«ربيع الإليزيه» في الصويرة يحتفي بعمالقة الموسيقى الكلاسيكية

أندري أزولاي: هذا فن يعبر كل البلدان وليس له حدود

أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، إلى جانب بعض حضور حفل افتتاح المهرجان («الشرق الأوسط»)
أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، إلى جانب بعض حضور حفل افتتاح المهرجان («الشرق الأوسط»)
TT

«ربيع الإليزيه» في الصويرة يحتفي بعمالقة الموسيقى الكلاسيكية

أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، إلى جانب بعض حضور حفل افتتاح المهرجان («الشرق الأوسط»)
أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، إلى جانب بعض حضور حفل افتتاح المهرجان («الشرق الأوسط»)

شهدت دار الصويري في مدينة الصويرة، الليلة قبل الماضية، حفل افتتاح فعاليات الدورة الـ14 لمهرجان ربيع الموسيقى الكلاسيكية، الذي تنظمه جمعية الصويرة موكادور بشراكة مع مؤسسة الثقافات الثلاث وبدعم من مؤسسات أخرى مغربية وأجنبية. ويستمر المهرجان إلى يوم الاثنين المقبل.
وانطلق الحفل بكلمة افتتاحية لأندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، الذي عبر عن فخره بتنظيم هذا المهرجان للدورة الـ14 منذ انطلاقه، مضيفا أن المغرب لديه كل المؤهلات للاحتفاء بالموسيقى العالمية، وقال أزولاي إن «الموسيقى تعبر كل البلدان وليس لها حدود ولا تتطلب أي جواز أو تأشيرة عبور لتسافر من بلد لآخر»، مبرزا أن الصويرة تحب الموسيقى وكل الموسيقى مغرمة بالصويرة، داعيا الجمهور الأجنبي أن يكون سفيرا للموسيقى الكلاسيكية في بلده.
وأوضح أزولاي لـ«الشرق الأوسط»، أن المهرجان يشارك فيه عمالقة الموسيقى الكلاسيكية وموسيقيون تميزوا بالاحتراف وشهرة عالمية، مفيدا أن مهرجان ربيع الموسيقى الكلاسيكية الذي يعرف بربيع الإليزيه بالصويرة، أعطى عنوانا وهوية مغربية لموسيقى الصالونات، وأصبح جزءا من المشهد المغربي وموعدا بجنوب البحر الأبيض المتوسط الذي يبحث عنه آلاف المولعين من العالم بهذا الفن.
يشار إلى أن حفل الافتتاح، عرف حضور رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية المغربي، وسفراء عدد من الدول الأجنبية كشيلي والمكسيك والبرازيل، وجمهور غفير من إيطاليا وألمانيا وإنجلترا والمغرب.
وشهدت السهرة الافتتاحية عزف مقتطفات أصيلة مع كلير ديزيرت في البيانو، وباتريس فانتا ناروزا في الكمان، ويوفان ماركوفيتش في التشيلو. وهي معزوفات جعلت من يستمع إليها يسافر بعيدا، تتسلق أدراجا واحدة تلو الأخرى بنغمات سريعة وأخرى بطيئة، بين كل عتبة يقف الحاضرون لوهلة ويمضون كأنهم يركبون قطارا من ترانيم سجية ممزوجة بعبق النسيم، وثيرة سريعة تستشف منها معاني الحرية وأصداء كسر القيود، تنغم بالفرح والأمل وتصدح بالطيب والحنان.
ثلاثي يداعبون آلاتهم الموسيقية ويتراقصون معها، انسجام ممزوج بالصوت والحركة، يذيب من ينصت إليه وترديه أرجوزة تتحكم فيها النغمات، رؤوس جماهير تتمايل وأخرى تتنفس أصواتا منغومة، وبين هذا وذاك سكينة الإنصات تمضي وتسكن الأجواء، هكذا تجاوب جمهور دار الصويري بثلاث وصلات استطاعت أن تؤكد أنه ربيع الموسيقى في فصل ربيعي مهما اعترته من تغيرات في الجو وتقلب في الطقس.
ثنائيات موسيقية بين أخذ ورد، كأنه أرقى جدال تلهف الأذن لسماعه، ويرقى الفؤاد لينبض معه، نهايات وبدايات لا تنتهي، تهز مستمعيها وتحلق بهم من الأرض إلى السماء، سفر موسيقي يعبر الحدود ولا يعرف مستقرا.
وسيلتقي جمهور المهرجان بأوركسترا الفيلارمونية للمغرب خلال سهرتين من أجل تبين الدور والحصة الجميلة القائمة بين الأساتذة وطلبتهم، وكذا موسيقى الأفلام التي مكنت السينما من ترسيخ تعريفها وهويتها بالذاكرة الجماعية.
ومن اللحظات القوية التي يتميز بها المهرجان خلال هذا العام، زمن السهرات العائلية مع حسناء بناني ورضا بناني اللذين أكدا جرأتهما بالصويرة قبل ظهورهما المتميز بباريس ومدن أوروبية أخرى، وذلك مع الثلاثي ميشيل والرباعي جيرارد والعازفين المنفردين للأوركسترا الفيلارمونية للمغرب، والثلاثي موسيقى هومانا إلى جانب التفاعل المعتاد لمواهب الشباب، الذين يضمنون حضورا متميزا خلال صباحيات ربيع موسيقى الإليزيه.
يذكر أن مدينة الصويرة، أصبحت لها مكانة ثقافية بارزة وبصمة موسيقية متميزة، امتلكتها من خلال الأنشطة الفنية التي تحتلها على الصعيد المغربي والدولي، بيد أنها تحتضن سبعة مهرجانات موسيقية، منها مهرجان «كناوة» و«الطرب الأندلسي والملحون» و«شرب الشاي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».