مقهى «تورتوني» مقصد النجوم في قلب العاصمة الأرجنتينية

ارتاده مارادونا وبورخيس وأدار رئيس البلاد حملاته الانتخابية على موائده

يحتفل «تورتوني» هذا العام بمرور 149 عامًا على إنشائه -هيلاري كلينتون زارت المقهى في العاصمة الأرجنتينية - الروائي خورخيه بورخيس اعتاد التردد على المقهى لتناول القهوة بعدما أصابه العمى الكامل
يحتفل «تورتوني» هذا العام بمرور 149 عامًا على إنشائه -هيلاري كلينتون زارت المقهى في العاصمة الأرجنتينية - الروائي خورخيه بورخيس اعتاد التردد على المقهى لتناول القهوة بعدما أصابه العمى الكامل
TT

مقهى «تورتوني» مقصد النجوم في قلب العاصمة الأرجنتينية

يحتفل «تورتوني» هذا العام بمرور 149 عامًا على إنشائه -هيلاري كلينتون زارت المقهى في العاصمة الأرجنتينية - الروائي خورخيه بورخيس اعتاد التردد على المقهى لتناول القهوة بعدما أصابه العمى الكامل
يحتفل «تورتوني» هذا العام بمرور 149 عامًا على إنشائه -هيلاري كلينتون زارت المقهى في العاصمة الأرجنتينية - الروائي خورخيه بورخيس اعتاد التردد على المقهى لتناول القهوة بعدما أصابه العمى الكامل

بعضهم يبحث عن الروائي خورخيه بورخيس، فيما يبحث آخرون عن أسطورة الكرة العالمية مارادونا. لتلك الشخصيات صلة قوية بمقهى «تورتوني» الساحر بقلب العاصمة الأرجنتينية بيونس أيريس. فبحسب بعض سكان العاصمة، اعتاد الروائي اللاتيني الشهير خورخيه لويس بورخيس تناول القهوة بمقهى «تورتوني» بعد الظهيرة في أيامه الأخيرة، في حين أفاد آخرون بأنه اعتاد الجلوس هناك للكتابة.
بورخيس أسطورة بالفعل، لكن من المؤسف أنه لم يفز بجائزة نوبل في الأدب. فكتاباته خليط من السحر وجمال الكلمات المنتقاة بعناية، التي نقرأها في قصصه القصيرة. يرى بعض من قرأ للكاتب الكبير أنه كان شاعرا أكثر منه روائيا، رغم أنه لم يكتب قصيدة واحدة. ومن أشهر كتبه «الألف» الذي ضم عددا من القصص القصيرة. مات بورخيس عام 1986 عن 86 عاما.
وفي مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع مدير مقهى «تورتوني»، نيكولاس برادو، أكد أن بورخيس اعتاد التردد على المقهى لتناول القهوة بعدما أصابه العمى الكامل، وبالطبع كان هناك الكثير من السياح الذين زاروا المكان لالتقاط الصور مع الروائي الكبير.
من بين غيره من مشاهير الأرجنتين ممن اعتادوا التردد على «تورتوني» لاعب الكرة الشهير ديغو أرماندو مارادونا، ويزعم البعض، وبخاصة كبار السن، أن العالم ألبرت أينشتاين أيضا زار تورتوني.
يعد المقهى التاريخي الأقدم في العاصمة، وربما أحد أقدم المقاهي في أميركا اللاتينية على الإطلاق. ويحتفل «تورتوني» هذا العام بمرور 149 عاما على إنشائه؛ ولذلك فزيارة لهذا المكان تجعلك تشعر كأنك عدت بالزمان إلى الوراء؛ نظرا إلى وجود الكثير من معالمه الأصيلة على حالها. يشبه هذا الجزء من بيونس أيريس باريس في الماضي، فكل ما فيه فاتن ومريح. يتكون المقهى من طابقين، ويقع في حي «إيفينيو دو مايو» بقلب العاصمة. ويعتبر الشارع الذي يقع فيه المقهى أشهر شوارع العاصمة، ويزدحم بالمحال التجارية والمطاعم، بالإضافة إلى القصر الرئاسي «ذا كاسا روسادا» الذي يبتعد دقائق محدودة عن الشارع.
ويضم المقهى تماثيل لبعض أهم زواره، مثل أينشتاين والمطرب الشهير كارلوس غارديل، الذي منح إيقاع رقصة «التانغو» الأرجنتينية التقليدية شهرة عالمية، وكان صوت غارديل القوي يمنح كل أغنية إحساسا يجعل المستمع يشعر بأنه يغني له وحده. يشرح إيقاع التانغو الكثير من التراث الأرجنتيني؛ إذ إن الكثير من السياح يزورون بيونس أيريس فقط ليتعلموا أو يشاهدوا رقص التانغو.
ويقدم «تورتوني» مذاقا أرجنتينيا خالصا، حيث يستطيع رواد المقهى المشاركة في رقصة التانغو أو الاكتفاء بمشاهدتها أو سماع موسيقاها. ويقدم المقهى مجموعة متنوعة من الحلويات والأطباق اللذيذة، ومختلف أنواع القهوة والشاي.
وأفاد نيكولاس برادو بأن مشروب الشوكولاته الساخن يعتبر من اختصاصات المقهى، وإن أردت الاستمتاع بلحم البقر على الطريقة الأرجنتينية، يمكنك تناول شرائح اللحم مع رقائق البطاطس والسلطة هناك أيضا.
ويشعر نيكولاس، مدير المقهى، بالفخر بأن «تورتوني» لم تغلق أبوابها يوما على مدى تاريخها الطويل حتى وقت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي مرت بها الأرجنتين، مضيفا أن سر نجاح المقهى يكمن في رواده. ففي هذا المكان تستطيع مشاهدة الأرجنتين والأرجنتينيين أمامك من خلال مئات الصور للمشاهير، وحتى زوارها الأجانب، مثل مرشحة الرئاسة الأميركية السابقة هيلاري كلينتون.
ولتلك الأسباب اختارت الحكومة الأرجنتينية «تورتوني» مقصدا سياحيا مهما، وراعت أن تشمل أي مطبوعات عن بيونس أيريس نبذة عن عنه. وأفاد مدير المقهى بأن «تورتوني» كانت دوما شاهدا على التغييرات التي مرت بها بالبلاد. ويبلغ عدد زوار المقهى نحو 45 ألف زائر شهريا، غالبيتهم من البرازيل وأميركا اللاتينية وأوروبا.
ويستعيد مدير تورتوني ذكريات الماضي القريب عندما كان الرئيس الحالي موريسيو ماكري لا يزال عمدة للعاصمة بيونس أيريس، وكان يرتاد المقهى كل صباح لتناول وجبة الإفطار وقهوة الصباح والكروسان وعصير البرتقال، وأيضا عندما كان يقيم حملاته الرئاسية بالمقهى. لكن ماكري لم يزر المقهى منذ ذلك الحين، لكنه حتما سيعود إليها يوما ما، حسب مدير المقهى. فمن المستحيل أن تعيش في بيونس أيريس من دون معرفة قصة ذلك المقهى العتيق بقلب العاصمة الأرجنتينية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».