لعبة «التحطيب» القتالية تراث مصري يصل إلى العالمية

الفراعنة رسموها على جدران المعابد واليونيسكو تسجلها في قائمة التراث

التحطيب فن من الفنون القتالية
التحطيب فن من الفنون القتالية
TT

لعبة «التحطيب» القتالية تراث مصري يصل إلى العالمية

التحطيب فن من الفنون القتالية
التحطيب فن من الفنون القتالية

وصلت لعبة التحطيب المصري للعالمية بعد نجاح القاهرة في تسجيل ملف «التحطيب» ضمن قائمة التراث غير المادي باليونيسكو، وفي هذا الإطار يُنظم متحف النسيج المصري وإدارة القاهرة التاريخية بوزارة الآثار احتفالية بعنوان «التحطيب تراث مصري يصل للعالمية» وذلك مطلع فبراير (شباط) المقبل، ضمن دور وزارة الآثار في الحفاظ على التراث ونقله من جيل إلى آخر.
والتحطيب فن من الفنون القتالية المصرية المستمدة من الأصول الفرعونية القديمة، الذي تستخدم فيه العصي الخشبية في المبارزة... وكان طقسًا يوميًا عند الفراعنة، وفي العصر الحديث تغير مفهوم اللعبة إذ تحولت إلى رقصة، فأصبحت تقدم من خلال الأفراح داخل الريف المصري والصعيد كنوع من أنواع التراث الشعبي... وتعود تسمية اللعبة بالتحطيب، نظرا لأنها كانت تلعب باستخدام الحطب أو العصي الغليظة التي يطلق عليها الآن «شومة»، وهذه العصي ليست للعدوان؛ لكن ترمز للتمسك بالنبل والشهامة.
وتتضمن احتفالية وزارة الآثار العديد من الفعاليات؛ حيث يلقي نخبة من رواد الفكر والعلم مجموعة من المحاضرات القيمة عن تاريخ هذه اللعبة، واستمرارها كواحدة من أهم الموروثات الشعبية، وتختتم الأجواء الاحتفالية بعرض للفرقة الشرقية للفنون الشعبية والتحطيب أمام متحف النسيج المصري بالتعاون مع وزارة الثقافة.
وقالت رئيسة قطاع المتاحف بوزارة الآثار إلهام صلاح، إن تسجيل لعبة التحطيب بقائمة التراث العالمي خطوة مهمة على صعيد زيادة الوعي بعناصر التراث الثقافي غير المادي في المجتمع المصري، وأهمية تكثيف الجهود للحفاظ عليه، خاصة وأنه ليس لدى مصر سوى عنصر آخر مسجل على ذات القائمة وهو «السيرة الهلالية».
وتقوم قواعد المبارزة على الاحترام المتبادل والصداقة والشجاعة والفروسية والفخر، ويتم تناقل فنون هذه المبارزة بين العائلات والمجتمعات والبيئة المحيطة التي حافظت على جزء من الرموز والقيم المرتبطة بممارستها، حيث يقدم المتبارزون على أنغام الموسيقى الشعبية عرضًا قصيرًا للحركات غير العنيفة باستخدام عصي طويلة في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات الدينية، ويمارس هذه اللعبة الذكور الذين غالبًا ما يكونون من سكان محافظات الصعيد (جنوب مصر).
وقال الأثري أسامة إبراهيم إن التحطيب فن من الفنون القتالية المصرية المستمدة من الأصول الفرعونية القديمة تستخدم فيه العصي الخشبية في المبارزة، لافتًا إلى أن الفراعنة صوروا هذه الرياضة على جدران مقابرهم ومعابدهم وكانوا يهتمون بتعليمها للجنود، مضيفًا أن العصي المستخدمة في فن التحطيب ليست عصي عدوان؛ لكنها عصي محبة.
في السياق ذاته، قال الدكتور حسام الدين محسب الأستاذ بالمعهد العالي للفنون الشعبية في دراسة له إن لعبة التحطيب تعد إحدى الظواهر الشعبية في الصعيد التي ترمز في مجملها إلى القيمة نفسها، وهي البطل الشعبي ابن النيل في مواجهة التحدي وتحقيق الانتصار ليس للذات؛ بل للجماعة بأسرها، صحيح أن التحطيب لعبة بالأساس، لكنها انعكاس لمفاهيم المجتمع ورؤيته للكون.
مضيفا: «كل جماعة من قرية أو مركز تأتي لتشجيع لاعبها وإعلان انتصاره باعتبارها الفئة التي تستحق هذا النصر... إنه صراع أبطال ممثلين لجماعات، وهنا الجوهر المشترك الذي يجعل لعبة التحطيب جزءًا جوهريًا من المجتمع لا يمكن فهمه بعيدًا عن ظروف هذا المجتمع الحضارية التي تعيننا في النهاية على فهم وتفسير عاداته وتقاليده وفنونه وآدابه». لافتًا إلى أن الشكل الاحتفالي لرقصة التحطيب والذي يفرض طبيعة خاصة للفرجة والأداء والمضمون الدرامي، ليس فقط المعنى أو العبرة المأخوذة من اللعب؛ بل يبحث في المفاهيم الدرامية المتحققة في لعبة التحطيب أو رقصة التحطيب... فهناك مفاهيم مشابهة للصراع والتمثيل والإيهام، إلى آخره من مفاهيم الدراما، وهذا ما يجعلنا نكتشف الأصول الدرامية التي خرجت منها لعبة التحطيب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».