«صفحات»... مجتمع جديد للسوريين في إسطنبول يميزه صوت فيروز

مكتبة ومقهى أسسها المثقفون والفنانون العرب والأتراك

سامر القادري مؤسس مكتبة ومقهى صفحات - مكتبة صفحات في أحد المنازل العتيقة في حي الفاتح التاريخي في إسطنبول
سامر القادري مؤسس مكتبة ومقهى صفحات - مكتبة صفحات في أحد المنازل العتيقة في حي الفاتح التاريخي في إسطنبول
TT

«صفحات»... مجتمع جديد للسوريين في إسطنبول يميزه صوت فيروز

سامر القادري مؤسس مكتبة ومقهى صفحات - مكتبة صفحات في أحد المنازل العتيقة في حي الفاتح التاريخي في إسطنبول
سامر القادري مؤسس مكتبة ومقهى صفحات - مكتبة صفحات في أحد المنازل العتيقة في حي الفاتح التاريخي في إسطنبول

يجد السوريون ممن فاتتهم أجواء الحياة في بلادهم التي غادروها مضطرين فرارا من نيران الحرب قطعة من بلادهم في مكتبة ومقهى «صفحات» التي أسسها السوري سامر القادري وعدد من الفنانين والمثقفين والصحافيين السوريين والعرب والأتراك.
مع أنغام فيروز الأثيرة والمحببة لكل أبناء الشام، ولكل العرب أيضا، يجلس الشباب للقراءة في الكتب المتاحة مجانًا، أو استعارة ما يريدونه مقابل 20 ليرة (4.80 دولار) شهريا.
كما يأتي الرجال والنساء السوريون لتناول القهوة والقراءة والكتابة تحت أشعة الشمس المتدفقة من النوافذ في أحد البيوت العتيقة بجوار متحف «كاريا» بمنطقة الفاتح التاريخية في قلب إسطنبول، وفي المساء أيضا يمكنهم حضور الحفلات الموسيقية أو مشاهدة الأفلام أو حضور ورشات العمل والمعارض الفنية.
إنها حياة خاصة يعرف طعمها السوريون الذين يوجد منهم نحو 2.7 مليون في تركيا كما يقول سامر القادري، مؤسس أول مكتبة عربية في إسطنبول، وعمره 42 عاما، ويضيف: «أنا سعيد بشكل لا يصدق. هنا ألتقي مع شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما. هذا الجيل يثير دهشتي بتفكيره وانفتاحه وطريقة حواره». ويتابع: «في هذا المكان، يمكننا إجراء الحوارات والنقاشات بين السوريين لتغيير عقليتنا التي كانت مغلقة في سوريا، ولم تر العالم الخارجي. ورغم كل المآسي في سوريا، هناك جانب واحد أراه إيجابيا لمستقبل سوريا، ويسمح للسوريين بالخروج من القوقعة التي كانوا يعيشون فيها. هناك أمور كثيرة تغيرت. كثير من الرجال والنساء والشباب غيروا طريقة تفكيرهم وأصبحوا أكثر انفتاحا. لقد تعلم السوريون كثيرا عن العالم رغم محنتهم».
مكتبة ومقهى «صفحات» افتتحها في 12 يونيو (حزيران) 2015 مجموعة من الفنانين والمثقفين لتعيد أجواء القراءة الحقيقية ورائحة الكتب وملمس الورق مجددًا بجهود فردية بعيدة عن التوجهات السياسية والحزبية.
من يتجول في مكتبة ومقهى «صفحات» سيجد زاوية للقراءة في الخارج تحت ظلال الأشجار وفي الداخل سيجد حتما الدفء والترحاب ومع فنجان القهوة وسحر صوت فيروز وكتاب ينسى المرء نفسه هنا لساعات في قطعة من بلاد الشام نقلت إلى هذا الركن في إسطنبول.
القادري ذاق طعم اللجوء مرتين في حياته الأولى في عام 1982، عندما هرب من مسقط رأسه في مدينة حماه في سوريا خلال مأساة المدينة العاصمة دمشق وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة، أسس دار نشر كتب الأطفال «أصابع مشرقة» التي تم تدميرها في غارة جوية في عام 2012 أثناء وجوده خارج البلاد، عقوبة له لدعمه العلني للثورة ضد نظام بشار الأسد.
انتقل إلى العاصمة الأردنية عمان، ومن ثم إلى إسطنبول مع زوجته الرسامة جلنار حاجو، حيث قرر تأسيس «صفحات».
يشعر القادري بواجبه في دعم الأطفال والشباب الذين يحاولون إيجاد مكان لهم في العالم. والذين يجدون على الرغم من جميع المآسي التي تعيشها سوريا جانبا مشرقًا في هذه المكتبة ينقلهم إلى دنياهم الأصلية ويفتح أمامهم آفاق المعرفة.
يقول من يرتادون المكتبة من الأطفال والشباب إنهم يشعرون كما لو أنهم في سوريا مرة أخرى. ودائما يقول لهم سامر القادري: «أسسنا هذا المكان لكم، وإنه المكان الذي يمكنكم القدوم إليه دائمًا».
معظم الكتب باللغة العربية، مترجمة من أنواع لا تعد ولا تحصى، من شيفرة دافنشي إلى الأدب الروسي في القرن العشرين إلى أطروحات عن التاريخ السوري وصعود الطبقة العاملة به. ويبحث السوريون الشباب في المجلدات ويجلسون لتناول القهوة مع الأصدقاء السوريين الجدد، وفي المساء، تجمع العروض والأفلام أبناء الشتاء في جو يعوضهم غياب دفء الوطن.
الكتب الأكثر شعبية هي ترجمة من قواعد الحب الأربعين للروائية التركية إليف شفق، ومزرعة الحيوان و1984 لجورج أورويل.
نجح القادري وزوجته جلنار حاجو ورفاقهما في صنع مجتمع جديد لأبناء وطنهما بدأ بإنشاء دار نشر جديدة ستبدأ طباعة الروايات للمرة الأولى باللغة العربية من قبل الكتاب السوريين الشباب ليتم توزيعها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وليست المكتبة ولا دار النشر مشاريع ربحية ويأملان أن يدعمها الناس بشراء الكتب والتبرع.
ويقول القادري: «إسطنبول بها نحو مليوني شخص خصوصا من السوريين الذين غادروا البلاد وفي غالبيتهم من الطلاب الذين يحتاجون للاطلاع على المعلومات بلغتهم الأم، الأمر الذي لم يكن سهلاً على الإطلاق والمكتبة بما يتوافر لديها من إمكانيات جاهزة لدعم واحتضان جميع المشاريع الثقافية والأنشطة الفنية والمعارض للفنانين التشكيليين السوريين والعرب وغيرهم». ويضيف: «بالطبع فإن افتتاح مشروع بهذه الفكرة وفي ثاني عاصمة سياحية على مستوى العالم لا يمكن أن يستمر دون دعم مالي ولعدم رغبة القائمين على المكتبة في الخضوع لتوجيهات وضغوطات الممولين، وللمحافظة على الاستقلالية التي ستقدمها ستعتمد مكتبة (صفحات) على العائدات المالية الواردة من اشتراكات رواد المكتبة، وبعض الأنشطة الأخرى التي تحقق أرباحًا مثل المقهى».
يشرف على المكتبة الآن عدد من الفنانين والشخصيات الثقافية مثل الفنان السوري ماهر صليبي وزوجته الفنانة يارا صبري والكاتبة العُمانية عبير علي، إضافة إلى عدد من الإعلاميين والشخصيات الأدبية من ضمنهم كاتبة تركية أيضًا. إلى جانب سامر القادري وزوجته جلنار حاجو. ويمكن للشباب السوري متابعة أخبار مكتبة «صفحات» على «فيسبوك» أو زيارتها مباشرة.
وخطوة بخطوة تتحول مكتبة ومقهى «صفحات» إلى مركز ثقافي عربي، حيث يذخر برنامج المكتبة بورشات العمل الأدبية والفنية، وبالندوات والمحاضرات التي تستضيف المختصين من مختلف الجنسيات، كما تسعى المكتبة لأن تكون جسرا سوريا عربيا تركيا.
أما عن محتويات المكتبة فيقول القادري إن «صفحات» يوجد بها أقصى تنوع وتعدد ممكن من الكتب والروايات والدراسات، باستثناء الكتب التي تدعو إلى التطرف والتشدد أو الكتب التي تروج لنظام الأسد.
وكان لوجود اسم الفنانة يارا صبري بين مؤسسي «صفحات» دور كبير في الترويج للمكتبة.
ومؤسسو المشروع هم الفنانة يارا صبري، الكاتبة والرسامة جلنار حاجو، الممثل والمخرج ماهر صليبي، والصحافية أليسار حسن، والمخرج فراس فيّاض، بالإضافة للكاتبة التركية زينب سيفدا باكسو، والعُمانية عبير علي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».