«علاء الدين» المعروضة في نيويورك تثير ضجة بين العرب والأميركيين

طاقم المسرحية لا يضم ممثلين عربا أو مسلمين

مشهد من مسرحية «علاء الدين»
مشهد من مسرحية «علاء الدين»
TT

«علاء الدين» المعروضة في نيويورك تثير ضجة بين العرب والأميركيين

مشهد من مسرحية «علاء الدين»
مشهد من مسرحية «علاء الدين»

يوم الخميس، رشحت رابطة «كريتكز سيركل» (حلقة النقاد)، التي تضم نقاد المسرحيات في نيويورك، مسرحية «علاء الدين» كثاني أحسن مسرحية في «برودواي» - شارع المسارح في نيويورك. وجاءت بعد مسرحية «جنتلمانز غايد» (دليل الجنتلمان).
تعد هذه الترشيحات مهمة لأنها تسبق ترشيحات جوائز «توني»، التي ينظمها اتحاد المسارح والمسرحيين في «برودواي»، والتي ستعقد، في شهر يونيو (حزيران) المقبل. وحسب التقاليد، وفي أحيان كثيرة، تتبع «توني» ترشيحات هؤلاء النقاد.
أخيرا، كتبت مليكا راو (محررة الشؤون المسرحية في صحيفة «هافنغتون بوست») عن مسرحية «علاء الدين»: «خلال الشهر الأول من العرض السحري لمسرحية ديزني الموسيقية الجديدة (علاء الدين) امتلأ المسرح، وتوالت التعليقات الإيجابية. ويوجد سببان لسحر هذه المسرحية: أولا: أنها مسرحية الغناء الرائع، والرقص المذهل، حسب التقليد القديم للمسرحيات. ثانيا: أنها واحدة من أكثر المسرحيات في تاريخ (برودواي) من حيث تنوع الممثلين والممثلات». لكن، هل هذا صحيح؟ هل يضم طاقم التمثيل جنسيات عربية أو ممثلين وممثلات مسلمين؟
قبل بداية عرض المسرحية، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات للمسرحية بأنها، نعم فيها ممثلون وممثلات بيض، وسمر، وسود، ولاتينيون، وكاريبيون، وكوبيون، ومكسيكيون.. لكن، لا عربي، ولا مسلم.
هل يعقل، أنه من بين 34 ممثلا وممثلة في مسرحية تدور أحداثها في الشرق الأوسط، لا يكون فيها واحد أو واحدة من خلفية شرق أوسطية؟!
رفضت شركة «ديزني» التعليق. قالت إن التقسيمات العرقية غير مطروحة في قراراتها. ولهذا، لا يمكن أن تؤكد أو تنفي الاتهامات. وأشارت إلى التزام الشركة بسياسة «عمى ألوان»، يعني هذا أن الشركة تختار طاقم التمثيل من دون وضع اعتبار لألوانهم أو أعراقهم.
وأوضحت «ديزني» في بيان أنه «من الناحية القانونية، لا يسمح للشركة أن تسأل عن الموظفين المحتملين في عملية الاختبار للتمثيل في أفلامنا ومسرحياتنا. ونحن فخورون كثيرا بما لدينا من موهوبين متنوعين».
لكن، في الجانب الآخر، انتقد سامر خلف، رئيس اللجنة الأميركية العربية ضد التفرقة (تعرف باسم «لجنة أبو رزق»، في إشارة إلى السيناتور الأميركي اللبناني جيمس أبو رزق، الذي أسسها قبل ثلاثين سنة تقريبا) موقف «ديزني»، وأوضح أن اللجنة وصلت لها شكاوى من ممثلين وممثلات عرب بأنهم تقدموا للاشتراك في المسرحية، لكن طلباتهم رفضت. ويعتقدون أنهم مؤهلون، وأن سبب الرفض هو أنهم إما عرب، أو مسلمون، أو الاثنان معا.
وقال خلف: «تظل قضية العنصرية دائما موجودة في هوليوود (أفلام ومسلسلات تلفزيونية)، وفي برودواي (مسارح). ليس فقط التفرقة العنصرية، ولكن أيضا، التمثيل العنصري. هل مناسب للناس أن يمثلوا أدوار عرقيات أخرى؟ لهذا، بالنسبة لنا، فمسرحية (علاء الدين) فيها مشاكل».
وقد صادف الجدل حول ممثلي وممثلات هذه المسرحية العربية في مسارح أميركية، جدل مماثل حول مسرحيات آسيوية. وأخيرا، أصدر ائتلاف العمل الأميركي الآسيوي (إي آي بي آي سي) تقريرا أشار فيه إلى أنه أولا: 80 في المائة من الأدوار المسرحية خلال الموسم الماضي في «برودواي» أداها ممثلون وممثلات بيض. ثانيا: 10 في المائة من الأدوار التي حصلت عليها أقليات (بما في ذلك عرب ومسلمون وسود ولاتينيون وآسيويون) يمكن وصفها بأنها «أدوار مهمة».
في السنة الماضية، نشبت مشكلة مماثلة حول مسرحية «لايون كينغ» (الملك الأسد). هذه، أيضا، من شركة «ديزني». وأيضا، كانت فيلما كرتونيا. وأيضا، نجحت نجاحا خياليا. وأيضا، وصفها النقاد بأنها «ماجيك» (سحرية)، خاصة بسبب ولوع الأطفال بها. لكن، عندما حولت الشركة الفيلم إلى مسرحية، لم تلتزم بسياسة «كالار بلايند» (عمى ألوان). وقدمت التماسا للموافقة على زيادة عدد الممثلين والممثلات السود (طبعا، لأن المسرحية أفريقية). وكتبت إلى وزارة أمن الوطن (قسم الهجرة والجوازات) الالتماس الآتي: «نود أن يبقى بعض مواطني جنوب أفريقيا الذين يعملون معنا في مجال التمثيل في البلاد بسبب نوعيتهم الفريدة». وأشار الالتماس إلى «لهجة نادرة من نوعها».
في ذلك الوقت، وفي مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، قالت الشركة إن «الملك الأسد» أنتج في جنوب أفريقيا. ولهذا، صارت له «قانونية خاصة».
في الجانب الآخر، أنتجت الشركة «علاء الدين» في الولايات المتحدة، في هوليوود. وكأنها تقول إن سياسة «عمى ألوان» تطبق في الولايات المتحدة، وليس في أفريقيا، خاصة في فيلم أفريقي أسود.
طبعا، قصة «علاء الدين» ليست أفريقية، بل عربية. وهي شخصية خيالية ورد ذكرها في كتاب «ألف ليلة وليلة». وأنتجت في كثير من الأفلام، أشهرها فيلم شركة ديزني عام 1992.. شاب لديه مصباح عندما يفركه يخرج جني يحقق له كل أمانيه.
في الحكاية الشائعة، يتمكن علاء الدين من التحكم في القوى الخارقة للمصباح. ويصبح بذلك ثريا، وذا قوة. ولهذا يحاول الحاكم جعفر أخذ المصباح منه. وبينما يريد علاء الدين أن يكسب حب ياسمين، يتآمر جعفر مع مشعوذين وأشرار ضد علاء الدين. لكن، حسب الجدل وسط الأميركيين حول مسرحية «برودواي»، يوجد شك في أصل الحكاية، وهل هي عربية، أو فارسية، أو هندية.
ولأن أول مرة ظهرت فيها الحكاية في الغرب، كانت باللغة الفرنسية، وفي القرن السابع عشر، وترجمها الفرنسي أنطوين غالاند، يقول أميركيون إن الرواية غربية. ويعني هذا أن قول العرب إن الرواية عربية (ناهيك عن أهمية وجود ممثلين وممثلات عرب فيها) ليس صحيحا. إلا أن حسن الشامي (أميركي - مصري) أستاذ الفولكلور في جامعة إنديانا، قال إن ترجمة غالاند «فيها كثير من المفاهيم الضارة عن الثقافة الإسلامية التي ازدهرت في الغرب لعدة قرون». وأضاف: «تصور المسلمين بأنهم يتميزون بالعنف ويؤمنون بالخرافات». وعن أبطال الحكاية، قال إنهم عرب، مهما صوروا في أفلام أو مسرحيات.
في الحقيقة، نشبت ضجة مماثلة في عام 1992، عندما ظهر فيلم «علاء الدين»، ولأن الفيلم كرتوني، وشخصياته كرتونية، لم تكن الضجة عن الأعراق والجنسيات، بل كانت عن كلمات أغان. وفي ذلك الوقت، احتجت نفس «لجنة السيناتور أبو رزق».
واضطرت شركة «ديزني» إلى تغيير كلمات في أغنية الافتتاح: «أرابيان نايتز» (ألف ليلة وليلة باللغة الإنجليزية). كانت تقول: «بلادي بلاد بربرية، يقطعون فيها أذنك إذا كانوا لا يرتاحون إلى وجهك». أسقطت الإشارة إلى الأذن المقطوعة. لكن، بقيت كلمة «بربرية»، لأن الشركة قالت إنها تشير إلى الأرض، وإلى الطقس، وليس إلى الناس.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».