هينتوف: لا يوجد نصف حرية

ارتفاع مبيعات كتب تتحدث عن حرية الرأي في أميركا

غلاف الكتاب  -  نات هينتوف
غلاف الكتاب - نات هينتوف
TT

هينتوف: لا يوجد نصف حرية

غلاف الكتاب  -  نات هينتوف
غلاف الكتاب - نات هينتوف

مع نهاية العام الماضي، ومع تهديدات المرشح الجمهوري دونالد ترامب للصحافيين، ارتفعت مبيعات كتب تتحدث عن حرية الرأي في الولايات المتحدة، ومنها كتاب «حرية الرأي لي... لا لك»، الذي كتبه الصحافي والكاتب الليبرالي نات هينتوف، والذي رحل قبل أيام عن 91 عاما.
وكان هينتوف قد اشترك في ندوة أقامها مركز «كاتو»، (ليبرالي)، في واشنطن عن الانتخابات الرئاسية المتوقعة، وتحدث فيها عن «انقسام الحزب الجمهوري بين يمينيين ومعتدلين».
ما دخل ليبرالي بالحزب الجمهوري؟ هذا هو فحوى كتابه القديم الجديد. اسم الكتاب الكامل هو: «حرية الرأي لي... لا لك: كيف حظر اليساريون واليمينيون حريات بعضهم بعضا».
في جانب، ينتقد هينتوف الكتاب اليمينيين لأنهم يريدون تقليل فرص المساواة السياسية للأقليات، بداية بالسود. ومن جانب آخر، ينتقد الكتاب اليساريين لأنهم يريدون حظر الحريات دفاعًا عن «أحاسيس الأقليات»، بخاصة السود. وكذلك، يصب هينتوف غضبه على أشياء كثيرة (رغم ما يبدو بينها من تناقضات): عقوبة الإعدام، والإجهاض، وغزو العراق، وإسرائيل، وموت المريض الاختياري... إلخ.
يقول: «يجب أن نختار بين طريقين: طريق الحرية، أو طريق غيرها. لا يوجد طريق ثالث. لا يوجد نصف حرية، أو ربع حرية. قبل حرية السياسة والتجارة والحرية الاجتماعية؛ العدل. مرة أخرى، يجب أن نختار بين طريقين: طريق العدل، أو طريق الظلم. لا يوجد نصف عدل، أو نصف ظلم».
لهذا، يؤيد الكتاب بعض جوانب الفكر المحافظ، ويشيد في مواضع أخرى ببعض جوانب الفكر الليبرالي. إنه، مثلا، يدين الرئيس جورج بوش الابن بسبب غزو العراق، لكن، يؤيده بسبب مشروع قانون توطين اللاجئين غير القانونيين (أفشل المشروع جمهوريون في الكونغرس).
وينتقد الكتاب الرئيس باراك أوباما، بسبب ضربات طائرات «درون»، (من دون طيار)، لكن، يؤيد قانون «أوباماكير» (التأمين الصحي لكل مواطن أميركي).
توجد في الكتاب صفحات قليلة عن الاتحاد الأميركي للحقوق المدنية (إيه سي إل يو)، أكبر منظمة أميركية لحقوق الإنسان؛ في جانب، أيدها الكتاب لدفاعها، عبر عقود وعقود، عن «حقوق الإنسان الضرورية»، بخاصة بالنسبة للأقليات الدينية والعرقية. وفي جانب، ينتقدها الكتاب لدفاعها عن «حقوق الإنسان الكمالية»، بخاصة قوانين منع الإساءة للأقليات في الجامعات والمكاتب والمصانع.
تسمى هذه الأخيرة «سبيتش كود»، (قانون الكلام)، والهدف منها محاولات منع المشكلات قبل وقوعها؛ مثلا: منع التحرش الجنسي (لمنع الاعتداء الجنسي)، ومنع الشتيمة (لمنع الاشتباك). لكن، لا تحدد هذه «القوانين»، (جزء كبير منها غير مسنود بتفسيرات دستورية)، معاني الكلمات؛ مثلا: ما «التحرش الجنسي»؟، وما «الشتيمة»؟، ومن يحددها: المعتدي (يمكن أن ينكر)، أم المعتدى عليه (يمكن أن يبالغ)؟
عن هذه النقطة، يتحدث الكتاب عن «هيت سبيتش»، (كلام الكراهية)، ويقول إن المحاكم لم توافق عليها دستوريا، بسبب «ميوعة» تفسيراتها.
توجد في الكتاب، أيضا، صفحات عن منظمة الحقوق الأساسية في التعليم (إف اي آر إيه)، وكان المؤلف عضوا في مجلس إدارة المنظمة، لكنه استقال منها بسبب اختلافات حول محاولات منع كتب «غير أخلاقية» في المدارس وفي المكتبات العامة.
وعموما، ينتهي الكتاب باستنتاج أن الحرية تواجه الخطر عندما تقل حرية أي شخص ليقول ما يريد، مهما كان رأينا فيما يقول.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».