جوسيبي بينوني يعرض لأول مرة في روما

«فندي» تفتتح أبواب مقرها الرئيسي لأعمال فنان يجسد الفن المعاصر

جانب من معرض ماتريس لجوسيبي بينوني - الفنان جوسيبي بينوني أمام أحد أعماله المعروضة في «ماتريس»
جانب من معرض ماتريس لجوسيبي بينوني - الفنان جوسيبي بينوني أمام أحد أعماله المعروضة في «ماتريس»
TT

جوسيبي بينوني يعرض لأول مرة في روما

جانب من معرض ماتريس لجوسيبي بينوني - الفنان جوسيبي بينوني أمام أحد أعماله المعروضة في «ماتريس»
جانب من معرض ماتريس لجوسيبي بينوني - الفنان جوسيبي بينوني أمام أحد أعماله المعروضة في «ماتريس»

جوسيبي بينوني واحد من أهم فناني إيطاليا المعاصرين، فهو نحات جريء ينتمي إلى حركة آرتي بوفيرا - «الفن الفقير» التي ظهرت في ستينات القرن الماضي، وكانت تستهدف إلغاء «الانقسام بين الفن والحياة». قوته الفنية تكمن في استعماله مواد متنوعة وأحيانًا متناقضة مثل الخشب والشمع والمعدن والمرمر والجلد، إضافة إلى قدرته على نحت أشكال مبتكرة تتكلم لغة الطبيعة والجسد.
في عام 2003، مثلا قدّم 3 منحوتات شجرية على شكل مزهرية أخذت شكل جسد، وفي عام 1999، عرض بباريس عملاً على شكل شجرة تتفرع أغصانها وتبدو كأنها تتطلع إلى فضاءات المكان، إضافة إلى كثير من الأعمال الخشبية التي تستلهم من جذوع الأشجار وأغصانها أشكالها، أو المنحوتات الصخرية التي تتماهى مع الطبيعة. وهي أعمال تنجح دائمًا في فتح حوارات فكرية عن علاقة الإنسان بمحيطه وبالطبيعة ككل.
أما دار «فندي» فغنية عن التعريف بالنسبة لعشاق الترف على الأقل. صحيح أنها لم تنتمِ يومًا إلى أي حركة فقيرة، إلا أنها تتشارك مع النحات عشقه للفن الذي تدعمه بكل قواها. فهي التي تولت ترميم نافورة تريفي الشهيرة بتكلفة لم تقل عن 2.2 مليون يورو، فيما قالت إنه رسالة حب لمدينة روما، التي شهدت ولادتها، علمًا أن هذا الحب شمل أربع نافورات أخرى هي «جيانيكولو» و«موزيه» و«نينفيو ديل بينكيو» و«بيسكييرا».
آخر مغامراتها الفنية كانت معرضًا افتتحته يوم 26 من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في مقرها الرئيسي بروما «بلاتزيو ديلا سيفيليتا إيطاليانا» وكان جوسيبي بينوني بطله، حيث شكل المبنى الواسع والمترامي على عد طوابق خلفية مناسبة جدًا لأعماله.
ولا تخفي الدار أنها عندما قررت تنظيم أول معرض في مقرها الرئيسي كان مهمًا أن تكون البداية قوية، الأمر الذي جعل اسم الفنان الإيطالي الجريء أول من تبادر إلى ذهنها. بيترو بيكارا، الرئيس التنفيذي لـ«فندي» أكد أن قدرة الفنان على الابتكار والإبداع إلى جانب قدرته على خلق لغة تربط الحرفية والدقة بالفلسفة كانت وراء انجذاب الدار إليه وفتح أبواب مقرها الرئيسي له «فهناك قواسم مشتركة كثيرة بيننا» حسب قوله.
المعرض بعنوان «ماتريس»، وأشرف على تنظيمه واختيار كل تحفة وعمل فني فيه ماسيميليانو جيوني الذي سبق له تنظيم «بينالي البندقية في عام 2013 إلى جانب فعاليات أخرى. الفكرة من المعرض حسب الدار وماسيميليانو تتركز على تقديم فرصة نادرة للاستمتاع بأعمال منتقاة بعناية تُعرف بمدرسة الفنان من جهة، وبرؤيته الفنية من جهة ثانية. لم تكن هذه الأعمال جديدة بالكامل، إذ اختارها ماسيميليانو من عدة حقب حتى تتبع مسيرة بينوني منذ بداياته في الستينات إلى اليوم. فهذا عنصر مهم لتعريف الرومانيين الذين تعودوا على الفن الكلاسيكي بفنان يُجسد الفن المعاصر، علمًا أن المعرض يكتسب نفس الأهمية بالنسبة لبينوني كون أعماله تُعرض لأول مرة في روما رغم مشاركاته في عدة معارض عالمية، نذكر منها معرض فردي في «فيرساي» عام 2013 حيث كان أول فنان إيطالي يحصل على هذا الاعتراف، إضافة إلى احتضان قاعة «ذي تايت» اللندنية ومركز جورج بومبيدو الثقافي بباريس لأعماله وغيرهما.
سيكتشف الزائر للمعرض مدى تطور الفنان، الذي بدأ كنحات تتملكه فورة الشباب في الستينات من القرن الماضي فتمرد على التابوهات والتقاليد الفنية، وكيف نجح في شق طريق خاص به. كما يمكنه أن يلمس كيف نضج أسلوبه وتطورت أعماله من البدائي إلى المعقد. فالمنحوتات المعروضة تتمازج فيها مواد مثل البرونز والمرمر لتأخذ أشكالاً أكثر دقة وحرفية في ملمسها، وإن كانت لا تزال تعتمد على نفس المواضيع الطبيعية، مثل جذوع الأشجار الضخمة وأغصانها المتشابكة من البرونز أو المرمر فيما يمكن رؤيته كزواج ناجح بين الكلاسيكي والبيئة والباروك الحديث.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».