«أزمنة عصرية».. كوميديا كلاسيكية بنيات اجتماعية

حين اكتشف شابلن مساوئ العصر الحديث

«أزمنة عصرية».. كوميديا كلاسيكية بنيات اجتماعية
TT

«أزمنة عصرية».. كوميديا كلاسيكية بنيات اجتماعية

«أزمنة عصرية».. كوميديا كلاسيكية بنيات اجتماعية

لم يكن ضروريا أن يعاد إطلاق فيلم تشارلي شابلن «أزمنة عصرية» على أسطوانات قبل أشهر قليلة لكي يعاد تخليد دور الممثل والمخرج العالمي في صياغة السينما الكوميدية، وبل السينما على نحو عام. أساسا كان إطلاق الفيلم سابقا على أسطوانات DVD قبل أربع سنوات وعلى أشرطة فيديو أكثر من مرة في العقدين الماضيين. لكن، وكما حال المرات الماضية، يسطو ذلك على اهتمام الهواة والباحثين على حد سواء. فالفيلم يحمل، لجانب قيمته الفنية، وضعا غريبا بين أفلام الكوميدي الأشهر وعلى أكثر من صعيد.
حين أنجز شابلن «أزمنة عصرية»، Modern Times، سنة 1936 كان مر على نطق السينما ثماني سنوات. جزئيا سنة 1927 ثم كاملا بدأ من العام التالي. قبله كان أخرج فيلمين آخرين غير ناطقين هما «السيرك» في عام 1928 و«أضواء المدينة» في عام 1931.
«أزمنة عصرية».. كان أيضا آخر فيلم صامت ينجزه، بعده أخرج ومثل فيلمه الشهير «الديكتاتور العظيم» (1940) وجاء ناطقا بالكامل، كذلك حال أفلامه الأربعة الأخرى بعد ذلك: «مسيو ڤردو» - 1947 و«أضواء الشهرة» (1952) و«ملك نيويورك» (1957) و«كونتيسة من هونغ كونغ» (1967).
لابد من ملاحظة أن «أزمنة عصرية» (وهو الفيلم السبعون من إخراجه منذ عام 1914) كان آخر ظهور لشخصيته الشهيرة، شخصية شارلو المتسكع. في فيلمه التالي، «الديكتاتور العظيم»، لعب دورين: دور شخص مستنبط من هتلر ودور حلاق يهودي، كلاهما لا علاقة له بشخصيته الشهيرة تلك.
شابلن في كل أفلامه الطويلة، وفي عدد كبير من أفلامه القصيرة، كان معاديا لما هو نظامي. في «أزمنة عصرية» بات ذلك أكثر وضوحا من أي فيلم آخر. أن يقول المرء إن فيلمه هذا هو تعليق شابلن على زمنه، فإن هذا أمر بدهي. ما يجب أن يقدر بالاهتمام ذاته هو أن الفيلم أحد أفضل أعمال شابلن في تاريخه، أي لجانب أربعة أفلام أخرى اعتبرت أهم ما حققه الممثل - المخرج وهي «الفتى» (1921) و«اندفاع الذهب» (1925) و«أضواء المدينة» (1931) و«الديكتاتور العظيم» (1940). الجدال دار بشأن أفلام جيدة أخرى منها «أضواء الشهرة» (1952) و«مسيو فردو» (1947).

* حكاية العلم
في «أزمنة عصرية» ينتقل شابلن من وضع لآخر. الشخصية واحدة، لكن الظروف تختلف. والفيلم مبني على فصول طويلة كل منها تشكل ما يشبه الفيلم المنفصل لولا بعض الشخصيات التي تنتقل بدورها إلى الفصل التالي، ولولا أن العمل مكتوب على أساس فيلم طويل واحد.
في البداية هذا هو شارلو عامل في مصنع. في ساعة الاستراحة يجري اختياره لإجراء تجربة تتيح لصاحب المصنع توفير ساعات الاستراحة عن طريق إجبار الموظفين على تناول الطعام بواسطة آلة خلال عملهم ومن دون ترك المكتب. الآلة تطعم وتمسح الفم وتختار من الوجبة الكاملة ما على العامل تناوله بالترتيب (الشوربة أولا والطعام ذاته ثانيا وهكذا…).
خلال التجربة تفقد الآلة نظامها المحدد فتزداد سرعتها بحيث تتابع عمليات حشر الطعام في فم شارلو المربوط إلى الكرسي قبل أن تتعطل تماما وتتوقف. صاحب المصنع غير راض عن النتيجة لكن شارلو يخرج من التجربة، وقد أصيب بعارض نفسي، فقبل تلك الحادثة نراه في مهمته كعامل على إحكام المسامير الملولبة (الزنبرك) التي تمر أمامه سريعا. إذا تأخر عنها وفلتت إحداها يصير من الصعب عليه اللحاق بها لأن هناك بعده عمال آخرون بمهام مشابهة. إنه عمل روتيني في حركته وإيقاعه وشكله. يمسك شارلو بمفتاحي ربط الزنبرك ويعمل على كل مسمار يصل أمامه. بعد التجربة يفقد شارلو اتزانه ويتأخر عن اللحاق بتلك المسامير ويرتبك كما أي جهاز روبوت تعطل برنامجه. يستدير بالمفتاحين صوب رفاقه ويبدأ بقرص ولوي أنوف بعض زملائه ثم يلاحق امرأة ترتدي أزرارا تشبه المسامير التي كان يعمل عليها ليلويها. يمسك بمزيتة ويبدأ برش الزيت على زملائه (في المقدمة الممثل الذي كان صاحبه في أعماله القصيرة السابقة شستر كونكلين).
ثم تأتي اللحظة التي يدخل فيها شابلن إلى الآلات الصناعية ذاتها، منتقلا مثل شريحة متحركة، من آلة إلى أخرى.
في الفصل الثاني، وبعد إرسال شارلو إلى المستشفى النفسي وإعفائه عن عمله، يخرج إلى الحياة من دون عمل. ها هو يمشي في أحد شوارع المدينة، فإذا بشاحنة صغيرة تمر به وعلى مؤخرتها ذلك العلم الأحمر الذي كان يستخدم فيما مضى للتحذير من حمولتها. يسقط العلم أرضا، فيلتقطه شارلو ويلوح به في الوقت الذي تتقدم وراءه مظاهرة عمالية وتلتحق به كما لو كان قائدها كونه يحمل علما يلوح به.
هذا ما اعتقدته الشرطة أيضا وهي تقبض عليه وتضعه في السجن. هناك يحاول التأقلم لكن الأمر يختلط عليه ذات مرة فيرش الكوكايين الموضوع على طاولة الطعام معتقدا أنه ملح. إذ يكتسب شجاعة مفاجئة، يبطل عملية هروب يقودها بعض المسجونين مما ينتج عنه إطلاق سراحه.
في الفصل التالي، يلتقي بفتاة شابة وفقيرة وشريدة (بوليت غودار) هاربة من البوليس لسرقتها رغيف خبز. يحاول الدفاع عنها بالادعاء بأنه هو السارق لكن حيلته لا تفلح. يلتقي بها ثانية بعد هروبها من سيارة البوليس وينجح في إيجاد عمل حارس ليلي. في ليلته الأولى يدخلها إلى المتجر الكبير، الذي يشتغل فيه ويتركها تلهو بالملابس الفاخرة التي فيه ثم يرقص وإياها مستخدما الزلاجات فوق البلاط الناعم. حين يكتشف وجود لصوص يريدون السطو على المكان يطعمهم ويعرض نفسه للطرد مرة أخرى ولإلقاء القبض عليه. الفتاة التي تعرف عليها تشتغل الآن في مطعم مزدحم وتساعده في الحصول على العمل. هناك في المطعم تقع آخر فصول الفيلم وتحتوي على مفارقات وعلى المرة الوحيدة التي نسمع فيها صوت شابلن في هذا الفيلم، إذ يغني إنقاذا لعمله بعدما تسبب في الكثير من المتاعب. لكن النهاية حتمية واللقطة الأخيرة له وللفتاة وهما سائران في طريق خارج المدينة ولو إلى جهة غير معلومة٠

* الرقص على الحافة
فيلم «أزمنة عصرية» هو جهد شابلن الأفضل للحديث عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الأميركي في فترة اقتصادية صعبة. بعد بداية تشبه الناس بالغنم عبر مقاربة بصرية للقطتين، نجد شارلو البسيط والمعدم غير ملائم للعمل في مصنع كبير (ولا في مطعم كبير بعد ذلك). كل الفيلم يحتوي على صور من الفقر والبطالة وسوء المعاملة وعيش الفقراء. ومع أنه لا يسعى لصور مقابلة لشخصيات ثرية، إلا على نحو عابر، إلا أن المشاهد يدرك المغزى المقصود أكثر من مرة، خصوصا خلال الفصل الذي نراه وفتاته يرقصان في ذلك المتجر، ناشدين تحقيق حلم بالثراء لا يرى شابلن أن بالإمكان لشخصيته شارلو وللفتاة التي التقى بها تحقيقه٠
وهو كان كرس هذا الاتجاه بالمشهد الرمزي الذي يحمل فيه العلم. صحيح أنه يبدو كما لو لم تكن له علاقة بالتظاهرة، لكن يحمل على البوليس المتعرض لها ولو أنه يجعل البوليس طرفا في إخراجه من السجن عندما انبرى لكشف خطة الهروب.
في الفصل الذي تدور أحداثه في المتجر نجد براعة شابلن الحقيقية كممثل واستعراضي: شابلن مغمض العينين بعصبة يرقص منتعلا حذاء بعجلات. يقترب في رقصه وحركاته عدة مرات من حافة الطابق الذي يرقص فيه وهي حافة غير مسيجة. يقترب منها من دون حسبان حتى لتخاله سيقع من عل، لكنه يمضي عنها قبل شبر واحد من بلوغه نهايتها. الحركة البهلوانية كانت سلطان السينما الكوميدية الصامتة، ومعها لم يكن هناك حاجة للشرح والكثير منها كان ينضوي على مخاطر حقيقية «باستر كيتون في (ضيافتنا) وهارولد لويد في (السلامة آخرا) وكلاهما سنة 1923»٠
مجرد مشاهدة هذه المخاطر كانت ينبوع الضحك وتأليفها وتصميمها ثم تنفيذها كان جزءا مهما جدا من أيام ما كانت كل الأفلام قصيرة. ومع أن الأفلام كانت صامتة، إلا أن هذه المشاهد كانت تفجر القاعات بضحك ممتزج بالقلق والخشية. وهذا ما سحبه شابلن معه إلى هذا الفيلم من تراث السينما الصامتة القصيرة٠
والمزيد من صور الإخفاق في التلاؤم مع المجتمع يحشده المخرج في الفصل النهائي حين يبدأ شارلو العمل كنادل. أولا يجد صعوبة في استخدام الباب الصحيح لدخول المطبخ أو الباب الصحيح للخروج منه مما يترتب على ذلك مفارقات بينه وبين الخدم الآخرين. ثم هناك ذلك الزبون الذي يحاول شابلن الوصول إليه دوما وسط زحام الراقصين وهو يحمل صينية عليه طلبات الزبون لكنه لا يستطيع، إذ تدور به جموع الراقصين كما لو كان منشفة تحركها الأقدام. ثم هناك المشهد الذي يضع في كمه كلمات الأغنية التي سيغنيها لكن يحاول استخراج الورقة تطير من يده فيصبح غير قادر علي إتمام الأغنية ولا ينقذه سوى قيامه بالغناء بكلمات (فرنسية) مبهمة لا معنى لها٠
«أزمنة عصرية» اقترب من المنع لاحقا عندما اعتبرته «مجلس النشاطات المعادية لأميركا» دليلا على أن شابلن من الشيوعيين الذين يشكلون طابورا خامسا في البلاد. لكن الفيلم بمنظور محايد لا يؤكد إلا حقيقة استخدام الفنان لوسائله التعبيرية لنقد حركة المجتمع، والحركة المقصودة أساسا هنا هي الصناعة التي رآها تتقدم مخلفة وراءها من لا يستطيع مواكبتها.
شابلن رد التهمة عن نفسه لكنه في النهاية اضطر لمغادرة الولايات المتحدة خوفا من حكم بالسجن.
بعيدا عن هذه الناحية، التي تستدعي بحثا مختلفا، فإن شابلن قرر تصوير نهاية مختلفة عن تلك التي كان صورها سابقا. في النهاية المحذوفة ينتهي مرة أخرى إلى مستشفى المجانين، لكن في النسخة الجديدة سيبتسم وسيطلب، صمتا، من الجمهور أن يبتسم ثم يمضي سعيدا مع صديقته الجديدة.
في عام 2003 جرى تقديم الفيلم في عرض خاص في مهرجان «كان». الصالة كانت ممتلئة عن آخرها باستثناء مقعد شاغر في المقدمة عن قصد. رمز للحاضر الغائب تشارلي شابلن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».