسه الذي أصدر أوامره لدعم المتمردين الذين يحاربون النظام غير الإسلامي، ورغم ذلك يعد التأثير الإيراني على مجريات السياسة في أفغانستان ضئيلا. وتفسر الوكالة ذلك بأنه عائد للاختلاف المذهبي.
رغم تكرار التأكيدات الصادرة عن الحكومة الإيرانية وكبار المسؤولين هناك على عدم تدخل بلادهم في الشؤون الداخلية لجيرانهم. وتشديد المسؤولين الإيرانيين بأن إيران لا تسعى لتصدير الثورة أو إرسال الأسلحة لقتال أنظمة أخرى، فإن طهران حسب ترجيح الاستخبارات الأميركية في تلك الأيام سوف تستمر في التدخل بأساليب مباشرة وغير مباشرة في شؤون دول الجوار.
ورأت الوكالة أثناء كتابة التقرير بعد شهور من اندلاع الثورة الإيرانية أن نظام ولاية الفقيه في إيران سوف يتخذ من دعم الأقليات الشيعية في دول المنطقة، ذريعة للتدخل. وتوقع محللو الوكالة ألا يتجاوز الدعم الإيراني للمعارضين العرب بعض المعونات المالية الضئيلة. أما الدعم الحقيقي فسوف يكون دعائيا وتحريضيا أكثر مما هو واقعي. وحذرت الوكالة من أن تقديم السلاح والذخائر لأي مجموعة في أي بلد من بلدان المنطقة هو ما سيشكل تهديدا كبيرا على الأمن الداخلي للدول ولأمن المنطقة بصورة عامة.
ونبه التقرير إلى أن الدولة الخليجية الأكثر تعرضا للخطر الإيراني هي البحرين، وتأتي بعدها بدرجة ثانية الكويت. أما العراق حسب اعتقاد محللي وكالة الاستخبارات الأميركية فإن هناك عوامل كثيرة تجعل التدخل الإيراني في شؤونه لا تستدعي الشعور بالخوف للخوف أو الخطر آنذاك. ويعود هذا الافتراض على ما يبدو إلى علم المحللين أن قوة القبضة الأمنية للنظام العراقي في تلك الأيام، بالإضافة إلى قوة جيشه وحصانته الآيديولوجية تقلل من المخاوف عليه، وإن كانت لا تزيلها تماما.



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.